ما كان يخشاه السودانيون وقع، فقد اندلعت مواجهات عسكرية واسعة في العاصمة السودانية الخرطوم وغيرها من المدن بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني. وسوف أتناول الأزمة من خلال سبع نقاط رئيسية وهي:
أولاً: موجز أسباب بدأ الإقتتال في السودان (المدى القريب).
ثانياً: نسب سيطرة الطرفان على الأرض.
ثالثاً: الوضع الميداني للطرفين.
رابعاً: موقف الأحزاب السودانية لأطراف القتال
خامساً: موقف القوى الإقليمية الرئيسية.
سادساً: موقف القوى الدولية:
سابعاً: سيناريوهات الأزمة المحتملة
وكان التوتر قد تصاعد بين الطرفين مؤخراً وقام كل طرف بتعزير مواقعه العسكرية في العاصمة، بسبب الخلاف بينهما حول الجدول الزمني للانتقال إلى حكم مدني بموجب الاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه أواخر العام 2022، ودمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني ومن يقود المؤسسة العسكرية التي تتمخض عن دمج القوتين.
وفي 11 أبريل 2023، انتشرت قوات الدعم السريع بالقرب من مدينة مروي والخرطوم.([1]) أمرتهم القوات الحكومية بالمغادرة، لكنهم رفضوا. أدى ذلك إلى اشتباكات عندما سيطرت قوات الدعم السريع على قاعدة سوبا العسكرية جنوبي الخرطوم. في 13 أبريل، بدأت قوات الدعم السريع حشدها، مما أثار مخاوف من تمرد محتمل ضد المجلس العسكري. أعلنت القوات المسلحة السودانية أن التعبئة غير قانونية.([2]) [وفي 15 أبريل 2023، هاجمت قوات الدعم السريع عدة قواعد للقوات المسلحة السودانية في السودان، بما في ذلك الخرطوم. ووقعت اشتباكات بين المجموعتين في القصر الجمهوري وفي منزل اللواء البرهان.([3]) ردا على ذلك، أغلقت القوات المسلحة السودانية جميع المطارات وشنت غارات جوية على مواقع قوات الدعم السريع.
ووقعت اشتباكات في مقر الإذاعة الحكومية، تلفزيون السودان، الذي استولت عليه قوات الدعم السريع فيما بعد. ([1]) تم إغلاق الجسور والطرق في الخرطوم، وزعمت قوات الدعم السريع أن جميع الطرق المتجهة جنوب الخرطوم كانت مغلقة.([2])
أولاً: موجز أسباب بدأ الإقتتال في السودان (المدى القريب):
حتى وقت قريب، كان الرجلان حليفين، الفريق أول عبد الفتاح البرهان عبدالرحمن والشهير بـ (البرهان) القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس المجلس السيادي السوداني والفريق أول محمد حمدان دوقلو الشهير بـ (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس السيادي السوداني، حيث عملا معاً للإطاحة بالرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في عام 2019، ولعبا دوراً محورياً في حراك عام 2021 والذي أًطلق عليه “الإنقلاب العسكري”. ومع ذلك، نشأت التوترات أثناء المفاوضات لدمج قوات الدعم السريع في جيش البلاد كجزء من خطط لاستعادة الحكم المدني.
وقد اندلع القتال بين القائدين العسكريين بسبب اختلافهما على طريقة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، علما بأن الآلاف من عناصر “الدعم” كانوا ضمن مجموعات متهمة بارتكاب تجاوزات عُرفت باسم “الجنجويد” شكلها الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي أطاحه انقلاب عسكري في العام 2019. مما أدى إلى تقويض خطة مدعومة دولياً للانتقال إلى الحكم المدني بعد عام 2019. وأراد البرهان أن تتم عملية الدمج خلال عامين، وتعتمد فيها معايير التجنيد في الجيش. من جهته، دفع دقلو في اتجاه امتدادها لعشرة أعوام، على أن يحتفظ المقاتلون برتبهم بعد الدمج العسكري.
يخوض الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، معارك دامية في الخرطوم ومدن أخرى منذ 15 أبريل. أدت الاشتباكات حتى يوم الثلاثاء 02 مايو 2023 الى مقتل أكثر من 550 شخص وإصابة 4926 شخص، في حصيلة مرشّحة للارتفاع.([3]) وفي 6 مايو، قالت منظمة إنقاذ الطفولة البريطانية إن ما لا يقل عن 190 طفلاً قتلوا في النزاع.([4])
وفقاً لقاعدة البيانات العسكرية الصادرة من “Military Balance Plus”، ومن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (“IISS”)، يقدّر حجم الجيش السوداني بـ 100 ألف عنصر، بينما تضم قوات الدعم 40 ألفا. لكن بعض الخبراء يقدّرون عديد قوات الدعم بزهاء 100 ألف، الا أنهم يبقون التفوّق العددي قائما لصالح الجيش.
وحسب سي إن إن، فإن تقديرات رسمية وغير رسمية مختلفة تشير إلى أن عدد القوات المسلحة السودانية يتراوح بين 210 و220 ألفاً، يُعتقد أن عدد قوات الدعم السريع يبلغ حوالي 70 ألفاً، لكنها أعلى تدريباً وأفضل تجهيزاً. ([1])
وبعد زهاء أسابيع قليلة من المعارك الضارية، لا يبدو أن أي طرف حقّق تقدما ميدانيا ملحوظا على حساب الآخر. ويرى الباحث في الشؤون الإفريقية أليكس دو فال أن للطرفين “الحجم ذاته والقدرة القتالية ذاتها”([2]). هذا رغم امتلاك قوات الجيش للأسلحة الجوية والأسلحة البرية الثقيلة.
ثانياً: سيطرة الجانبين على الأرض:
حتى الآن لا تظهر حدود واضحة لسيطرة أى من الطرفين على الأرض في مناطق واسعة من السودان، إذ أن القتال يدور في كامل العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم – الخرطوم بحري – أم درمان). ومع هذا فإن تحليل القتال يشير إلى أن الجيش السوداني يسيطر بشكل شبة كامل على ثلثي جنوبي مدينة الخرطوم، حتى الثلث الشمالي من مطار الخرطوم الدولي، بينما الثلث الشمالي للمدينة، والذي يضم المواقع الحيوية، من مقار وزارات ومقر الرئاسة ومقار قيادات الجيش، فهو حتى الآن تحت سيطرة الدعم السريع، وفي إشتباك مستمر مع الجيش السوداني.
