مقدمة
انتشر فيروس كورونا حتى أعلنته منظمة الصحة العالمية وباءً عالمياً، وتعتبر منطقة الشرق من أهم المناطق حساسية حالياً والمتوقع أن تتأثر بشدة من أثر تفشي الوباء.
أولاً: على الصعيد الإقليمي
بؤرة تفشي الوباء بالشرق الأوسط
رغم عزلتها نسبياً مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي ودل الخليج العربي، إلا أن إيران قد برزت كواحدة من أكثر الدول تأثراً بوباء كورونا المستجد. اعتبارًا من 12 مارس 2020، صنفت جامعة جونز هوبكنز إيران في المركز الثالث عالمياً من حيث عدد الإصابات التي تم الإفصاح عنها، حيث تشير التقديرات اليوم إلى أن هناك أكثر من 15 ألف حالة تم الإبلاغ عنها داخل إيران، ومع الأخذ في الاعتبار انتشار الحالات البارزة هناك وعدد كبار القادة الإيرانيين الذين أصيبوا بالمرض، وكالعادة يشتبه في احتمال أن هناك عدد حالات أكبر بكثير.
جيوسياساً، يعتقد الباحث الأمريكي د. إيلان بيرمان (وهو صديق شخصي لي) أن الإستجابة الحكومية البطيئة والمؤسسة الصحية الهشة، والإزدراء العميق للطب الحديث بين النخب الدينية في البلاد يُعدوا من أهم أسباب الانتشار الداخلي للفيروس في إيران. منذ منتصف عام 2018 بدأ الضغط الشديد من الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني، مما أجبر إيران على الاعتماد بشكل أكبر على الرعاية الجيوسياسية منذ فترة طويلة من قبل بعض الدول، أهمها الصين.
أسفرت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الصين في سبتمبر 2019 عن الإرتقاء بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي تتضمن تعهد صيني بحوالي 400 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة لتطوير قطاعات الطاقة والتصنيع والنقل في إيران. حيث أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن “شركة سكك الحديد الصينية تقوم ببناء خط سكة حديد عالي السرعة عبر مدينة “قم”. ويقوم الفنيون الصينيون بالمساعدة في تجديد محطة للطاقة النووية في مكان قريب. كما أن هناك طلاب دين صينيين يدرسون في معاهد مدينة “قم”. من ثم يعتقد “بيرمان” أن هذه المخالطة كان لها آثار ملموسة تؤيد رأيه. ارتباطاً بذلك قال مسؤولو الصحة الايرانيون ان مصدر تفشي المرض من المحتمل ان يكون عاملا صينيا في “قم”، أو أن رجل أعمال ايراني من “قم” سافر الى الصين.
على صعيدِ آخر، يرى “بيرمان” أن الحظر العام على السفر الجوي إلى الصين الذي أصدرته السلطات الإيرانية أول فبراير تضمن استثناء شركة الطيران المخصصة للحرس الثوري الإيراني “ماهان إير”، والتي سُمح لها بمواصلة السفر إلى الصين لما يقرب من أسبوعين. حيث في الفترة ما بين 1 و 9 فبراير فقط ورد أن “ماهان إير” قامت بثماني رحلات ركاب إضافية بين البلدين، وفي الشهر الذي تلا ذلك أُرسلت عشرات الشحنات بين إيران والصين، وجميعها تعد بمثابة ناقلات للمرض لإيران.
أما داخلياً من الناحية الدينية في إيران، والذي أراه سبباً رئيسياً لانتشار الفيروس في إيران، نجد عدم قيام السلطات الإيرانية بعزل مدينة “قم” بؤرة المرض، والتي تمتلأ بالمساجد والأضرحة وعلى رأسها “المعصومة” ذات القيمة الدينية الخاصة عند الشيعة. فقد رفض أهل “قم” وقف المواكب والزيارات، من منطلق أن “المعصومة” محل شفاء وليست محل مرض، لدرجة أن مُريدي “المعصومة” كانوا يلعقوا الجدران المعدنية للضريح بألسنتهم، ليس كطقس ديني ولكنه اعتراضاً على مجرد فكرة غلق الأضرحة الشريفة.
