يرى بعض المحللين أن المملكة العربية السعودية تمثل للولايات المتحدة مجرد “خزينة” أموال وجب الإستيلاء على كل ما فيها، وأن التهديد الإيراني للسعودية ما هو إلا إتفاق غير مُعلن بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران في صورة تمثيلية باهتة ، ومن ثم على السعودية أن تدفع مليارات الدولارات مقابل توفير الحماية لها من ذلك التهديد الشيعي الخطير. وأن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد حاول القيام بنفس اللعبة للإستيلاء على أكبر قدر من أموال دول الخليج ولكنه فشل. إلى أن أتى الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب وقام بعقد صفقات سلاح مع السعودية وحدها تقارب الأربعمائة مليار خلال العامين الماضيين، وصفقات بمليارات جديدة معها ومع دول خليجية أخرى خلال هذه الأيام، في إطار نفس الفكرة.
في الحقيقة هذه الروايات دفعتني لضرورة التذكرة بعدة أحداث وأمور معلنة كالآتي
أولاً: أن السعودية قد طالبت إدارة رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما أكثر من مرة بهذا الحجم الكبير من صفقات الأسلحة، وكانت إسرائيل تدفع في نفس الاتجاه، في الوقت الذي كان يكتفي فيه أوباما بالصفقات المقررة من الكونجرس. وكان معلناً أن الكونجرس دائم التضرر من زيادة تسليح السعودية، وقد تلاحظ ذلك بوضوح عندما قرر الكونجرس منع تصدير السلاح الأمريكي (وقبلها القنابل العنقودية) للسعودية عام 2016.
إلا أن التخوف الأمريكي الحقيقي، فكان من تزايد فرص نشوب حرب خليجية إيرانية يستحيل السيطرة عليها وقد تطول لسنوات مثل حرب الخليج الأولى، مما قد يؤثر على المصالح الأمريكية الجارية في المنطقة وأهدافها الإستراتيجية العامة عالمياً خاصة أمام منافسيها الصين وروسيا، والتي تتضمن أبعاد اقتصادية شديدة الأهمية، والتي تعتبر أهم من مجرد مكاسب صفقات سلاح. الأمر الذي كان يتناسب مع عقيدة أوباما المعلنة، ومن ثم، رأى محللون أن أوباما كان يعمل في نفس اتجاه الكونجرس، وهو على عكس ما تصوره بعض المراقبين.
جديرٌ بالذكر أنه في نوفمبر 2010، تقدمت إدارة أوباما بهدوء بمقترحها لبيع طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر هجومية بقيمة 60 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية دون عوائق من جانب الكونجرس، معتبرة أن صفقة الأسلحة هذه ستكون أكبر عملية بيع للأسلحة لدولة أجنبية في تاريخ الولايات المتحدة ، لتزويد المملكة العربية السعودية بقوات جوية جديدة محدثة بالكامل وقوية، وبمقارنتها بصفقة ترمب نجد أنها لا تتجاوز 15% من قيمتها.
ثانياً: أن صفقات السلاح التي أبرمها الرئيس الأمريكي الحالي ترمب مع ولي العهد السعودي منذ عامين ما هي إلا تكرار لمطالب سعودية منذ سنوات، وليس ضغطاً أمريكياً على السعودية، أو مؤامرة محبوكة من جانب الولايات المتحدة لإجبارها على التورط في صفقات سلاح لم تكن تريدها أو كانت تتهرب منها مثلاً. والفرق هنا أن ترمب كان يستغل الأغلبية المسيطرة على القرارات في الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكي من الحزب الجمهوري، ومن جانب كان يستخدم حق النقض ضد قرار الكونجرس الأخير بعدم إبرام أي صفقات سلاح جديدة مع السعودية ارتباطاً بتردي الموقف في اليمن.
ثالثاً: أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد طالب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن في سبتمبر 2008 أن يوافق على قيام إسرائيل بضرب المفاعلات النووية الإيرانية بل ودعم إسرائيل سياسياً في موقفها أمام المجتمع الدولي، إلا أن بوش الإبن رفض ذلك لعدم توافقه مع الإستراتيجية الأمريكية العامة ومصالحها مع الاتحاد الأوروبي الذي أعلن ذلك في صحيفة الجارديان وقتها.
رابعاً: أن موقف الرئيس أوباما لم يتغير عن موقف بوش في هذا الصدد، بل استمر فيما هو مخطط بواسطة الإدارات الأمريكية والاتحاد الأوروبي بشأن عقد اتفاقية العمل المشتركة (الاتفاقية النووية) مع إيران في يوليو 2015. وفي نفس الوقت كانت إسرائيل مستمرة في تخطيطها الذي تحاول تنفيذه منذ أكثر من عشر سنوات وحتى الآن، مستغلة العداء الشديد بين السعودية ومعها بعض دول الخليج وبين وإيران.
ويتلخص تخطيط إسرائيل في ضرورة النظر إلى المحور السني العربي والذي يشمل طبقاً لقوله دول الخليج والأردن ومصر، واعتبارهم أنهم في قارب واحد مع إسرائيل، حيث أنهما يواجها عدواً مشترك وهو إيران والمحور الشيعي بأكمله متضمناً حزب الله، ومن مصلحتهما المشتركة أن يعزّزا هذا التعاون بدرجة أكبر.. ويجب أن تنضم الولايات المتحدة إلى إسرائيل في الإعلان عن اصطفافها إلى جانب المعسكر السني العربي. ومن الخطوات الأخيرة في هذا . لاتّجاه ويقصد به الحرب على إيران وأذرعه. ويحضرني قبلها ما قاله نتنياهو موجهاً كلامه لأوباما “عليك أن تتذكر من هو الحليف ومن هو العدو”، حيث كان يتحدث عن إسرائيل وإيران، في إشارة منه أن نتنياهو يتصرف وكأنه عدواً لإسرائيل.