أما في الخرطوم بحري، فإن القتال هناك منتشر بشكل كبير ولا يمكن الجزم بسيطرة أى من الطرفين على تلك المدينة، إذ أن الإشتباكات تدور في عدة مواقع داخل المدينة، وتقوم مقاتلات الجيش السوداني بقصف مواقع متعددة للدعم السريع هناك. ولكن أغلب الأخبار الواردة تشير إلى أن القتال على الأرض في الخرطوم بحري تدور في شرق وشمال المدينة بشكل أساسي، مما يشير إلى أن هناك محاولات من الجيش السوداني للتقدم من مواقعة شمال شرق المدنية لتطهيرها.
وفي أم درمان يعتبر الوضع مشابهاً لما يحدث في الخرطوم بحري، ولكن مع إختلاف الاتجاهات، إذ تدور الإشتباكات على الارض في محتلف أنحاء المدنية، وبالأخص الأجزاء الشمالية والغربية منها، مما يشير إلى أن هناك محاولات تقدم من الجيش السوداني من مواقع له شمال غرب المدنية للوصول إلى عمق أم درمان، لحصار الدعم السريع في الخرطوم بحري وشمال الخرطوم عن خطوط إمدادة القادمة من دارفور بغرب السودان.
وبشكل عام يسيطر الجيش السوداني على معظم المدن السودانية شمالاً وشرقاً والجانب الجنوبي الشرق وأجزاء كبيرة في الخرطوم العاصمة وأم درمان، وبالتحديد مدن: (أجزاء من الخرطوم – أجزاء من أم دررمان – بورسودان – عطبرة – مروي – دنقلة – كسلا – واد مدني – الجداريف – سنار – أجزاء من العويبد)، وجنوباً (دمازين – كادوجلي)، وغرباً (زينيل – وأجزاء من الفاشر).
أما قوات الدعم السريع فتسيطر على معظم مدن وسط غرب وجنوب غرب السودان وبالتحديد مدن: (أجزاء من الخرطوم – أجزاء من أم دررمان – أجزاء من الأُبيض) في وسط السودان، وجنوباً وجنوب غرب السودان مدن (أجزاء من الفاشر – كابكابيا – جنينة – فورو بارينجا – نيالا – أم دافوق – الداين).
ثالثاً: الوضع الميداني للطرفين:
- الموقف العام:
يتسم الوضع الميداني في السودان بأنه مزيج ما بين حرب العصابات وقتال الشوراع بشكل كبير، فعلى الرغم من أن الجيش السوداني جيش نظامي في مواجهة ما قد تصنف به الدعم السريع بأنها ميليشيات مسلحة، إلا أن اسلوب الجيش السوداني لم يتطور كثيراً عن أسلوب الدعم السريع على الأرض، إلا في وضعية استخدام قواتة الجوية، والتي أيضاً من الواضح بأنها توظف بشكل غير مدروس ومخطط بشكل جيد لتسهيل تقدم القوات البرية للجيش السوداني.
وبالتالي فإن وضوح السيطرة على الأمور في السودان لا تبدو ممكنة بشكل كبير هناك، خاصة مع ضعف التجهيز العددي والحشد من قبل الطرفين في بلد ذات مساحة كبيرة. وفي ظل بنية تحتية متهالكة، وإدارة محلية ضعيفة، وإحتياطات استراتيجية لتأمين الغذاء والدواء وأساسيات الحياة شبه صفرية، مع أخبار عن تهديدات الدعم السريع باستهداف بعض من سدود المياه السودانية رداً على هجمات الجيش السوداني([1]).
إلا أن ما يتداول من تحركات لدعم كل من الطرفين من مناطق خارج العاصمة الخرطوم، سواء القادمة من دارفور غرب السودان لصالح الدعم السريع، أو القادمة من الجنوب والشمال لصالح الجيش السوداني، لا تبشر بأن الوضع سيقف عند هذا الحد، وأنه متجه إلى التفاقم بشكل أكبر.
ومع هذا فإن هناك مناطق تبدو بأنها خارج دائرة إهتمام أى من طرفي القتال بالسودان، مثل منطقة بورسودان بولاية الشرق، ومنطقة دارفور بالغرب، وهي مناطق حتى الأن لم تشهد أى قتال يذكر، وملتزمة بالهدنة الثانية التي تم تطبيقها بشكل متفرق في أكثر من منطقة بالسودان.
موقف اتفاقات الهدنة (تم اختراقها جميعاً):
- في 18 أبريل أعلن الجانبين المتصارعين اتفاقهما على هدنة لمدة يوم للسماح بمرور آمن للمدنيين والجرحى.
- في 19 أبريل، اتفقا على وقف إطلاق نار آخر لمدة 24 ساعة يبدأ في الساعة 18:00 بالتوقيت المحلي.
- في 21 أبريل، أعلنت قوات الدعم السريع إنها ستلتزم بوقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة والذي سيدخل حيز التنفيذ في الساعة 6:00 بالتوقيت المحلي والذي يوافق عيد الفطر الإسلامي.
- في 26 أبريل، اقترحت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) تمديد وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة، بينما عرض جنوب السودان استضافة جهود الوساطة.
- في 30 أبريل، أعلنت قوات الدعم السريع أنه سيتم تمديد وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة، وهو ما وافقت عليه القوات المسلحة السودانية في وقت لاحق.
- في أول مايو، أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان فولكر بيرثيس أن الجانبين اتفقا على إرسال ممثلين للمفاوضات بوساطة الأمم المتحدة، لكنهما لم يحددا موعداً أو مكاناً للمحادثات.
- في 2 مايو، قالت وزارة خارجية جنوب السودان أن الجانبين اتفقا “من حيث المبدأ” على وقف إطلاق النار لمدة أسبوع يبدأ من 4 مايو.
