معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
العلاقة بين الصين وروسيا معقدة ولها تكاليف يتحملها الجانبان. ويبدو أن القادة في بكين وموسكو قد قدروا في الوقت الحالي أن الفوائد تفوق التكاليف، لكن هذه الحسابات يمكن أن تتغير، فهناك ثلاث نقاط ضعف رئيسية في العلاقات الصينية الروسية:
1- العوامل التاريخية والهيكلية تولد انعدام الثقة الاستراتيجي بين بكين وموسكو، وهو ما يعتبر القاعدة بين البلدين، أما الاستثناء فهو تقارب العلاقات مؤخراً بينهما. فالعلاقة الوثيقة الحالية بين الصين وروسيا تمثل انحرافاً ملحوظاً عن التاريخ، حيث كانت الإمبراطورية الروسية في القرن 19، طرفاً في العديد من “المعاهدات غير المتكافئة” والتي أرغمت الصين على تسليم الأراضي والأموال والغنائم إلى القوى الأوروبية. وأجبرت معاهدة إيجون عام 1858 ومعاهدة بكين عام 1860 الصين على التنازل عما يقرب من مليون كيلومتر٢ من أراضيها للإمبراطورية الروسية.
في منتصف القرن العشرين كانت النزاعات الحدودية بين البلدين نقطة اشتعال مركزية في تلك الفترة. في عام 1969، تصاعد العداء على طول الحدود إلى المواقف النووية وكاد أن يؤدي إلى صراع واسع النطاق بين القوتين الشيوعيتين. كما ضغطت موسكو على بكين على جبهات أخرى، بما في ذلك انتقاد القمع الصيني في التبت والدعوة بشكل غير مباشر إلى استقلال التبت.
وبعد تطبيع العلاقات الصينية السوفيتية في عام 1989، قامت الصين وروسيا رسميًا بحل نزاعاتهما الحدودية الطويلة الأمد وبدأت موسكو في التعبير عن الدعم أو الحياد بشأن القضايا الصينية الحساسة مثل تايوان والتبت وشينجيانغ. ومع ذلك، ظلت عقود من العداء الروسي مصدراً للشكوك داخل الصين. وكانت المعاهدات غير المتكافئة التي كانت روسيا شريكاً فيها تشكل ظلماً لا ينسى للصين، ولا يزال الحزب الشيوعي الصيني يعتمد عليه كمصدر للنزعة القومية الصينية، بل ومؤشراً على استعداد روسيا لاستخدام قوتها (حالة استعادتها) لتحقيق مصالحها وفرض توسعاتها على حساب الصين، ولا يزال كثيرون في الصين يشعرون بالقلق إزاء موثوقية روسيا كشريك استراتيجي.
علاوة على العوامل التاريخية، تعمل العوامل الهيكلية الدائمة على توليد احتكاك في العلاقة، وأهمها الجغرافيا. ويؤدي قرب الصين المباشر من روسيا إلى ديناميكيات تنافسية في المناطق الواقعة على طول محيطهما المشترك، وعلى الأخص في الشرق الأقصى الروسي، وآسيا الوسطى، والقطب الشمالي. والأهم من ذلك هو أن حجم الصين الهائل وقوتها يجعلانها جارة صعبة في حالة تدهور العلاقات بين بكين وموسكو.
وبعد افتتاح الحدود الصينية الروسية في عام 1988، برز الوجود الصيني في الشرق الأقصى الروسي باعتباره مصدر إزعاج في العلاقة. ومع نمو الاقتصاد الصيني، تدفق العمال والشركات الصينية إلى المنطقة. ذهب الكثير منهم إلى القطاع الزراعي. وجدت إحدى الدراسات أنه في عام 2018، امتلك المواطنون الصينيون أو استأجروا ما يقرب من 350 ألف هكتار (3500 كيلومتر مربع) من الأراضي الزراعية في الشرق الأقصى الروسي – أي حوالي 16% من إجمالي الأراضي المستخدمة للزراعة. وأثار وجود العمال الصينيين في المنطقة غضب بعض الروس، حيث اشتكى كثيرون من سرقة العمال الصينيين لوظائف الروس واستغلالهم للموارد الطبيعية الروسية.