خامساً: لو أن إسرائيل قد تآمرت سراً مع إيران ضد السعودية ما كانت إسرائيل سعت لضرب إيران بكل قوتها منذ سنوات وحتى اليوم وبالتعاون مع السعودية.. ولو أن الولايات المتحدة قد تآمرت سراً مع إيران ضد السعودية ما كانت الولايات المتحدة وقعت عقوبات شديدة على إيران، ولا قامت دول كبرى بالاتحاد الأوروبي وآسيا بمحاولة لعب دور الوسيط لإنهاء الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران.
سادساً: أن إيران ليست دولة ملائكية ولا سلمية كما تحاول أن تعلن، وما تفعله منذ عقود بالمنطقة يوضح ذلك، حيث أنها ضمن عدة دول بالمنطقة (غير عربية وعربية) تشارك في زعزعة الإستقرار.
سابعاً: أما العنصر الذي اعتبره خلاصة أهمية السعودية إقتصادياً بالنسبة للولايات المتحدة وفقاُ لما تفهمته من أستاذ اقتصاد مصري في أنها مبنية على أمرين وهما:
الأول: تسعى الولايات المتحدة بشكل دائم للسيطرة على النفط في منطقة الشرق الأوسط وعلى السياسة السعرية البترولية، لأن ذلك يحقق للولايات المتحدة إمكانية السيطرة على الدول الصناعية كدول أوروبا واليابان والصين. والتحكم أيضا في المصالح البترولية لروسيا. وبالتالي التحكم في النظام العالمي.
الثاني: المحافظة على ميزة بيع البترول بالدولار دون غيره من العملات، الأمر الذي يعود للاتفاق بين وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر والملك فيصل بن عبدالعزيز والذي تم إبرامه في مايو عام 1973، حيث تعهد كيسنجر برفع أسعار البترول مقابل تعهد فيصل بقصر التعامل به على الدولار. وبذلك يوفر للولايات المتحدة غطاء لعملتها بعد أن فقدت قدراً لا يُستهان من رصيد الذهب لديها بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها مطلع السبعينيات، مما أدى إلى إيقاف تحويل الدولار لذهب وأصبحت في حاجة لبديل يحررها من الالتزام في طبع الدولار اعتماداً على طاقة اقتصادها الداخلي فقط، وبالتالي يصبح لديها القدرة على إصدار دولار يغطي الاقتصار الداخلي والمعاملات الدولية، الأمر الذي يمكن الولايات المتحدة من الإنفاق على الآلة العسكرية الضخمة. ومما سبق نجد أن أهمية السعودية لدى الولايات المتحدة أبعد من مجرد تحقيق بضعة صفقات سلاح، وهو الأمر الذي كان يضعه جورج بوش الإبن وباراك أوباما ورؤساء أمريكيين قبلهما نصب أعينهم كأحد أهم عناصر السياسة والإستراتيجية الأمريكية العامة.
لــواء أ.ح. ســــيد غنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات شؤون الأمن العالمي والدفاع – أونلاين
www.igsda.org
المصادر:
الجاراديان: 25 سبتمبر 2008، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الضوء الأخضر لقصف المواقع النووية في إيران وجورج بوش يرفض
https://www.theguardian.com/world/2008/sep/25/iran.israelandthepalestinians1
بوليتيكس: 8 مارس 2015، نتنياهو يقول لأوباما “عليك أن تتذكر من هو الحليف ومن هو العدو في قاصداً إيران وإسرائيل في إشارة منه أن نتنياهو يتصرف وكأنه عدو لإسرائيل.
https://www.realclearpolitics.com/video/2015/03/08/netanyahu_to_obama_remember_who_your_ally_is_and_who_your_enemy_is.html
بوليتيكس: 31 مايو 2016، إدارة أوباما توقف مبيعات القنابل العنقودية إلى المملكة العربية السعودية
https://www.motherjones.com/politics/2016/05/obama-administration-cluster-bombs-saudi-arabia-yemen/
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: 19 سبتمبر 2016، موشي يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يتحدث حول إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي “نظرة من الداخل على إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي” والتي يشير فيها إلى “المحور السني العربي والذي يشمل طبقاً لقوله دول الخليج والأردن ومصر، ويراهم أنهم في قارب واحد، حيث أنهما يواجها عدواً مشترك وهو إيران والمحور الشيعي بأكمله متضمناً حزب الله، ومن مصلحتهما المشتركة أن يعزّزا هذا التعاون بدرجة أكبر.. ويجب أن تنضم الولايات المتحدة إلى إسرائيل في الإعلان عن اصطفافها إلى جانب المعسكر السني العربي. ومن الخطوات الأخيرة في هذا الاتّجاه ويقصد به الحرب على إيران وأذرعها
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/an-inside-look-at-israeli-national-security-strategy h
تايمز: 14 ديسمبر 2016، أوباما يمنع بيع الأسلحة للسعوديين بسبب مخاوف من عدد القتلى المدنيين من حملة القصف التي استمرت 20 شهرا في اليمن.
https://www.telegraph.co.uk/news/2016/12/13/us-halts-arms-transfer-saudi-arabia-civilian-casualties-yemen/