- في 6 مايو، التقى مندوبون من الجانبين المتصارعين لأول مرة في جدة بالسعودية لما وصفه السعوديون والولايات المتحدة بأنه “محادثات ما قبل التفاوض”. ذكر جوناثان هوتسون من مشروع ساتلايت سينتينل أن مجموعة واسعة من المجتمع المدني السوداني، “الأحزاب السياسية ولجان المقاومة والمنظمات النسائية والنقابات والمدافعين عن حقوق الإنسان”، اعترضوا على كل من البرهان وحميدتي، معتبرين إياهما قادة غير شرعيين وأصروا على المشاركة في مفاوضات السلام. دعا نشطاء المجتمع المدني إلى دمج القوات شبه العسكرية في القوات المسلحة السودانية تحت سلطة مدنية. وهو ما أراه أمر شديد الصعوبة وقد يصل لحد الاستحالة في الظروف الراهنة بالسودان.
رابعاً: موقف الأحزاب السودانية لأطراف القتال:
وقعت قوى معارضة في السودان “اتفاقا إطاريا” مع قادة الجيش من أجل التوصل إلى حل للأزمة السياسية في البلاد. وينص الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية يرأسها رئيس وزراء بصلاحيات واسعة، بالإضافة إلى مجلس للسيادة برئاسة مدنية. ووقع على الاتفاق نحو 40 من الأحزاب والنقابات المهنية، من بينها قوى الحرية والتغيير، وذلك إلى جانب قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو([1]).
وحتى الآن لم يصدر أى تصدي من أحد الأحزاب السودانية التي إشتركت في الإتفاق الإطار أو من خارجة تشير إلى إدانة أى من طرفين القتال أو حتى تأييده، ولكن كافة التصريحات السياسية الصادرة من السياسيين السودانيين تتخذ موقف المحايد في هذا الصراع.
خامساً: موقف القوى الإقليمية الرئيسية:
- مصر:
لمصر مصلحة طويلة الأمد في استقرار السودان، بالنظر إلى الحدود المشتركة بين البلدين والأهمية الاستراتيجية لنهر النيل، إلا أن مصر تسعى دائماً لضمان نظام حاكم مشابه لها في الدول الحدودية. ويتردد أن مصر قد شاركت في الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ومخاطبة الطرفين لإحتواء الأزمة والتوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، بمبادرة مشتركة مع جنوب السودان، والتي أبدى متحدث بأسم الدعم السريع ترحبه بها، ولكنها لم تظهر ملامحها على الأرض حتى الآن([2]). الدافع الأساسي لمصر هو منع اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق في السودان، مما قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين ويؤثر سلباً على الأمن الحدودي والأمن المائي والغذائي وأمن البحر الأحمر لمصر.
وإذا ما طال أمد الاشتباكات في السودان واتسع نطاقها فإن ذلك سيؤثر أيضا على الشراكة التجارية بين البلدين خاصة وأن جزءاً مقدراً من صادرات السودان الزراعية والحيوانية تصل إلى الأسواق المصرية ومنها ما يعاد تصديره إلى دول أخرى في ظل العقوبات المفروضة على السودان.
موقف السياسة الخارجية المصرية تجاه السودان:
- الحث الدائم على وقف إطلاق النار وعدم السماح بأي تدخلات من الخارج.
- لا تثق مصر كثيراً في القوى المدنية السودانية وترى أن الأكفاء لتولى الحكم في السودان هو المكون العسكري المتمثل في الجيش السوداني.
- لا تتوافق مصر على فكرة وجود مليشيا مسلحة تحت اسم قوات الدعم السريع في السودان، فقد صرحت جريدة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤول إستخباراتي ان مصر لن تتسامح مع وجود قائد مليشيا مسلحة على حدودها الجنوبية([1]).
- لا ترحب مصر بالسياسات الإماراتية في دعمها لقوات الدعم السريع.
- كما لا تدعم مصر وصول إى قوى إسلامية إلى سلطة الحكم في السودان.
- دعمت مصر المكون العسكري المتمثل في الجيش السوادني عبر إستضافة عبد الفتاح البرهان عدة مرات في القاهرة للبحث والتشاور مع الرئيس المصري.
- حاولت مصر الإنخراط في محاولات لتقريب وجهات النظر بين القوى المدنية في السودان لكن جهودها قوبلت بعدم ترحيب من القوى المدنية، وذلك نظراً لانحياز الموقف المصري تجاه الجيش السوداني، وهو ما لا تأمنه القوى المدنية السودانية([2]).
- ترغب مصر في بقاء السودان متماسكاً على المستوي الشعبي والمستوي السياسي لأن السودان يشكل حجر اساسا من النهج المصري الخارجي ضد السياسات الإثيوبية فيما يتعلق بسد النهضة.
ومن ثم من المرجح أن يكون مستقبل السياسات المصرية تجاه الأزمة السودانية كالآتي:
سوف تحاول مصر طرح رؤيتها بالمشاركة مع دول إقليمية عربية وأفريقية مثل جنوب السودان وقوى دولية لمنع تطور الأزمة السودانية.
- ستعمل مصر على استيعاب موجات النزوح القصري للمدنين من السودان تجاه حدودها رقم الأعباء الإقتصادية التي تعاني منها، وقد تحاول مصر جذب إعانات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج لدعم استعيابها للنازحين السودانيين.
- ستسعى مصر بالتعاون مع دول المصالح المشتركة لسرعة إيجاد حلول لملئ الفراغ الأمني المتزايد في الداخل السوداني،خاصة أنه قد يجتذب جماعات إرهابية متطرفة تشكل خطراً مؤكداً على حدود مصر الجنوبية، وقد تتسرب تلك التهديدات إلي الداخل المصري.
- قد تضطر مصر للتدخل عسكرياً بشكل سريع ومحدود للغاية، لحماية أمنها القومي حالة تزايد عدم الاستقرار وعدم سيطرة الجيش السوداني على الموقف، وبما يزيد التهديد على الحدود المصرية، خاصة احتمالات حدوث أنشطة إرهابية تستهدف منشأت هندسية على نهر النيل داخل حدود أي من البلدين.