إقليمياً
وصلت خسائر الاقتصاد العالمي خلال الأشهر الأولي من انتشار فيروس كورونا وحتى منتصف مارس 2020 حوالي 2.7 تريليون دولار، وبشكل عام، يتوقع المراقبون ركوداً اقتصادياً، مع ارتفاع أسعار السلع خاصة المستوردة، مع انخفاض سعر الفائدة بالبنوك متوقع. كما سيتم تأجيل السداد للقروض، وهو ما ظهرت بوادره بالفعل بالبنك المركزي. كما يتوقع ارتفاع ظاهرة الإفلاس بالشركات وربما تصل لبعض الدول كما حدث بلبنان مع اختلاف الظروف. وهو نتيجة وطبيعية للارتفاع المتوقع في معدلات البطالة، واتخاذ سياسات تقيد حركة وتنقل الأفراد. كما يتوقع آخرون تأثر العمالة الأجنبية ببعض دول الخليج.
فضلاً عن ضعف شديد في حركة السياحة وسوق المال، وستقل إيداعات البنوك كما ستقل فرص الاستثمار، الأمر الذي سيجعل كثيرون يلجأوا لشراء أصول كالذهب والعقارات وغيرها من أصول.
وقد قابلت أسعار النفط تأثراً شديداً، إلا أن السعودية قد زودت من انتاجها للنفط رغم تدني الأسعار، الأمر الذي ربما يلحق أضراراً بروسيا الدولة المنتجة للنفط.
لا شك أن الضعف الاقتصادي الذي سيواجه العديد من القوى الإقليمية والدول الفاعلة بالمنطقة سيؤثر سلبياً على نفوذها وتحركاتها الدبلوماسية بالمنطقة. على سبيل المثال، ستضطر إيران إلى تقليص الدعم الذي تقدمه للحوثيين، كما ستقلل من تدخلها السياسي في سوريا والعراق ولبنان واليمن. فتكلفة التعافي من الأزمة ستكون مكلفة للغاية وسيتم تفضيل الداخل الإيراني عن تمويل الخارج. كما أنه حالة اكتشاف أي تمويل إيراني خارجي سيضع الحكومة الإيرانية والنظام الملالي في مأزق شديد أمام شعبه الذي يعاني بشدة.
في المقابل قد تكون فرصة مناسبة لدول أخرى يمكن أن تقدم نفسها كنموذج مضاد للنموذج الإيراني، وذلك من خلال قيامها بمد يد العون لنفس الدول لإنقاذها من أثار الأزمة دون إظهار أي نوايا أطماعية. من ثم، ربما تنحسر موجات الحروب بالوكالة في المنطقة ولو نسبياً، وتقل معها توسعات الحركات الإرهابية نتيجة نقص التمويل المتوقع الموجه لهذا النشاط بسبب الآثار الإقتصادية السلبية التي تتعرض لها الجهات الممولة.
تستمر دول السعودية والإمارات وقطر في دعم الصين في أزمتها، في الوقت الذي تساهم فيه دولة الإمارات في معاونة إيران بشكل كبير بإرسال أطقم علاجية وأطنان ضخمة من المواد العلاجية في إطار الدافع الإنساني، وربما أيضاً لاتخاذ موقف الفعل إيجابياً في وضع أرضية تواصل مع إيران. في ذات الوقت، تجتمع دول مجلس التعاون الخليجي على مكافحة المرض، ولكن الصف الخليجي لن يعود كما كان على المدى القريب، حيث ستبقى الأزمة القطرية مستمرة.
فيما يتعلق بإسرائيل، فقد تقلصت مخاطر التصعيد في الساحة الشمالية وقطاع غزة على المدى القصير، ولكن تشديد القيود على المعابر الحدودية مع السلطة الفلسطينية قد يؤدي إلى انهيارها الاقتصادي. إن الجمع بين الأزمة السياسية في إسرائيل، وعجز الميزانية، والتحديات الأمنية المتعددة، وتفشي فيروس كورونا جميعهم يمثلوا مشكلة كبيرة، ويمكن أن يعني استمرار الأزمة بعد الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة نموًا سنويًا سلبيًا.
أما تركيا، فقد وصلت من خلال وجودها بسوريا وأزمتها مع روسيا وأوروبا لمرحلة يمكنها مساومة الناتو على موقف الحلف من روسيا في إدلب، مقابل تصدى تركيا للتوسع الروسي في المنطقة. وأيضاً مساومة الإتحاد الأوروبي على دعم أوروبا لتحرك القوات التركية في سوريا، مقابل قيام تركيا بحل أزمة اللاجئين. فرغم قيام تركيا بإخراج لاجئين سوريين في المنطقة بينها وبين اليونان، إلا أنه ومع تفشي وباء كورونا، عدلت من موقفها وأعادت اللاجئين السوريين مرة أخرى لأراضيها.. هذا في الوقت التي أغلقت فيه أوروبا حدودها أمام اللاجئين. أتوقع أن يتحرك إردوجان بحرص شديد لتحقيق أكبر مكاسب خلال الأزمة خاصة في سوريا وربما في ليبيا. كما أتوقع على المدى القريب تقارب تركي/ أمريكي وتركي/ أوروبي على حساب روسيا.
