دكتور سَــــيْد غُنــــيْم دكتوراه العلوم السياسية زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع

خلال آخر نقاشاتي مع أحد الدبلوماسيين الأوروبيين المعنيين بالسودان توصلنا للآتي:
أولاً: طبيعة الموقف العام:
نجد صعوبة في فهم مٓن مٍن دول المنطقة يمكنه الاستفادة من أي شيء يجري في السودان في الوقت الحالي. وهو طبعاً أمر بعيداً عن الجمل المُعلبة ذات التفكير السطحي والتي لم تتطرق لبحث خمس دقائق كالصهيونية العالمية والمؤامرات الدولية وهذا الكلام المستهلك.
حيث من الواضح أن الأمر كان اشتعالًا غير مقصود لما أطلق عليه صديقي “كعكة البودرة” والذي لم يتوقعه أحد.
وهناك عدة مؤشرات على ذلك كالآتي:
1- بدء الأعمال العدائية في شهر رمضان وبشكل يبدو غير مخطط بالقدر الكافي.
2- عدم وجود الاستعداد العملياتي اللازم من جانب كلا الطرفين، مع عدم كفاية إمدادات الذخيرة لإجراء عملية تستمر لأكثر من بضعة أيام.
3- الافتقار إلى البنية التحتية للقيادة والسيطرة C2 كأقل تقدير فما بالك عن عدم وجود عنصري الاستخبارات والكمبيوتر الكافيين لاستكمال منظومة C4I، وكذا الافتقار للآليات/ الإجراءات العملياتية لإبقاء قوة كبيرة مشتتة تحت السيطرة كقوات الدعم السريع.
4- لا يوجد هدف عملي واضح لقوات الدعم السريع مع بدء قتالهم، ثم للجانبين خلال القتال، باستثناء إبادة القوة المضادة، الأمر الذي يصعب بل يستحيل تحقيقه.
5- مفاجأة واضحة لدول عربية قريبة من السودان وأيضا دول أجنبية، ومنها الصين نفسها، وغيرهم الكثير من الدول .
ثانياً: فيما يخص قوات الدعم السريع:
نجد أنها في الأساس قوة مرتزقة لديها خبرة قتالية في اليمن وليبيا. طبقات هيكل القيادة لديها مسطحة لا تمتلك الطابع الهرمي بشكل صحيح، إلا أن ما يميزها أن القائد التكتيكي يتمتع منفرداً بدرجة عالية من حرية اتخاذ القرار، وهذا يأتي كميزة ضد القوات المسلحة السودانية. في المقابل، تفتقر قوات الدعم السريع إلى دعم جوي قوي ولم تكن تمتلك أسلحة ثقيلة خاصة بها في بداية الصراع، الأمر الذي كان يحرمها ميزة القدرة على التمسك بالأرض، وحتى بعد الإستيلاء على بعضها من القوات المسلحة السودانية خلال الحرب، ما زالت قوات الدعم السريع غير قادرة على استخدامها بالشكل الأمثل، فهي تحتاج وقت لتفهمها والتدريب الفردي والمجمع علي استخدامها تكتيكياً.
وقد حاولت قوات الدعم السريع تصوير نفسها على أنها طرف معتدل في مواجهة القوات المسلحة السودانية (الإسلامية الأكثر راديكالية والتي لها علاقات عديدة مع النظام القديم)، إلا أن هذه الفكرة التي يحاولون رسمها تبدو غير مقبولة، خاصة من جانب الغرب بسبب صلات قوات الدعم السريع بڤاجنر بل وبروسيا نفسها.
وحتى ما يُثار بشأن أنه قد يكون التورط المباشر لروسيا أو الإمارات وراء إندلاع القتال موضع تساؤل لحاجاتها الماسة للذهب في السودان، إلا أنه لم يظهر دليل على السطح لذلك حتى الآن، لأن استقرار السودان كان سيسهل استمرار استخراج الذهب وتوفيرها لروسيا وليس الحرب. كما أن الإمارات ليست مستفيدة من الصراع لأن عدم الإستقرار في السودان يؤثر على ما تقدمه الأخيرة للإمارات والسعودية من أمن غذائي واستثمارات مفتوحة، وتدريب للقوات المشاركة في عاصفة الحزم وغيرها من أمور. كما أن الذهب الذي تتحصل عليه الإمارات تجارياً يستمر توفيره بشكل أفضل في حالة إستقرار السودان وليس الحرب.
الاستنتاجات:
1- لا يوجد محرك خارجي واضح ومحدد للعمل العدائي الذي قامت به قوات الدعم السريع في منتصف إبريل 2023، ولم يكن هذا العدوان مخططاً بالشكل الذي يوفر له سبل الحسم أو فرض الإرادة على الخصم على الأقل.
2- الرهان سيكون على قلة مخزون الذخيرة لقوات الدعم السريع وبما قد يجبرها على التالي:
أولاً: السعي لكسب دعم المجتمع الدولي بتصوير موقف قوات الدعم السريع على أنه تحرك ديمقراطي شعبي لحماية مقدرات الشعب السوداني ضد قيادة دكتاتورية إسلامية متطرفة متمثلة في قيادة القوات المسلحة السودانية.
الثاني: إيجاد قوة خارجية لدعم استكمال القتال.
الثالث: طلب التدخل الدولي لوقف إطلاق النار مع زيادة الموقف حرجاً خاصة مع عدم تحقيق ما بأولاً وثانياً، وهو رهان مرتبط بقدرة القوات المسلحة السودانية على الاستمرار في القتال والتمسك بالأرض والمدن والأهداف الحيوية السودانية.
3- سيواجه أي دعم خارجي لقوات الدعم السريع تدخلاً لمنعه أو التصدي له، خاصةً من جانب الغرب الذي يرفض تحركهم العدواني غير المبرر ولا يصدق شعاراته.
 
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)