- ستعمل مصر جاهدة على التقرب من القوى المدنية والإسلامية السودانية في محاولة لضمان احتواء الأزمة وبما لا يفقد الجيش السوداني السيطرة على الموقف.
- تستمر مصر في المساهمة في جهود إجلاء المواطنين الأجانب من السودان.
- ستستمر مصر في فتح معابرها على الحدود السودانية أمام النازحين من السودان مع تزايد النزوح مع تفاقم الأزمة، أو حتى حالة التحول لدفع المواطنين للنزوح قصرياً.
- السعودية:
لم يكن السودان يشكل اولوية لمتخذى القرار بالسعودية قبل عام 2015، حيث كان الرئيس السوداني السابق عمر البشير على علاقات جيدة مع قوى مارقة منها إيران، مما أدى إلى وقوع السودان تحت طائلة العقوبات الأمريكية التي فرضت عليه منذ اول تسعينات القرن الماضي وتم إدراجه ضمن قوائم الدول الداعمة للإرهاب.
ادى إنفصال جنوب السودان عن السودان عام 2011 إلى فقدان حكومة البشير الموارد النفطية للبلاد التي كانت تمثل 95 % من صادرات البلاد ([1])، وفي بداية انتهاج السعودية نهج الخشن لمكافحة النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط تلاقات المصالح السعودية السودانية، حيث إستغلت السودان الثقل الجيوسياسي للسعودية لكي تضغط الرياض على البيت الأبيض لرفع العقوبات واسم السودان من قوائم الإرهاب وهو ما تحقق بشكل متدرج خلال السنوات السابقة حتي بعد عزل عمر البشير.
وقدمت السعودية ما بين عامي 2005 و2014 ما مجموعه 333.1 مليون دولار كمساعدات مالية للسودان ومنذ عام 2015، قدمت المملكة العربية السعودية للسودان 1.5 مليار دولار([2]).
فى مقابل التأيد السوداني للسياسات الخارجية السعودية مثل التدخل العسكري الخليجي باليمن حيث شاركت السودان بما يقرب من 15000 فرد ([1]) داخل الحرب باليمن ويشك أغلبهم من قوات الدعم السريع السودانية إلى جانب قطع السودان للعلاقات مع إيران عام 2016.
وقد لعبت السعودية دوراً مهماً في الشأن السوداني، لا سيما في دعمها للجيش السوداني. وقد قدمت الرياض مساعدات مالية وعسكرية لللسودان والجيش السوداني، لاسيما وأنها بالتعاون مع الإمارات مثلا ركنا التحالف الذي قادته السعودية في حملتها في اليمن حيث شارك جنود سودانيون، كان معظمهم من قوات الدعم السريع إلى جانب التحالف في القتال ضد حركة أنصار الله الحوثية، الأمر الذي عزز قدرات الدعم السريع مالياً وعسكرياً.
طبيعة العلاقات السعودية السوادانية:
- لايزال الأمن الغذائي الذي تضمنه الأراضي الزراعية الخصبة السودانية يشكل أهم حلقة للعلاقات السعودية السودانية، حيث أن تلك الأراضي الزراعية تساهم في معادلة الأمن الغذائي السعودي من محاصيل ولحوم الماشية والاغنام.
- بحلول أوائل عام 2015، ضاعفت السعودية استثماراتها في قطاع الزراعة في السودان إلى 13 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي ثلث إجمالي الاستثمار الأجنبي في الصناعة السودانية، وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة أكسفورد للأعمال، وهي شركة أبحاث بريطانية.([2])
- تسعي السعودية في العمل على تهدئة الصراعات السياسية وتقليص التهديدات الأمنية التي تدخل ضمن نطاق البحر الأحمر جغرافياً لما يشكله من أهمية تتعلق بمشاريعها الطموحة والمستقبلية حتى عام 2030 لجذب السياحة وإقامة المدن الجديدة وتنويع مصادرها الإقتصادية الغير نفطية.
- لذلك تبذل السعودية الجهد لكي لا يتحول الساحل الشرقي للسودان إلى مصدر للتهديدات كالقرصنة والإرهاب. ويتضح ذلك في الإهتمام السعودي بالإستثمار مع السودان في سواحل البحر الأحمر فقد سبق أن التقى ولى العهد السعودي برئيس الوزاراء السوداني السابق حمدوك (مارس 2021) لمناقشة سبل زيادة الإستثمارات بالبحر الأحمر.([3])
مستقبل السياسة السعودية تجاه الأزمة السودانية:
- ستحاول السعودية زيادة ضغطها على أطراف الصراع السوداني للتهدئة وتوقف الصراع.
- كما ستحاول طرح مبادراتها الخاصة والانخراط في المبادرات الدولية الجادة خصوصاً وان القمة العربية لجامعة الدول العربية رقم 32 سوف تنقعد هذا الشهر (مايو 2023) فى السعودية.
- يميل الموقف السعودي لتأييد الجيش السوداني بقيادة البرهان حيث لا ترغب السعودية في تفكك السودان او تحوله إلى دولة فاشلة تصدر التهديد للجوار.
- سوف تزيد السعودية في التنسيق مع مصر، كما ستعمل الرياض على إستغلال نفوذها الدولي لمحاولة حشد مزيد من الدعم الدولي تجاه السودان وخاصة الجيش السوداني وليس قوات الدعم السريع.
- قد تحاول السعودية، عقب استقرار الأمور داخل السودان، المبادرة للاستثمار في السواحل السوداني وخاصةً ميناء بورسودان والذي سيواجه تنافس إماراتي وروسي، خاصة وأن السعودية لن تتراجع عن تأمين الساحل المواجه لها على البحر الأحمر.
- ستركز السعودية على زيادة دورها الإنساني والعمل على الترويج له دولياً.
- في المقابل، لن تغامر السعودية بدعم الجيش السوداني عسكرياً منفردة سواء بالمعدات او المرتزقة حتى لا تسئ إلى سمعتها دولياً.
