21-May-2019
توجه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بروكسل فجأة يوم الاثنين الموافق 13 مايو 2019، ليبحث مع المسؤولين الأوروبيين، المجتمعين لتفادي انهيار الاتفاق النووي الإيراني، عدة موضوعات أهمها الاتفاق النووي والالتزام بالعقوبات الأميركية المفروضة علي طهران، بالتزامن مع تصاعد حدة التوتر السياسي والعسكري بين واشنطن وطهران بمنطقة الخليج العربي، يتوجه بعدها إلى سوتشي في روسيا ليلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف في اليوم التالي، وذلك بعد إلغاء لقائهما الأصلي المحدد بموسكو.
الأطراف
الولايات المتحدة
يتحرك بومبيو مؤخراً رداً على إجراءات وتصريحات إيرانية محددة، منها تهديدات تصريح قائد في الحرس الثوري الإيراني قائلاً “إن الوجود العسكري الأميركي في الخليج كان يمثل تهديداً خطيراً ولكنه الآن يمثل هدفاً”، واستهداف السفارة الأمريكية في بغداد وإصرار إيران على موقفها بعيداً عن التفاوض مع الولايات المتحدة.
وقد تزايدت الأزمة بين طهران وواشنطن في منطقة الخليج العربي مع قرار الولايات المتحدة إرسال سفينة هجومية برمائية وبطاريات صواريخ “باتريوت” إلى الخليج حيث نشرت قاذفات من طراز “بي-52”. كما أعلن البنتاجون الأمريكي يوم الجمعة 10 أبريل 2019 “أنه رداً على تهديدات مفترضة من إيران، باتت السفينة الحربية يو إس إس أرلينجتون التي تضم على متنها قوات من مشاة البحرية (المارينز) وعربات برمائية ومعدات ومروحيات أيضاً في طريقها إلى الشرق الأوسط”، في خطوة تهدف إلى مواجهة الدلائل الواضحة على تهديدات إيران للقوات الأميركية في المنطقة، فنشر وتوسيع وجود القوات الأميركية في الخليج العربي جاء استجابة لمعلومات استخباراتية تشير لهجمات إيرانية محتملة، ومن ثم فنشر هذه القوات هو بهدف ردعه إيران والرد عليها بالقوة إذا لزم الأمر كخيار أخير، خاصة إذا قررت إيران إستهداف مصالح أميركية، سواء كان ذلك في العراق أو أفغانستان أو اليمن أو أي مكان في الشرق الأوسط، للرد بطريقة مناسبة.. تحاول الولايات المتحدة أن تقول أن الهدف ليس الحرب رغم أن كافة الأصابع على الزناد.
وتتزامن تلك الخطوات المتسارعة، مع تكثيف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الضغوط الاقتصادية على إيران، في المقابل هددت إيران ببدء بتحركات قد تشكل انتهاكاً للاتفاقية النووية.
الاتحاد الأوروبي
يرى الاتحاد الأوروبي الأزمة الإيرانية بصورة شديدة التعقيد والسلبية، خاصة بعد التصعيد السياسي والعسكري بين واشنطن وطهران. فالإتحاد الأوروبي أصبح غير قادر على حماية مصالحه في إيران، فضلاً عن تخوف الاتحاد من هيمنة ترمب على كافة المصالح الأوروبية بل وكرامتها الدولية، ولكن أوروبا أيضاً في أمس الحاجة لدعم الولايات المتحدة في عدة مسارح وعلى مختلف الأصعدة. ناهيك أن أوروبا لا تأمن لإيران على المدى البعيد.
أعلنت دول أوروبية الأسبوع الماضي عن توجهها للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران ورفضت إنذارات طهران بعدم إلتزامها ببعض بنود الاتفاقية. كما أكد الاتحاد الأوروبي من جديد عزمه على إنقاذ الاتفاق الموقع في 2015 للحد من طموحات إيران النووية مقابل رفع العقوبات.
ويرى الاتحاد الأوروبي ضرورة دعم تنفيذ الاتفاق النووي الدولي مع إيران دعماً كاملاً، ويريد من القوى المتنافسة تجنب أي تصعيد آخر بشأن القضية، كما يدعم الاتحاد الأوروبي كافة بل الحوار من منطلق أنه الطريق الوحيد والأفضل لمعالجة الخلافات وتجنّب التصعيد في المنطقة، باعتباره عنصراً أساسياً لأسس عدم انتشار الأسلحة على الصعيد الدولي وفي المنطقة.
وبالإضافة إلى لقاء وزراء خارجية التكتل الـ28، يجتمع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الدول الأوروبية الثلاث الموقعة للاتفاق النووي الإيراني، مع موجيريني للبحث بكيفية إبقاء الاتفاق على قيد الحياة.