اتخذت مصر موقفاً إيجابياً في دعم الصين في أزمتها لدرجة أنها أرسلت وزير الصحة المصرية لتقديم الدعم بنفسها ومعها أطنان من المواد العلاجية. وتصر الحكومة المصرية على تطبيق المعايير العلمية قدر المستطاع في احتواء الأزمة في داخل أراضيها. إلا أن مصر تواجه عدة تحديات مباشرة مثل عدم توفر البيانات الصحية التراكمية خاصة بشأن الأزمة، كما أنها لا تملك عدد الأسِرة التي يمكن أن تجابه عدد كبير محتمل إصابتهم بالوباء. أما الأمر الأشد خطورة الذي قد يواجه مصر هو، ورغم إصرارها على اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية اللازمة لعدم تفشي الوباء وسط ما يقرب من مائة مليون مصري، أن شريحة كبيرة من الشعب المصري ما زالت تتعامل مع الأزمة دون جدية، وقد يتخذ بعض المعارضين السلفيين والإخوان المسلمين، استغلالاً للفرصة، موقفاً متعنتاً مضاداً حالة إقرار مصر غلق دور العبادة، وربما كما فعل المتشددين الدينيين في مدينة “قم” الإيرانية، بأن دور العبادة بها الشفاء وليس الداء.
رغم ما سبق، ربما التخوف الحقيقي يكمن في مصير دول الصراعات (سوريا – اليمن – ليبيا)، فضلاً عن الأوضاع شديدة الهشاشة في العراق والسودان ولبنان، فمؤسساتها ضعيفة وظروفها شديدة الصعوبة وسيكون للفيروس أثراً شديداً على كافة مقدراتهم. في المقابل، أتوقع تأثير سقوط ضحايا الفيروس من الجماعات المسلحة على قدرتها على حسم الصراعات الدائرة في بلدان الشرق الأوسط في ظل عدم امتلاك هذه الجماعات لمستشفيات مجهزة او قدرات عزل وتطهير وكذلك صغر حجمها عموماً مما يجعل الخسائر في صفوفها مؤثرة بشدة.
ثانياً: على الصعيد الدولي
أهم ما صاحب تفشي الوباء انفجار الشائعات والأخبار المزيفة المصممة لزيادة الخوف من الوباء أو الإشارة إلى دول بعينها بصفتها مسؤولة انتشاره بفعل فاعل. حيث أكثر من روج لهذه الشائعات وسائل الإعلام والشعوب التي اعتادت الإيمان بنظرية المؤامرة.
ما زال مستقبل الوباء غير معلوماً، فهناك محاولات كبيرة في عدة دول متقدمة للوصول للقاح يهزم الوباء وكأنه صراع مع الزمن تحسباً لتزايد التدهور الصحي والاقتصادي حول العالم.. وعلى أي حال، يأمل العالم فعالية التدابير المتخذة، فقد يؤدي الطقس الأكثر دفئًا إلى إبطاء انتشار الفيروس بشكل كبير، وقد تنجح الدول في احتواء الوباء. وقد تعود الروابط التجارية والاقتصاد إلى طبيعتها خلال الأشهر القليلة القادمة، ويتعافي قطاعي السياحة والطيران وقطاعات كثيرة أخرى بالتتالي، ربما مقابل انخفاض طفيف في الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
وفي أسوأ الظروف، قد لا تتمكن معظم البلدان من السيطرة على معدل العدوى واحتواء المرض على الأقل في الأشهر الستة المقبلة وحتى نهاية العام 2020. في هذه الحالة، سيكون هناك ضرر خطير للغاية للعلاقات التجارية والاقتصادية، ولحركة الأشخاص والبضائع بين البلدان. من ثم، ستعاني جميع الاقتصادات من ركود حاد، مع أضرار جسيمة للإنتاج العالمي، وسيكون هناك ملايين القتلى في جميع أنحاء العالم.