- الإمارات:
تهتم الإمارات بالسودان في مناحي سياسية واقتصادية وعسكري، كما اهتمت باستيراد الذهب الذي يتحكم قائد قوات الدعم السريع (حميدتي) في المناجم الخاصة به في جبل عامر. ومن المحتمل أيضا أن دعم السعودية والإمارات للدعم السريع كان مدفوعاً بمسعى البلدين لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وفي الوقت ذاته الحفاظ على وجود عسكري قوي في القرن الأفريقي([1]).
مثل السعودية، انتهجت الإمارات نهج مقارب للسياسات السعودية حتي عام 2017 من حيث:
- الإهتمام بالثروة الزراعية السودانية.
- وعدم الإنخراط بشكل مباشر في السياسات الداخلية السودانية.
- السعي لإجتذاب الموقف السوداني لدعم الموققف الخليجي في اليمن سواء تأيد سياسي وعسكري.
- سبق وأن قدمت الإمارات ما بين عامي 2005 و2014 ما يقرب من 124 مليون دولار. ومنذ عام 2015، قدمت الإمارات 1.6 مليار دولار. ([2])
لتفهم احتمالات إنخراط الإمارات في الازمة الحالية لابد من إلقاء نظرة سريعة على تجارة الذهب الإماراتية:
على مدار العشرين عاماً الماضية، أصبحت دبي لاعباً مهماً في سوق الذهب العالمي. مركز دبي للسلع المتعددة، الذي تأسس عام 2002 لتوسيع تجارة الذهب. الهدف الرئيسي هو تسهيل التجارة في السلع المادية من خلال منطقة تجارة حرة كبيرة تعرف باسم المنطقة الحرة لأبراج بحيرات الجميرا. تقدم هذه المنطقة عدداً من المزايا للشركات مثل ضريبة الشركات الصفرية، ومجموعة كبيرة من العقارات للأنشطة داخل منطقة التجارة الحرة والمساعدة في البنية التحتية اللوجستية. يقوم مركز دبي للسلع المتعددة بإطلاق عدد من المبادرات لدعم نمو قطاع الذهب في دبي. ([1])
على مدى العقدين الماضيين، أصبحت دولة الإمارات، وخاصة إمارة دبي، لاعباً مؤثراً في سوق الذهب، مستفيدة من السياسة الحكومية التي تعزز تطوير سوق الذهب في الإمارات الذي كان لها تأثير كبير على تشكيل تجارة الذهب.
في عام 2021، صدرت الإمارات 28.7 مليار دولار من الذهب، أي 7.3٪ من صادرات الذهب العالمية. الدول الرئيسية التي يتم فيها تصدير الذهب من الإمارات العربية المتحدة هي سويسرا وتركيا وإيطاليا وهونج كونج والهند. وتمثل هذه الدول 85٪ من إجمالي صادرات الذهب من الإمارات
المصدر: Statista
من العوامل المهمة أيضاً، الموقع الجغرافي المناسب للسودان، الذي يسمح بالوصول والعلاقات مع أسواق إفريقيا والهند وأوروبا.
وجدير بالذكر أن التكوين الجيولوجي لتربة الإمارات ليست غنياً بخام الذهب على الإطلاق، حيث تستورد الإمارات اغلب الخامات من بلدان عدة تحت مسمي شركات إماراتية تعمل داخل الإمارات في تعدين الذهب المتمركز اغلبها داخل دبي.
في عام 2016، استوردت الإمارات الذهب من أكثر من مائة دولة، تقع بشكل رئيسي في إفريقيا أو أمريكا الجنوبية أو جنوب آسيا. من غير المرجح أن تشارك في تعدين الذهب التقليدي على نطاق واسع، فإن العديد من هذه البلدان معروفة بشكل أفضل بتعدين الذهب الحرفي والضيق النطاق (ASGM). يتميز تعدين الذهب الحرفي والضيق النطاق بمدخلات رأس المال المنخفضة، واستخدام التقنيات التقليدية، والطلب الكبير على العمالة، وضعف أو غياب اللوائح الحكومية، ومع ذلك يعد مصدراً مهماً للدخل للمجتمعات الريفية.([1])
لذلك أرتبطت شركات التعدين الإماراتية ببشكل مباشر بأمراء الحرب والقادة العسكريين المحليين فر الدول الأفريقية لسيطرتهم على اغلب الموارد المعدنية في تلك البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية.
السودان – الذهب – محمد حمدان دقلو (حميدتي):
إرتبط صناعة تعدين وإستخراج الذهب في السودان دائما طوال فترة حكم عمر البشير بالمليشيا “الجنجويد” التي تشكلت تحت رعاية عمر البشير لقمع المتمردين الأفارقة في دارفور عام 2003 حتى عام 2005.
حول عمر البشير مليشيا الجنجويد إلي هيئة عسكرية تحت أسم “الدعم السريع” تابعة لجهاز الامن والمخابرات الوطني في السودان، واستخدمها الشير كأداة ردع ضد الجيش السوداني الذي كان لا يامن له البشير ويتخوف من الإنقلاب عليه.
برز حميدتي كأحد قيادات مليشيا “الجنجويد” ونتيجة لديناميكيات الصراع بين المليشيات المسلحة التي انتشرت في دارفور تمكن حميدتي من السيطرة على مفاصل تجارة الذهب السودانية عبر القضاء على المليشيا المنافسه له وتقربه من عمر البشير الذي اعطى له سلطات واسعة.
عمل حميدتي على السيطرة على مراكز إستخراج الذهب من السودان خصوصاً جبل عامر في إقليم دارفور إلى جانب أنه انشئ شركة “الجنيد” في السودان وهي من تتولى تصدير الذهب إلي وجهاته الخارجية “الإمارات” حسب عشرات التقارير الإستقصائية وتتولي تلك الشركة تحصيل عائدات الذهب بالدولار الأمريكي بدون التنسيق مع البنك المركزي السوداني وذلك كان بأمر من عمر البشير.
إستغل حميدتي إندلاع الثورة في السودان وقرر الإنحياز إلى مطالب القوى الثورية السودانية لكي يحسن صورته محلياً ودولياً وطامحاً في نفوذ أكبر وصالحيات حكم أوسع.
