09 يوليو 2019
خلفية تاريخية
نظراً لإنقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية في اليمن في 15 يناير 2015 وقيامهم بتوسيع رقعة الأرض التي يسيطرون عليها لتضم كافة محافظات اليمن ذات الكثافة السكانية العالية، خاصة محافظات ما كان يعرف بـ”اليمن الشمالي”، بل ووصلوهم للمحافظات الجنوبية، أهمها مدينة مدينة عدن، بدعوى محاربة تنظيم القاعدة، نظراً لذلك، أعلنت السعودية تشكيل تحالف عسكري – سياسي في 25 مارس 2015، بهدف القضاء على “الانقلاب الحوثي”، على السلطة في اليمن، معلنة قيادتها للتحالف، في عملية أسمتها “عاصفة الحزم”. وشارك في التحالف الإمارات والكويت وقطر ومصر وباكستان والأردن والمغرب والسودان، مع سرعة تغيير اسم العملية إلى “إعادة الأمل” في 16 أبريل، حيث وقع العبء العملياتي بشكل رئيسي على السعودية والإمارات، فيما شاركت مصر في تأمين الممر الملاحي الواصل لقناة السويس عبر باب المندب، أما الولايات المتحدة فاكتفت بإعلان رفضها للانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، وتوفير دعم لوجستي للتحالف. وفي 14 يوليو 2015 تقدمت “المقاومة الشعبية” وسيطرت على مطار عدن، وبحلول 22 يوليو استعادت السيطرة الكاملة على المدينة، وقالت الحكومة اليمنية أنها بدأت “عملية السهم الذهبي” لتحرير بقية المناطق من الحوثيين، الأمر الذي تم بالفعل.
أدى ذلك إلى انتهاء قدرة الدولة المركزية على السيطرة الكاملة على الأراضي اليمنية، سواء كانت هذه الدولة ممثلة في الحوثيين أو في حكومة الرئيس منصور. حيث عاشت مؤسسات اليمن السيادية (القوى الأمنية – الجيش – البنك المركزي – الوزارات)، حالة انقسام حادة، حيث تم نقل البنك المركزي إلى عدن باعتبارها “عاصمة مؤقتة”، فيما انقسمت القوات المسلحة وقوات الأمن على نفسها، وكذلك الوزارات. كل ذلك، بالتزامن مع ظهور جماعات تابعة لتنظيم داعش في اليمن، خاصة في الجنوب، بينما أعاد تنظيم القاعدة إلى التوازي عادت جماعة الإخوان في الظهور منذ بدايات 2017 محاولة إصلاح علاقتها بالسعودية والإمارات، والتركيز على تحالفهم في القضاء على الانقلاب الحوثي على السلطة.
وقد أدت الحرب في اليمن إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وقد أشارت نتائج تقرير سنوي للأمم المتحدة والذي يغطي عام إلى أن اليمن مستمر في “الانزلاق نحو الكارثة الإنسانية والاقتصادية”.
اتفاقية استوكهولم
وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2451 المؤرخ ديسمبر 2018 ، ودعماً للاتفاقية التي وقعت في استوكهولم في 6 ديسمبر 2018 وعرفت باسم اتفاقية استوكهولم، والتي نتجت عن حوار الدولة اليمنية مع ميليشيا الحوثيين في السويد، بدأ فريق الأمم المتحدة مهمته في اليمن بعد أيام قليلة من كسب الثقة من مجلس الأمن لتنفيذ الاتفاق السويدي بين الأطراف اليمنية.
تتضمن الاتفاقية ثلاثة أحكام وهي (وقف لإطلاق النار حول مدينة الحديدة الساحلية – تبادل الأسرى – بيان تفاهم بأن جميع الأطراف ستشكل لجنة لمناقشة مدينة تعز التي مزقتها الحرب).
وفي الوقت نفسه، في الأردن، عقدت عدة اجتماعات بين الحوثيين وحكومة هادي حول تبادل الأسرى المخطط كما هو مطلوب في اتفاقية ستوكهولم. وعلى الرغم من حدوث بعض التبادلات بين الجرحى والسجناء، فإن المحادثات لم تسفر عن اتفاق شامل حتى الآن. فمن الواضح أن قلة الثقة والإحجام عن تقديم تنازلات حقيقية خارج إطار اتفاق سياسي شامل هو شعور شائع بين جميع الأطراف الآن.
