مقدمة
بعد ثماني سنوات من سقوط معمر القذافي، لا تزال ليبيا في حالة من الفوضى، تعمل حكومة الائتلاف الليبية على إثبات وجودها أمام المجتمع الدولي خاصة الأمم المتحدة التي اعترفت بها. في المقابل، يسعى الجيش الليبي للسيطرة على الحكم، في الوقت الذي فيه تستغل التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة الاضطرابات ، مستخدمة الأراضي الليبية كقاعدة للتطرف والجريمة المنظمة، مُشكلة تهديداً على المنطقة ودول الجوار.
أولاً: الأطراف المعنية بالأزمة الليبية:
يتواجد في الأزمة الليبية عدة أطراف داخلية رئيسية مُقسمة بين طرابلس في الغرب وطبرق في الشرق، وهما الجبهتان الرئيسيتان في ها الصراع الداخلي، والذي تتداخل فيه ومعه أطراف إقليمية ودولية متعددة كالآتي:
داخلياً:
في طرابلس:
نجد حكومة الوفاق الوطني التابعة للمجلس الرئاسي برئاسة “فايز السراج”، والمجلس الأعلى للدولة (مخرجات اتفاقية الصخيرات الموقعة في 17 ديسمبر 2015)، والمجلس الأعلى عبارة عن هيئة استشارية في طرابلس أيضاً تتكون من (145) عضواً، يغلب عليهم ممثلون من الإخوان المسلمين وغيرها من الفصائل الإسلامية ومعهم المليشيات المسلحة ذات التوجه الإسلامي (فجر ليبيا)، ثم حكومة الإنقاذ برئاسة “خليفة الغويل” المنبثقة عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته والموالي لجماعة الإخوان المسلمين، وعادت هذه الحكومة لتفرض حضورها في أعقاب سيطرة الميليشيات الموالية لها على عدد من المقرات الحكومية التي إنتزعتها من سيطرة حكومة السراج.
في الشرق (طبرق) نجد ثلاثة عناصر رئيسية وهي:
مجلس النواب الليبي (البرلمان) برئاسة المستشار “عقيلة صالح” المعترف به دوليا، الذي انبثقت عنه.
الحكومة المؤقتة برئاسة “عبدالله الثني.
الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير “خليفة حفتر”.
بقايا داعش والجماعات الإرهابية الموالية لها مثل “أنصار الشريعة، ومجلس شورى الإسلام”، فضلاً عن بعض من تنظيم القاعدة.
إقليمياً:
مصر (الجار الأكثر تأثراً) والإمارات والسعودية وتدعم الجيش الوطني الليبي والبرلمان المنتخب.
قطر وتدعم المجلس الرئاسي والمليشيات الإسلامية في طرابلس.
تركيا التي تدعم الميليشيات في مصراتة وفي توافق مع قطر، وبدأت تركيا دعمها السياسي والعسكري لطرابلس.
تونس والجزائر تدعما الوفاق الوطني.
تونس والجزائر، وتعلن في الوقت الحالي عن حيادها تجاه الأزمة دون اتباع أي من الأطراف.
دولياً:
الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي خاصة دول E3 (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بالإضافة إلى إيطاليا والمتضررين من أزمتي الهجرة غير الشرعية والإرهاب.
ثانياً: موقف الاتحاد الأوروبى والناتو من ليبيا:
الوضع في ليبيا تحول إلى أزمة أمنية أوسع في منطقة الساحل والصحراء، وسط تخوفات وسائط أوروبية من انتقال العنف والاضطرابات إلى داخل أوروبا نفسها، خاصة أن منطقة شمال أفريقيا تعد الحدود الجنوبية الحقيقية للقارة الأوروبية.. وأصبح الأمن في المنطقة من الأولويات، وليس من المخاوف الهامشية لأوروبا، مقارنة بباقي منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد الهجمات الأخيرة التي شهدتها فرنسا وألمانيا وبلجيكا لتثبت الطبيعة المتداخلة لأمن كل من جنوب وشمال المتوسط، فمعظمها نفذها أشخاص من أصول عربية من شمال أفريقيا، تم تجنيدهم للانضمام إلى صفوف داعش في سوريا.. ويبقى البحر المتوسط وممراته ساحة مفتوحة وجب تأمينها.