السياسة الخارجية الإماراتية تجاه السودان:
سياسياً:
- ترغب الإمارات في دفع الطرف الرسمي الحاكم للسودان انذك (حكومة حمدوك) في البدء وتسريع إجراءات التطبيع مع إسرائيل حيث تمارس الإمارات ذلك الدور منذ العام 2020 بشكل نشط إرتباطاً بمصالحها البرجماتية مع إسرائيل من ناحية والعمل علي زيادة ثقلها الإستراتيجي من ناحية اخري لدي الولايات المتحدة التي ترغب في زيادة عدد الدول المطبعة العربية والإسلامية مع إسرائيل.
- خلال الفترة الانتقالية منذ عام 2019 تعددت زيارات حميدتي إلي الخارج من ضمنها أبوظبي عدة مرات إلتقى فيها كبار المسؤولين الإماراتيين من ضمنهم الشيخ محمد بن زايد.
- عملت الإمارات علي دعم حميدتي عبر عدة وسائل أهمها تجارة الذهب وإستقباله خارجياً لمرات ودعمت زيادة قوته العسكرية إلي 70 ألف مقاتل و10 الاف عربة مسلحة.
- سبق أن حاول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي أن يحاول كسب النفوذ لدى أبوظبي عن طريق عدة زيارات قام بيها إلي الإمارات منذ عام 2019، وغالبا ما كانت الإمارات تمل في اتجاه تسريع إجراءات التطبيع مع إسرائيل حيث قد سبق وأن التقى رئيس الوزاراء الإسرائيلي نتنياهو بالبرهان في اوغندا (فبراير 2020) من أجل تقريب وجهات النظر بشان التطبيع، وقد ذكرت عدة مصادر إعلامية أن الإمارات هي من عملت على دفع البرهان إلى لقاء رئيس الوزاراء الإسرائيلي.
- بالرغم اتخاذ السودان خطوات مبدئية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل تضمن منها زيارات متتعدة لمسؤولين إسرائيلين من المخابرات والخارجية إلا أن القوى المدنية السودانية ترفض التطبيع مع إسرائيل.
- قد يخشي البرهان من المضي قدماً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى لا يؤثر على صورته الشعبية خصوصاً وان هناك خلافات ومنافسة بينه وبين حميدتي على النفوذ السياسي داخل السودان.
- سبق أن تظاهرت أسر سودانية امام السفارة الإماراتية بالسودان ضد سياسات شركات الأمن الإماراتية التي تستهدف الشباب السوداني للتجنيد في حرب اليمن، وأيضا تظاهرات سودانية متفرقة ضد السياسات الخارجية الإماراتية الراغبة في دفع السودان للتطبيع ورغبة الإمارة في السيطرة على ميناء بورسودان.
اقتصادياً:
ترغب الإمارات في إستمرار تدفق خام الذهب السوداني إليها لانه يشكل جزء هام من تجارتها الدولية للمشغولات الذهبية ودعم تلك المليشيا لها في حرب اليمن بالرجال وكذلك دعم قوات المشير خليفة حفتر بالرجال في ليبيا.
- وفي إطار إستراتيجية الإمارات لزيادة نفوذها على أهم المونئ ونقاط الخدمات اللوجستية في الشرق الأوسط ترغب الإمارات في السيطرة علي ميناء بورسودان حيث سبق أن حاولت شركة دبئ للموانئ تقديم عرض لإدارة الميناء، إلا أن النقابة العمالية السودانية قد رفضت العرض وهدد العمال بالإحتجاج.
- إلا أن الإمارت من خلال مجموعة ابو ظبي للموانئ توصلت لتوقيع إتفاق مع الحكومة السودانية (ديسمبر 2022) لتطوير وإدارة وتشغيل ميناء أبوعمامة وأصول منطقة اقتصادية جديدة على ساحل البحر الأحمر تتضمن منطقة صناعية واخرى سياحية ومطار دولي ومجمعا سكنيا وطرقا داخلية ومحطة كهرباء، وزراعة ٤٠٠ الف فدان بمشروع أبوحمد الزراعي في إستثمارات بـ 6 مليار دولار.
مستقبل السياسات الإماراتية تجاه الأزمة السودانية:
- ليس من المرجح أن تحاول الإمارات دعم قوات الدعم السريع عسكرياً وذلك للإهتمام الدولي الكثيف خصوصاً من الولايات المتحدة بالأزمة السودانية.
- ستعمل الإمارات على المشاركة في مبادرات دولية لوقف الأزمة السودانية. حيث لا ترغب الإمارات في أن تطول الأزمة لأنها تهدد مستقبل إستثماراتها في السودان سواء الزراعية او في الثروة المعدنية.
- ستساهم الإمارات في محاولة إجلاء المواطنين الأجنبيين من السودان عبر الجهود الجوية فضلاً عن التنسيق المباشر مع قوات الدعم السريع.
- سوف تحاول الإمارات الضغط نسبياً على قوات الدعم السريع من أجل القبول بأى فرصة قريبة لوقف إطلاق النار لفترة زمنية طويلة نسبياً من أجل المباحثات.
- ستتجنب الإمارات من دعم قوات الدعم السريع بشكل ظاهري حتى لا يؤثر ذلك على صورته الدولية.
- ستعمل الإمارات على احتواء الموقف المصري في السودان وبما يجنبالإمارات تصادم مع الموقف المصري، إلا أن الأمر قد يقابل صعوبات.
- تشاد:
أغلقت حكومة تشاد حدودها مع السودان ودعت إلى الهدوء وسط اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وقالت الحكومة التشادية في بيان: «تناشد تشاد المجتمع الإقليمي والدولي وكذلك جميع الدول الصديقة منح الأولوية لعودة السلام». وأضافت أن حدودها مع السودان التي يبلغ طولها 1403 كيلومترات ستظل مغلقة حتى إشعار آخر([1]).