أثر طول مدة الأزمة على مستقبل التنافس بين القوى
لن تؤدي الأزمة إلى حسم التنافس بين القوى العظمى، ويبدو أنه لن يظهر أي فاعلين عالميين بقوتهم المعتادة. على المدى القصير على الأقل، من المرجح أن تنسحب الجهات الفاعلة الدولية بشكل نسبي، وستصبح السياسات الانعزالية هي الأكثر تفضيلاً، وستكون رغبة السلطات لمساعدة البلدان التي تعاني من الفيروس محدودة للغاية. قد تستغل الحركات اليمينية المتطرفة والمنظمات الإرهابية أن تستغل مثل هذا الموقف لاتخاذ إجراءات لصالح أهدافها، كما يمكن أن تستغل الحكومات الفاشلة الموقف لتغطية فشلها تحت غطاء الذعر.
الولايات المتحدة
يرى محللون أن أكبر تهديد للاقتصاد الدولي في هذه الظروف ينشأ من تباطؤ نمو الولايات المتحدة، فما زالت حتى الآن قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع الأزمة بشكل فعال وبما يمكنها من السيطرة على تفشي المرض ليست واضحة. في هذه المرحلة، تتطلب إدارة الأزمة تغييراً جوهرياً في سلوك الرئيس الأمريكي “ترمب” الذي يعتمد أكثر على شخصه أكثر من النهج المؤسسي العلمي في اتخاذ القرارات. ولذا يرى بعض المحللون أن أزمة كورونا تمثل ضربة قاسية لترمب في ذروة عام انتخابي عاصف بالنظر إلى الانخفاض الحاد في الاقتصاد ومؤشرات البورصة الأمريكية والعالمية، والتي كانت من قبل نقاط قوة يربط بها ترمب نجاح رئاسته. وهكذا يمكن أن يضر فيروس كورونا بموقف ترمب في الانتخابات القادمة حالة فشله في استعادة ما خسرته الولايات المتحدة في عهده وربما في عهد من قبله أيضاً.
من هذا المنطلق، ربما تتأثر أنظمة الدول حليفة “ترمب” بشدة حالة تزايد تفشي الوباء (لا قدر الله)، حيث أتصور مثلاً أن الدعم الأمريكي الدائم لإسرائيل والمساعدات العسكرية المقدمة لها ولدول أخرى ستتأثر بناءً على قرارات حازمة من الكونجرس.
الصين
في المقابل، يبدو أن الصين تتعامل الصين مع الأزمة بشكل فعال، بعد مرورها بأوقات حرجة للغاية، فقد أتى أسلوبها المرفوض من الغرب بنتائج رائعة في وقت قصير، مقابل ديمقراطية الغرب التي يتفشى في دوله الوباء كالنار في الهشيم. على الرغم من أن الإجراءات التي اتخذتها الصين لمجابهة الوباء في بلادها تعد باهظة الثمن وأنهكت الاقتصاد الصيني إلى حد كبير، إلا أنها بنجاحها في الحد من انتشاره، قد ضربت مثلاً أطلق عليه الغرب “الرأسمالية الاستبدادية”، ولكنهم اعتبروه جذاباً للبعض ويكتسب شعبية، ولكن قد يصعب تنفيذه في دول أخرى.
إلا أن الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا وحكومة تايوان يرون أن ما تعلنه الصين بشأن إجراءتها لمجابهة فيروس كورونا المستجد ما هي إلا إجراءات على الورق وفي البيانات الرسمية للحكومة الصينية. يرون أن الصين من خلال منابرها الدعائية الخاصة تريد أن تقول “لقد نجحنا في احتواء الأزمة، وأن الصين اليوم أكثر أماناً من الولايات المتحدة أو أوروبا، فالمواطنين والطلاب الصينيين المقيمين بنصف الكرة الغربي يعودون إلى بلدهم الآمن مثل تسونامي خوفاً من العدوى هناك”.
ولا شك أن عودة هؤلاء الصينيين من الغرب قد تؤدي إلى تفشي جديد للفيروس في مقاطعة صينية ما أو أكثر، ولكن في هذه المرة لن يُلقى اللوم على الحكومة الصينية ولكن على الدول الغربية التي أتوا منها.. فالحزب الإشتراكي الصيني كان قوياً وحازماً في استجاباته الأولى للوباء، إلا أن التأخر في إعلان انتشار الوباء أدى إلى تفشيه فيما بعد في العالم بأسره متسبباً في كارثة كبرى، وهو ما يؤكده المعسكر الغربي. اليوم الصين في مرحلة “العودة إلى الحياة الطبيعية” وعودة القوى العاملة من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى، الأمر الذي يراه بعض المراقبون أنه قد يسبب موجات ثانية من تفشي المرض.