وقد عقد الاتحاد الأوروبي مؤتمره الإقليمي الأول مع جامعة الدول العربية في فبراير 2019 بشرم الشيخ وكان من أهم موضوعات نقاشاته الأزمة الليبية والهجرة غير الشرعية وامن البحر المتوسط. وذلك في نفس اليوم الذي نطق فيه القضاء المصري أحكامه بالإعدام على عشرات المتهمين في قضايا إرهابية من عناصر الإخوان المسلمين. الأمر الذي أحدث هزة قوية لأنقرة حيث وجه إردوجان اتهاماته للاتحاد الأوروبي بإزدواجية المعايير ودعم الرئيس المصري الذي يخالف معايير حقوق الإنسان كما وصفه.
ثالثاً: ظهور الجنرال خليفة حفتر وتحديد ملامح المسار العسكري الليبي:
بدأ ظهور خليفة حفتر كلاعب أساسي في المشهد الليبي في منتصف فبراير 2014 عندما خرج على قناة فضائية عربية معلناً تجميد الإعلان الدستوري (الدستور الحاكم) وحل المؤتمر الوطني العام (السلطة التشريعية)، متخذا من شرق ليبيا، وتحديدا منطقة الرجمة (جنوب شرق بنغازي)- مقرا له.
وبعد ثلاثة أشهر وتحديدا في 15 مايو 2014- أطلق حفتر عملية عسكرية تحت اسم “عملية الكرامة” بهدف مكافحة الإرهاب في بنغازي، والذي يعد داعماً لتوسع نفوذ في ليبيا جنوباً وغرباً.
ومع مرور الوقت وتواصل المعارك في بنغازي بين قوات حفتر ومليشيات الإسلام السياسي المسلحة، أعلنت تلك العناصر تكتلاً اسمه “مجلس شورى ثوار بنغازي”، وهو ائتلاف يضم عددا من التشكيلات المسلحة تنتمي للتيار الإسلامي وبعض الثوار المدنيين. وبدأت في غرب ليبيا عملية عسكرية مضادة تستهدف الموالين لحفتر بالمنطقة الغربية قامت به ميليشيات مسلحة ضمن تنظيمات الإسلام السياسي أيضاً وعرفت باسم “فجر ليبيا. وقد تم إدراج كل من “مجلس شورى الإسلام و”فجر ليبيا” ضمن التنظيمات الإرهابية عام 2014، والتي تدعمها كل من قطر وتركيا.
كانت طرابلس ساحة للقتال بين حلفاء ما سُمي بـثورة فبراير (الزنتان ومصراتة) وهما أكبر قوتين عسكريتين بالمنطقة الغربية، وذلك بعد أن أعلنت كتائب عسكرية محسوبة على الزنتان (القعقاع والصواعق) تأييدها عملية الكرامة وإمهالها “المؤتمر الوطني العام” ساعات لتسليم السلطة وإلا فإنها ستقبض على كل أعضائه باعتبارهم كما اسمتهم “خارجين عن الشرعية.”
دخلت على خط المواجهات في حرب فجر ليبيا جهات عدة واصطفت إلى جانب طرفي النزاع الرئيسيين (الزنتان ومصراتة)، فإلى جانب مقاتلي مصراتة وقف ثوار كل من زليتن والزاوية وغريان وصبراتة وبعض مدن الأمازيغ (زوارة وككلة) وكتائب من طرابلس (سوق الجمعة وتاجوراء)، في المقابل انضمت كتائب من الرجبان وورشفانة إلى الزنتان، وانتهت المعركة بخروج كافة التشكيلات المسلحة الموالية لحفتر من طرابلس.