بدء تخفيض القوات العسكرية في اليمن:
أعلنت الإمارات تخفيض قواتها العسكرية في اليمن بسبب انتهاء الصراع هناك، مع الإشارة لعدم إمكانية تجاهل المخاوف الجيواستراتيجية الأخرى، والتي في الأساس تتعلق باليمن.
وسيشمل تخفيض القوات منطقتين رئيسيتين:
أولاً: مدينة الحديدة اليمنية الساحلية، حيث تم التفاوض على انسحاب قوات الحوثيين.
ثانياً: مدينة عصب الساحلية في أريتريا، والتي كانت مجهزة للقيام بعمليات ضد الحوثيين في اليمن.
حيث ترى الإمارات ضرورة إعادة الانتشار الإستراتيجي لقواتها بعيداً عن “الحديدة”. وهو ما يُعد – بجانب انسحاب المقاتلين الحوثيين من تلك المدينة الاستراتيجية – جزءًا من اتفاق استوكهولم في ديسمبر الماضي.
هذا في الوقت الذي تعلن فيه الإمارات أنها تخطط لتحويل تركيزها من قتال المتمردين الحوثيين إلى مكافحة الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل داعش والقاعدة في شبه الجزيرة العربية. إلا أن الإمارات لا تخلي التزامها في اليمن من منطلق أنها جزء رئيسي من التحالف. وما سبق يعطي دلالة أن قرار الإمارات بتخفيض قواتها في اليمن ليس قراراً مفاجئاً، بل انه مخطط له منذ فترة ليست قليلة بل وانه مرتبط بتوقيع اتفاقية ستوكهولم، كما أنه يعتبر ضمن خطة إعادة الانتشار الإستراتيجي للقوات الإماراتية في المنطقة والذي بالتأكيد تم بالتشاور مع السعودية وباقي الحلفاء.
الــرأي:
أعتقد أن هذا التخفيض في القوة كان مخططاً منذ أكثر من عام بالفعل، وهو ما تعرضت له في بعض تقاريري السابقة. حيث ربطت وقتها احتمال تخفيض القوات العسكرية باحتمالات تمديد الحرب في اليمن دون نتائج حاسمة، فضلاً عن احتمال عدم توافق استراتيجيات وأهداف الإمارات وبعض من شركائها في اليمن في بعض الجوانب.
تعمل دولة الإمارات بصفة دائمة على تنفيذ إجراءات حاسمة معظمها قد يتسم بالسلمية وبما يعزز الإستقرار الإقليمي من منظورها القومي، وفي المقابل تحاول أن تتجنب موقف “رد الفعل” تجاه ضغوط خارجية أو فشل على الأرض، أو حتى بسبب أي نوع من الخلاف مع حلفائها. ومع ذلك، فإني أرى أن التصعيد الأمريكي الخليجي الحالي ضد إيران يُعد عاملاً رئيسياً فيما يتم على الأرض الآن، خاصة أن هذا التصعيد قد أدى لتعرض ناقلات نفط للهجوم في الخليج، كما أسقطت طهران طائرة أمريكية بدون طيار. بشكل عام، تميل دولة الإمارات لأن تكون في موقف لا يضعها في موقع رد الفعل، ولهذا السبب تعتمد دائمًا على الاستراتيجيات طويلة الأجل ذات أهداف وخطط مرحلية محددة بإطار زمني. ومن ثم، أظن أن الإمارات أكثر ذكاءً ومرونة من غيرها، ويمكن أن يكون تخفيض عدد قواتها مناورة استراتيجية مخططة لوضع عسكري ودبلوماسي أفضل يسمح لها بتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة وبما يضمن حماية أمنها القومي بشكل رئيسي وبما يضمن تحقيق مصالحها.
من ناحية أخرى، لا أعتقد أن دولة الإمارات ستسحب جميع قواتها من اليمن، وإلا سينتج عن ذلك فجوة أمنية خطيرة، خاصة أن الإمارات تشارك بقوات برية، كالقوات الخاصة وغيرها من قوات تأمين القتال.
لــواء أ.ح. ســــيد غنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات شؤون الأمن العالمي والدفاع – أونلاين
www.igsda.org