سؤال يطرح نفسه دائماً، الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران، هل هي محتملة بالفعل؟
والإجابة ببساطة، أن هذا السؤال يعد غير دقيق، أما السؤالين الأكثر دقة من وجهة نظري فهما كالآتي:
الأول: هل الخطوات المتخذة بواسطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومستشاريه تشير إلى احتمال قيام الولايات المتحدة بتنفيذ ضربة عسكرية؟
والإجابة في هذه الحالة: نعم. وفقًا للخطوات السبع التالية التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها والتي يمكن تلخيصها في الآتي:
– قيام الولايات المتحدة بتزويد السعودية ودول أخرى حليفة لها ضد إيران بصفقات أسلحة ضخمة اعتباراً من عام 2017. حيث يعد هذا الإجراء خطوة واضحة للتأهب للحرب، ولطالما طالبت إسرائيل الولايات المتحدة بالقيام بذلك لدعم استراتيجيتها (إسرائيل والدول العربية السنية والولايات المتحدة لمواجهة عدوهم المشترك وهو إيران).
– قيام إسرائيل بإجراءات لإدانة إيران لديها النية الكاملة لإنتاج سلاح نووي وذلك أمام الأمم المتحدة.
– انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاقية النووية مع إيان).
– قيام الولايات المتحدة بإدراج فيلق الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.
– قيام الولايات المتحدة بنشر قوات دفاع جوي وبحرية وجوية في منطقة الخليج ذات قوة نيرانية هائلة، بالإضافة إلى عناصر تأمين القتال اللازمة لها.
– الدعوة لعقد القمتين الطارئتين العربية والخليجية بالتزامن مع توقيت عقد القمة الإسلامية، والتي انتهت بقرارات تصعيدية في مواجهة إيران.
– قرار الولايات المتحدة بنشر قوات أخرى قوامها 1500 مقاتل في الخليج.
 