وبعد انتهاء الحرب تشكل مشهد عسكري وسياسي جديد في ليبيا، ولا سيما بعد رفض مجلس النواب الذي انتخب في يونيو 2014 الذهاب إلى طرابلس لتسلم السلطة من المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، واختياره طبرق مقرا له بدلا من العاصمة، ليتكرس بذلك مشهد الانقسام الذي رافق الحياة السياسية في ليبيا حتى الآن.
حفتر ينجح في حسم الموقف في الشرق والجنوب لصالحه عسكرياً
ثلاث سنوات من المعارك في بنغازي انتهت في 2017 لصالح حفتر بدعم إقليمي، ليستمر في توسعه في العمليات العسكرية ضد العناصر المصنفة إرهابية، وعلى التوازي استطاع صنع تفاهمات مع مكونات قبلية رئيسية بالمنطقة الشرقية. وفي مايو 2018 أطلق حفتر حملته العسكرية على درنة آخر المعاقل الإرهابية في المنطقة الشرقية.
على الصعيد الاقتصادي شرق المتوسط
استهدف إعادة ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط، والتي قامت بها مصر واليونان وقبرص، تحديد تبعية مصادر الطاقة خاصة الغاز الطبيعي بتلك المنطقة، وهو الأمر الذي أزعج تركيا حيث تعتبر أن دول الجوار البحري (اليونان وقبرص) قد تجاهلا حقها في هذا الشأن، فضلاً عن أن تركيا لا ترى قبرص دولة كاملة بدون من أسمتهم (القبارصة الأتراك)، في الوقت الذي تعترف كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بقبرص دولة مستقلة لها سيادتها تمثلها الحكومة الحالية في نيقوسيا.. ومن هنا بدأت قبرص في التنقيب عن الموارد الطبيعية في مياهها الاقتصادية.
فضلاً عن الاتفاقية المصرية القبرصية لترسيم الحدود البحرية وتقاسم الموارد عام 2013، إتفق كل من إيطاليا واليونان وقبرص وإسرائيل على مشروع “شرق المتوسط” والذي ينص على بناء خطّ أنابيب غاز من الحقول المكتشفة حديثاً لينقل خط الأنابيب الذي سيمتد على أكثر من 2000 كيلومتر في حوض شرق المتوسط إلى اليونان وإيطاليا. وقد وقعت قبرص واليونان أيضاً اتفاقاً منفصلاً مع إسرائيل لنقل احتياطات الغاز الطبيعي في حوض المتوسط عبر خطّ أنابيب تحت الماء من حوض “لوياثان” الإسرائيلي و “بلوك 12 – إفروديت” القبرصي إلى جزيرة كريت اليونانية، ثم إلى أوروبا.. على أن تقوم مصر بتسييل الغاز قبل تصديره لأوروبا.
في 20 نوفمبر 2017، قام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحضور اجتماع قمة (مصري يوناني قبرصي) في نيقوسيا لمناقشة موارد الطاقة وتحديداً الغاز في المنطقة، والذي اعتبرت أنقرة نتائجه “لاغية وباطلة”.. على صعيد آخر أجرت قبرص وإسرائيل واليونان ثلاثة تدريبات بحرية مشتركة في مارس ويونيو ونوفمبر عام 2017، كما أجرت أيضاً في نوفمبر 2017 اليونان ومصر تدريب بحريّ مشترك.
في المقابل، تحركت أنقرة وقامت بإصدار “تلكس ملاحيّ” لتخصيص منطقة للتدريبات العسكرية التركية، وتشمل البلوكات (6، 7، 8، 9) المتنازع عليها التي أعلنتها قبرص منطقتها الاقتصادية الحصرية. وقد أبقى الجيش التركي قطع بحرية (فرقاطتين وسفينة مدفعية وفرقة ضفادع بشرية وسفينة نقل وقود) في شرق المتوسط، وذلك بعد إنتهاء تدريبات المجموعة البحرية الدائمة التابعة للناتو الفترة (7 – 16 نوفمبر 2017)، بمهمة تأمين سفينة تركيا الأولى “ديبسي مترو 2” والمخصّصة للحفر والمنتظر إبحارها قريباً للتنقيب عن الغاز في البلوك السادس المتنازع عليه.
