تحدثنا في المقال السابق عن تاريخ نشأة الدبابة وبعض المصطلحات العسكرية الخاصة بتصنيف قوة الدروع الخاصة بها بالإضافة إلي الخصائص الفيزيائية والكيميائية للقذائف المضادة للدبابات.
“الدبابة هل لازالت تحمل رونقها القديم“
ورغم أن الدبابة في الأصل نشأت في الغرب، في (بريطانيا) و(فرنسا) أثناء الحرب العالمية الأولى إلى أنه مع الاجتياح الألماني ل(روسيا) في الحرب العالمية الثانية وعدم قدرة الدبابة السوفيتية على التصدي لنظيراتها الألمانية أضافت (روسيا) للدبابة العديد من الاختراعات الهامة والتي يستعمل بعضها حتى يومنا هذا.
أهمها الدروع المائلة Sloped Armor والفكرة بسيطة وعبقرية فالقاعدة الرياضية تقول أن أقرب طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم، وبما أن القذائف المضادة للدبابات في الغالب تطير في خط أفقي مستقيم وتخترق درع الدبابة أفقياً لذا فمع إمالة الدرع لأي درجة غير ال90 درجة يزيد سمك الصلب الذي تخترقه القذيفة دون إضافة اي صلب جديد. طبقت تقنية الدروع المائلة لأول مرة على دبابات التي-34 السوفيتية ومكن هذا التغيير العبقري والبسيط دبابات التي-34 من الصمود أمام مدافع دبابات البانزر 4 الألمانية ولكنها بالطبع لم يكن لديها أي فرصة أمام دبابات التايجر ومدفعها القوي عيار 88مم.
الإختراع الثاني والذي بدأ في (الاتحاد السوفيتي) ايضا مع أواخر الحرب العالمية الثانية كانت الدروع التفاعلية Explosive Reactive Armor (ERA) وهي عدة أنواع أشهرها الدروع التفاعلية المتفجرة وهي عبارة عن شحنة متفجرة صغيرة بين لوحتين معدنيتين يتم وضعها على الدبابة و حينما تتعرض الدبابة لقذيفة (سواء حشوة جوفاء أو طاقة حركية) تقوم الشحنة المتفجرة العكسية بتفتيت اللوحة المعدنية وبالتالي تقوم الشظايا أولا بتشتيت الشحنة المضادة وثانيا قد تقوم تلك الشظايا بتحطيم القذيفة نفسها.
وتصميم الدبابات السوفيتية ثم الروسية كان محكوماً بالظروف الإقتصادية والسياسية والإجتماعية للبلاد. فالاتحاد السوفيتي بلد شاسع هو الأكبر في العالم والجزء المأهول منه معظمه أراض زراعية طينية كما أن البنية المعرفية للمهندسين السوفيت وقدراتهم في إنتاج محركات قوية ذات كفاءة جيدة كانت أقل من أقرانهم في الغرب
لذا نجد أن تصميم دباباتهم تاثر بتلك الفلسفة بشدة فأنت تحتاج لدبابة تستطيع السير في الأراضي الطينية والطرق الأسفلتية ذات الجودة المنخفضة في (الاتحاد السوفيتي) دون مشاكل. كما أن المشاكل النابعة من الهندسة السوفيتية كثيرة في الغالب لذا أنت تحتاج دبابة يمكن صيانتها وتفكيكها بسهولة و تكون قطع غيارها رخيصة، ولا تنس أنك لا تستطيع وضع محرك بقوة مماثلة للمحركات الأمريكية والألمانية والفرنسية.
ولكل تلك الأسباب تميزت الدبابات السوفيتية بكونها أصغر وأخف بصورة ملحوظة من نظيراتها الغربية وبسبب صغر حجمها مقارنة بالدبابة الغربية (التي-90 على سبيل المثال يبلغ وزنها تقريباً 48 طن مقابل وزن بين 62-65 طن لكل من الأم 1 أيه1 أبرامز الأمريكية والتشالنجر2 البريطانية و الليوبارد 2أيه5 و6 و7 الألمانية) وكان لصغر حجم الدبابة عدة انعكاسات على التصميم.
أولا لجأ الروس لأفكار بسيطة ومبتكرة لتوفير حماية جيدة طاقم الدبابة رغم وجود دروع اقل سماكة من نظيراتها الغربية. تحدثنا عن الدروع المائلة والتفاعيلة وأضاف السوفيت في الثمانينيات منظومات الحماية الإيجابية عبر القتل الناعم وهي عبارة عن مزيج من الستائر الدخانية وبواعث للأشعة تحت الحمراء والمخصصة لتعمية الصواريخ الموجهة. قام الألمان والإسرائيليين والأتراك بابتكار أنظمة مشابهة فيما بعد.
ثانياً اضطر الروس لاستعمال مدفع أكبر من الموجود على الدبابات الغربية حتى يستطيع خرق الدروع السميكة للدبابات الغربية … ففي الوقت الذي كنت الدبابات الغربية تستعمل مدافع عيار 100مم و105مم قدم (الاتحاد السوفيتي) الدبابة تي-62 بالمدفع عيار 115مم. وحاليا تستعمل الدبابات الغربية مدافع عيار 120مم بأطوال مختلفة وفي المقابل تستعمل الدبابات الروسية مدافع عيار 125مم وبجوار قدرات تلك المدافع على إطلاق القذائف العادية هي مصممة كذلك لإطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.
ثالثا وهو الأهم برأيي اضطر الروس لاختصار طاقم الدبابة لثلاثة فقط مقارنة بأربع في الدبابات الغربية.