- إثيوبيا:
تندلع، دورياً، مناوشات على طول المناطق الحدودية المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا. وقد تعمل إثيوبيا على استغلال الاضطرابات في السودان للضغط من أجل تحقيق أهدافها. وبعد اندلاع الحرب في منطقة تيغراي بشمال إثيوبيا عام 2020، ثارت توترات بشأن منطقة الفشقة الخصبة المتنازع عليها على الحدود ودفعت أكثر من 50 ألف لاجئ إثيوبي إلى مناطق فقيرة بالفعل في شرق السودان. وستراقب إثيوبيا أيضاً التطورات في ظل التوترات بشأن سد النهضة الذي تبلغ كلفته أربعة مليارات دولار ويقول السودان إنه قد يمثل تهديداً لسدوده القائمة على النيل ومواطنيه([1]).
تخشي إثيوبيا من احتمالات تطور الأحداث داخل السودان إلي حرب أهلية ذات نطاق أوسع قد تؤدي لنزوح قصري للسكان السودانين تجاه إثيوبيا.
تخشي إثيوبيا إلي أن تنقسم السودان إلي دويلات عدة متشاركة في مسار نهر النيل مما قد يجبر إثيوبيا على مزيد من التنسيق مع تلك الدويلات في مسئلة سد النهضة وقد يضعف موقفها في ملف سد النهضة.
- إسرائيل:
عرضت إسرائيل استضافة محادثات بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بحسب بيان لوزير خارجيتها إيلي كوهين وتصريحات مسؤولين آخرين.
ونقلت رويترز عن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين قوله في بيان: “منذ اندلاع القتال في البلاد، تعمل إسرائيل عبر قنوات مختلفة من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والتقدم الذي جرى إحرازه خلال الأيام القليلة الماضية في المحادثات مع الجانبين واعد جدا”([2]).
سابقاً كان القلق الإسرائيلي فيما يخص السودان يكمن في علاقتها الجيدة مع إيران التي كانت تهرب إسلحة إلي حركة حماس في قطاع غزة عبر السودان كما ذكرت صحيفة يدعوت احرونوت الإسرائيلية، بل أن صحف إسرائيلية إدعت حسب مصادرها أن الطيران الإسرائيلي سبق أن نفذ ضربات جوية ضد قافلة من السلاح المهرب ومنشآت تصنيع إسلحة خفيفة داخل السودان بين عام 2009 إلى عام 2012. ومن المعتقد أن السودان توقف عن تهريب السلاح بوقت قصير من قطعه للعلاقات من إيران مطلع 2016.
يتداول أخبار على مدار السنوات السابقة عن وجود علاقات إستخباراتية بين إسرائيل وطرفي الصراع (حميدتي – البرهان) عبر شركات التكنولوجيا الإسرائيلية بغرض بيع برامج تجسس إسرائيلية للطرفين للتجسس على المعارضة والقوى المدنية السودانية.
مستقبل السياسة الإسرائيلية تجاه الأزمة السودانية:
- ستظل إسرائيل تراقب لما سيؤول إليه الوضع في السودان لتحديد مدى إمكانية إتخاذ قرار سياسي علني تجاه الأزمة
- تسعى إسرائيل إلى إستمالة مواقف القوى المدنية السودانية لصالحها لتخفيف حدة رفض التطبيع على المستوى الشعبي داخل السودان.
- ستحاول إسرائيل العمل على تخفيف حدة الإنتقادات للحكومات الغربية ضد السودان أملاً في تحريك ملف التطبيع على المستوى الحكومي بينها وبين السودان مستقبلاً.
- سوف تحاول إسرائيل الحفاظ على وموازنة إتصالتها بين الجانبين المتصارعين.
- تتخوف إسرائيل إذا ما قرر النظام الإيراني محاولة إيجاد موطئ قدم داخل الأزمة عبر دعم أحد الأطراف بالسلاح، خاصة وأن إيران سبق أن زودت إثيوبيا بدرونز عسكرية رخيصة ضد التجراي.
- ستحاول إسرائيل التنسيق مع الإمارات بخصوص السبل الأمثل لحل الأزمة سياسياً خصوصاً وأن الإمارات تدفع بقوة لحث والترويج لفكرة التطبيع مع إسرائيل داخل الشرق الأوسط.
- جنوب السودان:
رفض وزير خارجية جنوب السودان، دينق داو، تدويل الصراع في دولة السودان المجاورة التي تشهد اشتباكات واسعة بين قوات الجيش وعناصر الدعم السريع، كما رفض إرسال قوات دولية لحفظ السلام في السودان. وقال إنه ينبغي عدم تدويل الصراع في السودان، والسعي لصياغة حل سوداني خالص. وأضاف: لا نوافق على إرسال قوات دولية لحفظ السلام هناك. وأشار أن بلاده قدمت مقترحاً لرئيس مجلس السيادة (البرهان)، ونائبه قائد قوات الدعم السريع (حميدتي) بتمديد الهدنة حتى 30 أبريل والذي تكرر بعدها، وعقد لقاء مباشر بين ممثلي القائدين([1]).
سادساً: موقف القوى الدولية:
- الولايات المتحدة:
- لا ترغب الولايات المتحدة في حدوث إضرابات من أى نوع خصوصاً الإضطرابات العسكرية داخل الشرق الأوسط لأنه يؤثر على حالة الإستقرار داخل الإقليم ويفتح الباب لتعريض المصالح الإمريكية للخطر مثل تحول ساحل السودان على البحر الأحمر لمعقل قراصنة مماثل للصومال يهدد خطوط التجارة الدولية.
- إلي جانب حدوث فراغ أمني قد يشكل حواضن مناسبة لجذب الجماعات الإرهابية من مختلف أماكنها في إفريقيا.
- سوف تعمل الولايات المتحدة على فرض العقوبات الإقتصادية عل أى طرف قد يمول الصراع بأى شكل من الأشكال.
- سوف تحاول الولايات المتحدة طرح المبادرات لحل الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية مثل تحالفها الرباعي مع بريطانيا والسعودية والإمارات لوقف لتصعيد.
- سبق أن حذرت الولايات المتحدة الحكومات السودانية من تسهيل تواجد روسي دائم على ساحل البحر الأحمر أثناء تواجد عمر البشير وحتى بعد عزله.
- ترغب أمريكا فى دفع العملية الديمقراطية داخل السودان وتسريع إجراءات التطبيع مع إسرائيل.