بترتيبات وتنسيق مُسبق، أبحرت سفينة الحفر القبرصية “سايبم 12000” لتنفيذ عمليات تنقيب وحفر بمنطقة “كاليبسو” بالبلوك السادس داخل المنطقة الاقتصادية القبرصية شرق المتوسط، وقد قامت أنقرة بإرسال قطع بحرية لمراقبة “سايبم 12000” قبالة قبرص بالفعل.. الأمر الذي مهد لتصعيد المواجهات الدبلوماسية والأمنية وربما قد يتطور لمواجهات عسكرية شرق المتوسط والذي قد تدخل ليبيا في أحد معادلاته.
وأزعم أن إردوجان وقتها أصبح يفكر استبدال موقفه من رد الفعل إلى الفعل، وذلك بالاستمرار في الضغط الدبلوماسي والأمني على عدة اتجاهات لتحقيق أهدافه الاقتصادية والسياسية والأمنية
أولاً: اقتصادياً: ضمان حصة في موارد الطاقة شرق المتوسط، وذلك من خلال الآتي:
تهيئة الظروف لمشاركة بلاده في المياه الاقتصادية والثروات شرق المتوسط وعدم إنحصارها في خليج أنطاليا.
إمكانية التأثير على حركة مرور غاز شرق المتوسط (اليوناني/ القبرصي/ الإسرائيلي/المصري) المنتظر تصديره إلى أوروبا بعد تسييله في مصر.
ثانياً: سياسياً وأمنياً:
ضمان بقاء حكومة موالية في ليبيا ودول أخرى تحقق أهدافه.
محاولة خلق عمق إستراتيجي ليبي مناوئ لمصر، غرباً في تونس والجزائر، وجنوباً في السودان وتشاد بل ودول الصحراء.
وضع قدم لتركيا جنوب المتوسط وبما يوسع من النفوذ التركي أمام أوروبا والولايات المتحدة والصين في شرق المتوسط وليبيا (بجانب ما حققه في الشرق الأوسط).
رابعاً: تطور المسار السياسي الليبي خلال عامي 2017 و2018
في إطار ذلك، شهد عامي 2017 و2018 تحولاً نسبياً في الأزمة، حيث تحول بعض أطرافها إلى عناصر فاعلة لحلها، وضحت في زيارات ولقاءات وتبادل التصريحات الإيجابية بين الأطراف، حيث عُقد الاجتماع الوزاري العاشر لدول جوار ليبيا بالقاهرة في 21 يناير 2017، مروراً بعقد قمة ليبية بين السراج وحفتر بالقاهرة أيضاً في 13 و14 فبراير 2017، ثم توجه وزير الخارجية المصري يوم 19 فبراير إلى تونس للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر للإعداد للقمة الثلاثية انطلاقا من المبادرة التي طرحها الرئيس التونسي الراحل “الباجي قائد السبسي” بشأن ليبيا بعنوان “الحل السياسي عبر الحوار الشامل والمصالحة الوطنية في ليبيا”.
استمرت مصر وحلفائها في دعم حفتر والرهان على دور سياسي بصور أكبر له، هذا في الوقت الذي حاولت مصر فيه التلويح بعد إصرارها على إستئصال الإسلاميين في ليبيا كما كانت في السابق، خاصة مع استمرار حظر مجلس الأمن على تسليح قوات الجيش الوطني الليبي، فضلاً عن قوة الجماعات المسلحة الداعمة لحكومة الوفاق الوطني في الغرب، وعلى رأسها ميليشيات مصراته (شمال غرب البلاد)، والتي أظن أن حفتر لم يقدر موقفها ولا قدراتها بشكل دقيق. ذلك التطور خفف من إحتمالية تصعيد عسكري بين قوات جبهتي الشرق والغرب الليبي وقتها.. إلا أن مصر وحلفائها بلا شك ضد أي حكم عقائدي مطلق في المنطقة ومنها حكم الإسلام السياسي.