هدف الاتحاد الأوروبي من التشبث بالاتفاقية النووية مع طهران:ترفض الدول الأوروبية مساعي إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة، معتبرة أن الاتفاق هو الضمان الوحيد لإجبار طهران علي عدم امتلاك وحيازة السلاح النووي. ونجد دول الاتفاقية خاصة الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) ترى أن إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، أمراً منافياً للقوانين وقواعد الاحترام الدولية، خاصة أن جوهر الاتفاق النووي تراه تلك الدول الثلاث ركناً أساسياً من أجل ضمان أمن القارة الأوروبية والمنطقة والعالم أجمع. إلا أن الدول الغربية الثلاث ترى أيضاً أن إيران تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتقوم بأعمال استفزازية مستمرة، تلك التي تمارسها طهران في دول المنطقة فضلاً عن تدخلها في شؤونها الداخلية. لكن رؤية الدول الأوروبية تنطلق من أنه ومن دون الاتفاق لن تكون المنطقة أكثر أمناً، بل ستكون أقرب بخطوة من مواجهة مفتوحة. فهناك ورغم اختلاف أهداف التمسك من قِبل الدول الأوروبية بالعلاقات مع إيران وبما فيها الاتفاقية النووية، فإلى جانب اعتبار تنفيذ جوهر الاتفاق النووي ضماناً لأمن واستقرار المنطقة، فإن المصالح والفرص التجارية الضخمة باتت تجمع الدول الأوروبية والسوق الإيرانية، وإمكانية توسيع الأمر في المستقبل، فهناك عقود بمليارات الدولارات تم توقيعها بين طهران وشركات أوروبية، منها توتال الفرنسية وفولكس فاجن الألمانية وإيرباص الإقليمية المشتركة وغيرها.
وارتباطاً بما سبق، اتفق الدول الأوروبية الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا على ضرورة التصدي للهيمنة الأمريكية على القرار الاستراتيجي الأوروبي، وذلك من خلال الآلية التجارية مع إيران، تلك الهيمنة التي تتجاهل المصالح الأوروبية فى العديد من الاتجاهات ومنذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار، نجد روسيا والصين تركتا الدول الأوروبية الثلاث بين شقى الرحى (إيران من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر) على الرغم من عضويتهما بالاتفاقية النووية مع إيران وتمسكهما به.
بريطانيا
تعتبر بريطانيا أن أشد الأمور خطورة اليوم هو الحرب في الخليج ولو عن طريق الخطأ بسبب تصعيد غير مقصود من قبل كلا الطرفين، ولا شك أن بريطانيا هي التي تناقش الولايات المتحدة بجدية حيال هذا الأمر، فتداعيات الحرب سلبية على بريطانيا وكافة دول الاتفاقية النووية.
ترى بريطانيا أن عدم حيازة إيران للسلاح النووي أمراً لا بديل عنه، فإذا باتت إيران قوة نووية، حيث ترى بريطانيا أن تحول إيران لأن تكون قوة نووية ربما يحرك جيرانها للسعي لنفس الغرض خاصة السعودية والعراق وتركيا، مما قد ينتج عنه تعدد للقوى النووية في المنطقة الأقل إستقراراً عالمياً على الإطلاق، والذي تراه بريطانيا تحركاً في الاتجاه الخاطئ.
من زاوية أخرى، تتطلع بريطانيا لمرحلة ما بعد بريكسيت لان تكون منطقة الخليج احد أهم مناطق النفوذ وتحقيق المصالح البريطانية، وبالتالي أهمية الحفاظ على الاستقرار وحماية الاستثمارات البريطانية فيها.
فرنسا
ترى فرنسا ضرورة عدم امتلاك إيران لأسلحة نووية على الإطلاق، ولا أظن أن فرنسا قد تنسحب من الاتفاق النووي مع طهران، وهدف فرنسا ببساطة هو عدم زيادة الفوضى في منطقة الشرق الأوسط. كما ترى فرنسا أن الاتفاق النووي مع طهران لا يبدد جميع المخاوف ولكنه ترى أيضاً ضرورة عدم اللجوء بأي شكل ولأي سبب إلى إلغاء الاتفاق النووي دون إيجاد بديل جوهري له.
ألمانيا
أهم ما يشغل ألمانيا أن بجانب مصالحها الاقتصادية، ينتابها قلق حقيقي من انهيار النظام الدولي الذي استطاعت من خلاله الصعود لتتبوأ موقعها الحالي.
ومن ثم، تتمسك ألمانيا بالتجارة مع طهران وتدعم الاتفاق النووي بشكل كامل، مع الوضع في الاعتبار أن ألمانيا وبالتأكيد كافة دول أوروبا أن حيازة إيران للسلاح النووي يُعد أمراً يستحيل قبوله، أما الحفاظ على الاتفاقية النووية مع إيران فهو أماً آخر. ولا شك أن برلين تعمل من أجل الإبقاء على قناة قانونية للتجارة مع إيران، وذلك رغم قيام طهران بتخفيض بعض القيود على برنامجها النووي وهددت بخطوات قد تنتهك اتفاق 2015 العالمي.
ســــيد غنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات شؤون الأمن العالمي والدفاع IGSDA