- ترغب الولايات المتحدة حال نجاح النموذج السوداني في إقامة دولة مدنية في الترويج لذلك النموذج عربياً لكن ذلك أمر مسبعد تماماً خلال المدى المنظور.
- لن تدخل الولايات المتحدة عسكرياً إذا ما بقت الأزمة بين بوضعها الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أذا ما تمركزت قيادات لجماعات إرهابية داخل السودان، قد تفكر الولايات المتحدة باستهدافها.
- روسيا:
- لطالما عملت روسيا على الإستفادة من تقارب عمر البشير لها بعد عزلته الدولية وصدور ضده أحكام من محكمة العدل الدولية.
- تعمل شركات روسية في مجال التنقيب وإستخراج الذهب في السودان وغالبا ما تستخدم للتهرب من العقوبات الدولية المفروضة عليها ودعم لعانصر من شركة فاجنر النشطة داخل السودان.
- لطالما رغبت روسيا فى الحصول على قاعدة بحرية مطلة على البحر الأحمر وتحديداً بورسودان، ومن المرجح أن تستمر روسيا جاهدة لتحقيق هدفها. إلا أن دول الجوار الإقليمي للسودان قد تشكل عقبة تحيل من حدوث ذلك.
- حتي بعد عزل البشير ظلت موسكو تتقارب مع حمديتي وتبين ذلك في زيارات حميدتي لموسكو لتأمين مصالحها الخاصة بالذهب في 23 فبراير 2022، والتمهيد لأى فرصة مستقبلية لتواجد عسكري روسي دائم على ساحل البحر الأحمر.
- من المرجح أن تتوسع جماعة فاجنر في دعم أحد الأطراف وغالبا ما سيكون قوات الدعم السريع.
- تركز الإستراتيجية الروسية على التصدي للمصالح الأمريكية في مناطق الاهتمام ومنها السودان.
- أوروبا:
- محاولة تبني ودعم المبادرات الدولية والإقليمية للتوصل إلى حل اولي للأزمة.
- التخوف من زيادة حالات الهجرة الغير شرعية نتيجة لسوء الأوضاع الأمنية والمعيشية.
- سوف تتوافق مع الولايات المتحدة فى فرض عقوبات علي ممولى الصراع.
من غير المحتمل أن تتدخل عسكرياً في الأزمة.
- الصين:
أتمت الصين تدخلها دبلوماسياً بنجاح في اتفاق السلام السعودي الإيراني، وتتحرك حالياً تجاه القضية الفلسطينية، وقد يكون بديهياً أن تفكر الصين في إيجاد دوراً حيوياً في الأزمة السودانية، إلا أن الواقع لا يمنح الصين الفرصة لذلك، خاصة مع تعنت الأطراف وعدم قناعتهم بإنهاء الأزمة في الوقت الراهن.
سابعاً: سيناريوهات الأزمة المحتملة:
- سيطرة الجيش على الموقف بشكل كامل وهزيمة قوات الدعم السريع: وهو مرهون بتوافر عدة أمور منها:
ضمان احتكار القوة، وذلك بحل قوات الدعم السريع مع ضمان منع أي قوى خارجية تقديم الدعم لهم واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لنزع السلاح وتسريح القوات، وإعادة تنظيم الجيش السوداني وتعظيم قدراته العسكرية
العمل على نزع سلاح كافة القبائل السودانية وتنفيذ عمليات الدعم السياسي والاقتصادي الجتماعي لهم.
تلك الأمور يمكن أن ترجح بقوة الكفة لصالح الجيش السوداني وتمكنه من كسب الصراع، وهو سيناريو قد يزداد ترجيحاً حال إتخاذ أى من القوى الإقليمية قرار بدعم الجيش السوداني بشكل مباشر أو غير مباشر.
- سيطرة قوة الدعم السريع على الموقف وهزيمة الجيش السوداني:
وهو مرهون بالأساس بعدم تماسك الجيش السوداني وتفتته خلال الصراع خاصة مع طول مدته المحتملة. فحال إطالة مدة القتال بين الجانبين المتصارعين، سيتعاظم اتجاه كائن داخل الجيش يرى بأن قياداتة ضعيفة القدرة على التعامل مع هذه الأزمة، ما قد يولد لدى بعض الضباط الصغار نزعة للإنقلاب على القيادات الحالية، ما يهدد تماسك الجيش من جهة، ومن جهة أخرى يفتح الباب على فكرة الإنشقاقات داخل المؤسسة العسكرية السودانية، ما سيدعم بالتالي حينئذ قوة الدعم السريع في ميزان القوى أما الجيش السوداني.
- إتفاق التهدئة:
وهو أمر قد يأتي نتيجة للجهود الدولية والإقليمية التي تتحرك فيها العديد من الدول، والتي تسعى في مجملها على عدم تغليب أى من الطرفين على الآخر، ولكنها تسعى لأن يعود الوضع عليه قبل الإقتتال، مع إكمال المسار السياسي الذي تم التوافق عليه ما بين المكون السياسي والعسكري بالسودان.
- توسع الصراع والتحول لحرب الأهلية:
وهو قد يأتي نتيجة تمكن الجيش السوداني من إخراج قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم، ولكن دون القدرة على تدمير قدرتها العسكرية كاملة، أو تغيير إرادتها السياسية في المشاركة في الحكم. وهو أمر قد يدفع قوات التدخل السريع للانسحاب لمناطق أكثر ملائمة في غرب وجنوب غرب السودان، والبدء في شن هجمات ضد الجيش السوداني، ما قد يعيد سيناريو الحرب الأهلية السودانية في القرن الماضي، والتي قد تؤدي إلى سعي قوات التدخل السريع إلى الرضا بأن يصبح غرب السودان تحت السيطرة الكاملة لها، والتي ستعزز تفكير بعض القوى السودانية الأخرى في سلك نفس النهج. مما يؤدي إلى إنقسام السودان لدويلات متعددة.
معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
- فريق خبراء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
- فريق الباحثين المشاركين
لواء دكتور سيد غنيم
زميل أكاديمة ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
المصادر: مصدر علنية. مصادر خاصة.