على صعيد آخر، أثبتت الإستراتيجيات الأمريكية الخاطئة في ليبيا فشلها في إنهاء الأزمة، حيث كانت تعتمد عسكرياً على إغتيال القيادات الإرهابية والعمل السياسي على إحتواء الأزمة، مما لم يحسم القضاء على عناصر داعش والقاعدة والعناصر الإرهابية والمسلحة الأخرى. الأمر الذي أتاح لروسيا فرصة أكبر للتواجد في ليبيا من خلال شركة فاجنر للأمن وربما عناصر عسكرية عاملة لتدريب القوات على الأعمال القتالية المختلفة.
ربما وجب الإشارة إلى أن ليبيا هي المسرح الوحيد في تلك الفترة الذي اتفق فيه جميع الأطراف (الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا ومصر وحلفائها بمنطقة الخليج) على التصدي للإرهاب. أما الجانب الداعم لحكومة السراج والميليشيات الإسلامية المسلحة نجد تركيا وقطر وإيطاليا وقتها.
خامساً: الهجوم على طرابلس عام 2019
مع مطلع هذا العام، وتحديدا في 15 يناير الثاني 2019، أعلن حفتر السيطرة على المنطقة الشرقية، ثم تلاها بإعلان قيامه بعملية عسكرية في الجنوب تحت عنوان “مكافحة الجريمة والعصابات الأجنبية” تقدمت خلالها قواته باتجاه الجفرة (وسط ليبيا) ومنها إلى مدن سبها ومرزق وأوباري وبراك الشاطئ ليفتح من الجنوب خطا مباشرا باتجاه العاصمة يبعد نحو 800 كيلومتر عنها، وليتجنب المواجهة مع مصراتة التي تقع على الخط الساحلي شرقي طرابلس.
في الثالث من أبريل من العام 2019 تلاحظ تحرك عسكري جنوب العاصمة الليبية طرابلس، حيث بدء حشد لتشكيلات مسلحة على حدود مدينة غريان (75 كيلومترا جنوب طرابلس، ما دفع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس للبدء في استعداداته للمواجهة العسكرية.
في الرابع من أبريل أعلن الجنرال خليفة حفتر في تسجيل صوتي بدء إنطلاق معركته تجاه العناصر الإرهابية في طرابلس وخوض قواته معارك على مشارفها، وربما عاونه في ذلك التحالف القديم الموالي لثورة سبتمبر (ثورة القذافي) في مناطق طوق طرابلس، فعند انطلاق ساعة الصفر تحركت مجموعات مسلحة من مناطق ورشفانة وأخرى من مدينتي صبراتة وصرمان باتجاه جسر الـ27 الواقع على الطريق الساحلي غرب طرابلس محاولة فصلها عن مدن الزاوية وزوارة، ومجموعات أخرى من ترهونة (اللواء التاسع) تحركت من الجنوب الشرقي لطرابلس وحاولت فتح ثغرة باتجاه وسط طرابلس عن طريق محاور سوق الخميس وقصر بن غشير ووادي الربيع.
وقام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاتصال التليفوني بالجنرال حفتر لدعم تقدمه لاستكمال مواجهة الإرهاب غرب ليبيا معرباً عن دعمه له، تلاه قيام طائرتين متعددة المهام من خارج ليبيا بقذف أهداف عسكرية في طرابلس. إلا أن حفتر لم يتمكن من تحقيق تقدماً بمعدلات كبيرة تجاه طرابلس خاصة مع قيام الميليشيات المسلحة بـ”مصراتة” التي تلعب دوراً رئيسياً في صد هجوم القوات القادمة من الشرق، وكذا قيام قوات تنظيم داعش الإرهابية بمدينة “سبها” بشن ضربات ضد قوات حفتر لتشتيت جهودها وحرمانها من مواصلة الهجوم داخل طرابلس. الأمر الذي يؤكد موائمات وتعاون بين ميليشيات مصراتة وطرابلس وتنظيم داعش الإرهابي.