ستحاول الصين وضع القواعد واللوائح من تلقاء نفسها من حيث اختبارات COVID-19. وقد تشارك في جهود الدول لاحتواء الفيروس ومن ثم تصنيف “دول المنطقة الحمراء” و “دول المنطقة الخضراء” ثم السماح لتلك الدول الموجودة في المنطقة الخضراء بالمشاركة في الأنشطة الاقتصادية الصينية، وهو ما يجذب بعض الدول إليها.
روسيا
الحالة الحقيقية لمدى تفشي الوباء فيها ليست واضحة، ولكن من المفترض أن تحتفظ موسكو باستراتيجيتها التقليدية للتكيف مع الأزمة، والتي تشمل حرب المعلومات والاستفادة من الفرص وأخطاء الخصوم لصرف الانتباه عن القضايا الحساسة. وقد انتهز بوتين بالفعل الفرصة حيث تمكن من تمديد رئاسته حتى عام 2036، وكذا قراره بحل الشراكة مع “منظمة أوبك”، ربما بهدف الإضرار بصناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة وإثبات قدرته على إلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي. أتوقع أيضاً من روسيا أن تلعب في الوقت الحالي دوراً أكثر فاعلية نحو الإنقسام الأوروبي/ الأوروبي والانقسام الأوروبي/ الأمريكي، مستغلة الظروف الصعبة التي تمر بها القارة العجوز، كما ستلعب روسياً دوراً مماثلاً لزيادة حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين واشتعال الموقف بين البلدين. كلا الدورين الروسيين سيشتت جهود أوروبا والولايات المتحدة ويضعف من مواقفهما أمام روسيا من جانب، وسيزيد من احتياج الصين لروسيا من جانب آخر، مقابل الدعم الاقتصادي الصيني لروسيا.
الاتحاد الأوروبي
أما أوروبا، والتي معظم سكانها من كبار السن، فقد تتسبب أزمة كورونا لاتساع الانقسامات القائمة بين دول القارة، كالصراع بين اليمين المتطرف واليسار الاشتراكي، فضلاً عن أزمة اللاجئين، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار الهياكل التنظيمية الهشة في بعض دول شرق أوروبا، بل وإضعاف أسس الاتحاد الأوروبي ومؤسساته القوية. كما أن غلق الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي وعدم قبول زوار من غير دوله يعد أمراً حتمياً في الوقت الحالي وعلى المدي القريب، الأمر الذي سيعمل على عزلة بلاده وسيكون له شديد الأثر على قدرات الاتحاد الاقتصادية وعلى نفوذه السياسي والأمني شكل سلبي على المدى القريب.
اليابان
تدرس اليابان بعناية جميع جوانب الأزمة، كما تدرس أيضاً كيف يتصرف التايوانيون باعتبارهم لم يخدعوا العالم بالإنكار في مراحل انتشار الفيروس الأولى في ديسمبر 2019 ويناير 2020. حيث أغلقت تايوان الحدود مع الصين بأسرع ما يمكن ومازالوا يضيقوا النوافذ معها إلى الآن.
وعلى المدى القريب، من جانب، تستمر اليابان في احتواء الأزمة داخل بلادها والعمل على انتشارها. ومن جانب آخر، أتوقع أن تتعاون اليابان بجدية مع الاتحاد الأوروبي في وضع القواعد واللوائح العالمية بشأن عدوى الفيروسات المستقبلية لتحقيق التوازن مع محاولات هيمنة الصين على ذلك الأمر. من جانب آخر، ستلتزم اليابان بالتعاون المتزايد مع المحور (الأمريكي/ البريطاني) وستحاول أيضاً ربطه بالأوروبيين من أجل وضع المعايير العلمية. فاليابان تدرك أن لدى الأوروبيين الكثير من الخبرات في هذا الشأن. وسيعمل كل من اليابان والولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا على محاولة استعادة ثقة دول الشرق الأوسط في حلفائهم الغربيين، على أمل منها ألا تنجذب دول الشرق الأوسط لما تعرضه الصين في وسائل إعلامها، وما تضلل به روسيا من أخبار كاذبة في وسائل إعلامها أيضاً.
المصادر: متعددة