وكان الشخص الذي تم الاستغناء عنه من الطاقم هو ملقم المدفع، ففي حين أن كل الدبابات الغربية تستعمل نظام تلقيم يدوي اضطر السوفيت/الروس لابتكار نظام تلقيم أوتوماتيكي عبر صينية دوراة خلف المدفع وكانت تلك نقطة قاتلة للدبابات الروسية، ففي الدبابات الغربية يوجد مخزن الذخيرة في غرفة محصنة في خلف الدبابة ويقوم الملقم بأخذ قذيفة واحد لوضعها في المدفع ثم إطلاقها أما الدبابات الروسية فكل القذائف في صينية دوارة خلف المدفع مباشرة وليست في غرفة خاصة لذا عندما تصيب الدبابة أي قذيفة خاصة لو جاءت في المدفع تنفجر الذخيرة كلها متسببة في الغالب في مقتل الطاقم كله. يمكن مراجعة فيديوهات الإصابة الخاصة بالدبابات الروسية سواء في (سوريا) أو (أوكرانيا) ومقارنتها مع فيديوهات إصابة الدبابات الغربية في (العراق) و(اليمن) لتفهم ما أقصد.
في منتصف القرن الماضي حدد خبير الدبابات البريطاني العميد (ريتشارد سيمكن) الركائز الأساسية للدبابة في ثلاث نقاط
- الحركية
- القوة النيرانية
- الحماية
وتلك الخصائص لم تختلف حالياً عنها في القرن الماضي وإن كنا نستطيع إضافة ركائز ثانوية جديدة وبتطبيق تلك الركائز الثلاث عمليا على الدبابات الروسية نجد أنها تفتقد لنقطة هامة جدا ألا وهي الحماية
فرغم كل الاختراعات التي أضافها السوفيت/الروس لمنظومة الحماية في الدبابة إلا أنه بسبب فلسفة البناء منذ البداية ظلت الدبابات الروسية تعاني بشدة في نقطة الحماية .
معظم قذائف الطاقة الحركية الخاصة بدبابات الأبرامز الأمريكية والليوبارد 2 الألمانية قادرة على خرق دروع دبابات التي-90 والتي-80 في أجزاء كبيرة من الأمام وكل الأجناب حتى في ظل وجود الدروع التفاعلية وفي المقابل تعجز كل القذائف الخاصة بالتي-90 والتي-80 والتي72 بكل موديلاتهم عن خرق الدرع الأمامي للأبرامز أو التشالنجر-2
كما أن الأمريكان لديهم أيضا ضيفان غير مرغوب فيهما من جانب الروس في (أوكرانيا)
ألا وهما الصاروخان المضادان للدبابات (جافلين) و(تاو-2بي)
ففي حين أن كل القذائف المضادة للدبابات تطير بشكل شبه أفقي يمتاز (الجافلين) وال(تاو 2بي) بأنهم يطيرا رأسياً في السماء ثم يهجما على الدبابة من الأعلى، من أضعف نقطة تقريبا فيها السقف والذي في الغالب يكون مصمما لدخول وخروج الطاقم في خاصة اسمها (الهجوم السقفي) Top attack
ومرة أخرى لا تمتلك (روسيا) صاروخ مضاد للدبابات بخاصية الهجوم السقفي، صحيح تمتلك قذائف هاون مجهزة بتلك الخاصية ولكن دقتها لا تقارن بالجافلين أو التاو-2بي كما أنها على أرض الواقع لم تصنع اي فارق.
إذاً وطبقاً لما سبق يتضح أن الدبابات الغربية تتفوق بشدة على نظيراتها الروسية ولكن
ولكن هل هذا يعني أن الأمور ستكون سهلة ووردية للأوكران مع قدوم الدبابات الغربية؟
الإجابة لأ ن
ففي حين أن القيادة الأوكرانية ترى أن العدد الذي تحتاجه من الدبابات الغربية لمواجهة الغزو الروسي تقريبا 300 دبابة نجد أن الأعداد القادمة لأوكرانيا اقل كثيرا مما تحتاجه
فحتى الآن (بريطانيا) وعدت بإرسال 14 دبابة تشالنجر-2 و(ألمانيا) وعدت بإرسال 18 دبابة ليوبارد-2 و(الولايات المتحدة) وعدت بإرسال 31 دبابة أم1 أيه1 أبرامز كما أن (بولندا) و(النرويج) قررتا إرسال أعداد غير محددة من أسطولهما من دبابات الليوبارد-2
نتحدث عن تقريبا 63 دبابة تم إرسال أقل من نصفهما فقط
كما أن دبابات الليوبارد-2 القادمة لأوكرانيا من (ألمانيا) و(النرويج) من الدبابات القديمة طراز أيه4 ويعيبها التدريع الخفيف مقارنة بالدبابات الغربية الأخرى، بل مقارنة بالموديلات التالية لليوبارد 2 نفسها فالليوبارد 2أيه5 تم تطويرها في الأساس لتفادي عيوب الأيه4 فيما يخص التدريع في مواجهة الصواريخ المضادة للدبابات السوفيتية
وصحيح أن (روسيا) لا تمتلك أي صاروخ مضاد للدبابات بخاصية الهجوم السقفي ولكنها تمتلك ما هو أفضل حاليا
الطائرة الانتحارية بدون طيار لانست وهي طائرة صغيرة لا يزيد وزنها على ال12كجم وبمدى يبلغ 40كم وتعتبر الكابوس الحالي للقوات الأوكرانية في الدونباس وأنزلت خسائر فادحة بالمدافع الغربية الحديثة وأنظمة الدفاع الجوي المتحركة.
لا يبدو أن أيا من الطرفين قادر على الحشد اللازم لانتزاع النصر من الطرف الآخر
الحرب على الأرجح مستمرة لفترة طويلة