أما السؤال الثاني فهو:
هل تسمح الظروف الحالية في المنطقة للولايات المتحدة بالقيام بضربة عسكرية ضد إيران؟
جوابي هذه المرة هو (لا). حيث يختلف الوضع الحالي في المنطقة عن الوضع مثلاً خلال الحرب على العراق عام 1991. فحالياً نجد انتشار الإرهاب، واشتعال الحروب الأهلية في اليمن وسوريا وليبيا، وعدم الاستقرار السياسي في السودان والوضع الخاص للغاية في العراق. علاوة على ذلك، تزايد التنافس بالمنطقة بين القوى الدولية من جانب وبين القوى والإقليمية من جانب آخر.
كل هذا يقودنا إلى الجزء الثاني من السؤال وهو: “ما هي المؤشرات السياسية والعسكرية على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي التي تؤكد احتمال توجيه ضربة عسكرية من جانب الولايات المتحدة ضد إيران؟” وإجابتي باحتصار هين أنه بالإضافة إلى الإجراءات السبعة التي ذكرتها أعلاه، يجب أن تبدأ الولايات المتحدة في تنفيذ الإجراءات التالية:
– تنفيذ اجتماعات ومحادثات أمريكية مباشرة (على الصعيدين السياسي والعسكري) مع القوى الدولية في المنطقة (روسيا والصين والاتحاد الأوروبي)، وإلا ستجد الفيتو في انتظارها دائماً لمواجهة أي قرار يتضمن شن عمل عسكري أمريكي قوي ضد إيران.
– تنفيذ اجتماعات ومحادثات أمريكية مباشرة (على الصعيدين السياسي والعسكري) أيضاً مع القوى الإقليمية والدول المحيطة بإيران خاصة (باكستان وتركيا). يصحبها تهدئة خطاب الولايات المتحدة تجاه تركيا. حيث يجب مثلاً أن توافق الولايات المتحدة على تنفيذ صفقة طائرات F35 مع تركيا، وكذا قيام الولايات المتحدة بوعد باكستان مثلاً بالمزيد من المساعدات العسكرية وغير ذلك من أمور.
– إمكانية نشر قوات أمريكية في غرب باكستان بالتنسيق مع نظيرتها في أفغانستان بمهمة تهديد إيران من الشرق.
– إعادة نشر قوات الأمريكية المخصصة لتأمين القتال في المنطقة خاصة صواريخ باتريوت وغيرها من أسلحة الدفاع الجوي والاستطلاع والمهندسين العسكريين.
ومن خلاصة ما سبق يمكنني احتمال ما يلي:
قيام الولايات المتحدة بتغليظ العقوبات ضد إيران، والتي قد تشمل فرض الحصار البري والبحري والجوي عليها. وقد تسعى الولايات المتحدة لبديل مهم بعيداً عن الضربات العسكرية أيضاً، وهو تحويل العقوبات الأمريكية إلى عقوبات دولية ملزمة على ايران، والتي في جميع الحالات تمثل ضغط شديد على إيران وعلى الدول التي ستتعامل معها. وأما بشأن الوضع العسكري، فإن مهمة القوات الأمريكية فى الخليج واضحة ومحددة، وهى حماية حرية الملاحة فى المنطقة وما يستتبعه من أعمال مراقبة واستعداد للتدخل لحماية تجمعاتها القتالية وقطعها البحرية، مما يشكل الردع اللازم لإيران وبما يحقق الخضوع للإرادة الأمريكية. وفي حالة الإصرار على تنفيذ عمل عسكري رغم كل ما سبق، وصدور الأوامر للقوات الأمريكية لشن ضربة ضد إيران (وهو ما يراه بعض المحللين احتمال ضئيل نسبياً)، فأتوقع أن تكون في صورة ما يسمى “ضربة تكتيكية محدودة” لتدمير أهداف محددة ومؤثرة داخل إيران. وفي كل الحالات أتوقع أن القيادة المركزية الأمريكية حالياً في حالة تأهب لاتخاذ إجراء عسكري ضد إيران مع صدور أول أمر لها بذلك. وأزعم أن القيادة المركزية تعمل حالياً دراسة السيناريوهات المختلفة، خاصة وأنها تميل لتنفيذ عمل عسكري ضد إيران، وهو الأمر الذي أراه ضد رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
ومع ذلك، من الصعب أيضاً التحدث عن إمكانية توقف التصعيد خاصة مع تشديد الضغط على إيران بالفعل. فالعقوبات أصبحت شديدة لدرجة أنها تمنع إيران من أي مساحة للحركة أو المناورة، خاصة أنها تطول الدول التي ستتعامل مع إيران، حيث سيتم معاقبتها اقتصادياً على الفور. ليس لإيران خيار آخر سوى الرد بممارسة بعض الضغوط على المجتمع الدولي، في الوقت الذي فقدت فيه أوروبا القدرة الحقيقية على الرد إلا من خلال المناورات السياسية والاقتصادية. أعتقد أن رد الفعل الإيراني وأهمه قيامها بتخصيب اليورانيوم، ما هو إلا وسيلة للضغط المتبادل من جانب، ولمنع أي رد فعل جديد من فيلق الحرس الثوري الإسلامي من جانب آخر. أما عن الولايات المتحدة، فهي تحاول جذب دول أخرى في الصراع بأي شكل، ربما من خلال المطالبة بمشاركة بعضها في حماية خطوط المواصلات البحرية خاصة من دول آسيا كاليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند. وحتى إذا كان ترمب لا يبدو أنه ينتوي شن الحرب، إلا أنه قد تم وضع كل شيء في مكانه لإجباره على شن ضربة عسكرية ضد إيران، وهنا يكون الزناد. والسؤال هنا هو متى تضغط الولايات المتحدة عليه؟ هل مع رد فعل معين تقوم به إيران؟ والتساؤل الذي يحضرني الآن، ماذا سيكون التصرف التالي حالة الاستيلاء على سفينة حاوية للنفط في مضيق جبل طارق؟

لــواء أ.ح. ســــيد غنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات شؤون الأمن العالمي والدفاع
www.igsda.org

شارك

administrator