تضاءلت المخاوف بشأن الوجود الصيني في الشرق الأقصى الروسي إلى حد ما في السنوات الأخيرة، وتتمتع الصين بشعبية واسعة بين الرأي العام الروسي. وفقًا لمركز بيو للأبحاث، قال 71% من الروس إنهم ينظرون إلى الصين بشكل إيجابي في عام 2019، وهي أعلى نسبة بين جميع الدول الـ 35 التي شملها الاستطلاع. ومع ذلك، فإن الوجود الصيني في الشرق الأقصى الروسي لا يزال يثير آراء سلبية. فقد وجد استطلاع للرأي أجرته الأكاديمية الروسية للعلوم عام 2017 أن أكثر من واحد من كل ثلاثة روس ينظرون إلى الوجود الصيني المتزايد على أنه “توسع”. وقال نصف المشاركين في الاستطلاع في منتصف القرن العشرين، تطورت التوترات بين جمهورية الصين الشعبية المؤسسة حديثًا والاتحاد السوفييتي إلى الانقسام الصيني السوفييتي، والذي استمر حتى الثمانينيات. وكانت النزاعات الحدودية الطويلة الأمد بين البلدين نقطة اشتعال مركزية في تلك الفترة. في عام 1969، تصاعد العداء على طول الحدود إلى المواقف النووية وكاد أن يؤدي إلى صراع واسع النطاق بين القوتين الشيوعيتين. كما ضغطت موسكو على بكين على جبهات أخرى، بما في ذلك انتقاد القمع الصيني في التبت والدعوة بشكل غير مباشر إلى استقلال التبت.
والوجود الصيني في الشرق الأقصى الروسي لا يزال يثير آراء سلبية. فقد وجد استطلاع للرأي أجرته الأكاديمية الروسية للعلوم عام 2017 أن أكثر من واحد من كل ثلاثة روس ينظرون إلى الوجود الصيني المتزايد على أنه “توسع”. وقال نصف المشاركين في الاستطلاع إن الصين تهدد سلامة أراضي روسيا، ويعتقد ثلثهم أن سياسات الصين تهدد التنمية الاقتصادية في بلادهم. وقد أدت هذه المشاعر المحلية السلبية في بعض الأحيان إلى توقف المشاريع الاستثمارية الصينية المخطط لها، مثل مصنع تعبئة المياه الذي تموله الصين في منطقة إيركوتسك، والذي تم تعليقه بعد احتجاجات محلية في عام 2019.
ويعتقد أن سياسات الصين تهدد التنمية الاقتصادية في بلادهم. وقد أدت هذه المشاعر المحلية السلبية في بعض الأحيان إلى توقف المشاريع الاستثمارية الصينية المخطط لها، مثل مصنع تعبئة المياه الذي تموله الصين في منطقة إيركوتسك، والذي تم تعليقه بعد احتجاجات محلية في عام 2019.
إلا أنه وفقًا لمركز بيو للأبحاث، قال 71% من الروس إنهم ينظرون إلى الصين بشكل إيجابي في عام 2019.
وبدراسة هذه الحالة، أثبت أن حملة دعائية ضخمة قد دعمت نتيجة هذا استطلاع الرأي الاستثنائي.
وتواجه الصين وروسيا أيضاً ديناميكيات تنافسية في ساحتهما الخلفية المشتركة في آسيا الوسطى، وهو ما قد يصبح مصدراً للتوترات. ولا تزال موسكو تتمتع بنفوذ في الدول السوفييتية الخمس السابقة في آسيا الوسطى (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان) وتعتبر المنطقة ضمن “منطقة نفوذها المميزة”.
اقتصادياً، ومع الوقت، استطاعت الصين أن تحل بسرعة محل روسيا باعتبارها الشريك التجاري الأكبر لجميع دول آسيا الوسطى الخمس. فبحلول عام 2020 أصبحت واردات الصين من عائد اقتصادها مع هذا الدول أكثر من ضعف واردات روسيا، حيث تضخمت صادرات الصين لها بما قيمته 19.3 مليار دولار من البضائع الصينية إلى آسيا الوسطى في عام 2020. ومع استمرار هذا الاتجاه، فإنه يهدد بتقويض قدرة روسيا على ممارسة نفوذها الاقتصادي في المنطقة.