جديرٌ بالذكر أنه في 13 أبريل 2019 ترددت أنباء بشأن تكرار محاولات تركيا لإرسال أسلحة ومعدات ومركبات فضلاً عن عناصر مرتزقة قادمين من عمليات سوريا إلى طرابلس ومصراتة وذلك عن طريق مالطا، وقد ظهرت بالفعل أدلة لمشاركة أجانب في طرابلس ومنهم الطيار البرتغالي الذي تم إسقاط طائرته وأسره خلال المعارك.
سادساً: تحركات فايز السراج، وأمل أخير في أوروبا
خلال زيارة قام بها رئيس حكومة الوفاق فايز السراج لأوروبا استغرقت ثلاثة أيام الفترة من 7 – 9 مايو 2019، جال خلالها بعدد من عواصمها، حيث أعلن أنه يحاول البحث عن حل سلمي لأزمة العاصمة طرابلس، إلا أنه ربما يظهر ذلك تمهيداً لتلقي دعم من الدول الداعمة (تركيا وقطر) حالة فشل مهمته في أوروبا. وشملت الزيارة روما وباريس وبرلين ولندن، أي العواصم الأكثر نفوذاً وتأثيراً في القرار الأوروبي والدولي.
وصف مراقبون زيارة السراج إلى أوروبا وتحديداً الى ألمانيا وفرنسا بـ”الزيارة الفاشلة” على اعتبار أنه لم يحصل على تأييد صريح من قادتها، ودعوة البلدين له بالعودة إلى المسار السياسي، وفقاً لاتفاق أبو ظبي، الأمر الذي يرفضه السراج لأنه يعني العودة إلى الحوار مع المشير خليفة حفتر، بصفته القائد العام للجيش الوطني الليبي.
بينما لم يكن الدعم السياسي الذي كررت كل من لندن وروما تقديمه له، كافياً وبالحجم الذي سعى السراج إلى تحقيقه من الزيارة، فقد تلخص برفض العمليات العسكرية والدعوة إلى العودة لطاولة الحوار السياسي، وكانت تلك الرمة الأولى التي تبدي فيها إيكاليا نيتها بعدم استكمال دعم حكومة لسراج.
في نفس التوقيت قام خليفة حفتر بزيارة القاهرة لمقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعلن استكمال مصر لدعم جهود الجيش الوطني الليبي في مكافحة الإرهاب وتحقيق الإستقرار والأمن في ليبيا.
رد فعل طرابلس على موقف دول أوروبا
ما يؤكد فشل جولة السراج في أوروبا ردة فعل حكومته فور عودته من الزيارة، حين أصدر وزير الاقتصاد والصناعة في حكومة الوفاق علي العيساوي، يوم الخميس 9 مايو 2019، قراراً بوقف التعامل مع مجموعة شركات أوروبية، أبرزها شركة “توتال” النفطية الفرنسية. وشمل القرار عدداً من الشركات الأجنبية لمخالفتها قانون النشاط التجاري الليبي، بحجة انتهاء التصاريح الممنوحة لها، على الرغم من أن تاريخ بعضها انتهى منذ سنتين أو أربع سنوات، ولم تعتبره حكومة الوفاق طيلة هذه الفترة مخالفة. كما نص القرار على وقف التعامل مع شركة “ألكاتيل وتاليس وبروجيه” الفرنسية العملاقة، كما أوقف أيضاً التعامل مع شركة “سيمنس” الألمانية الرائدة في قطاع الكهرباء، والمشرفة على غالبية مشاريع الطاقة في ليبيا”. وتضمن القرار أيضاً وقف عمل بعض الشركات العاملة في قطاع النفط بحقول “الزويتينة” وبعض الحقول البحرية وغيرها، وذلك أيضاً بحجة انتهاء الإذن الممنوح لها، على الرغم من الطابع السياسي الواضح عليه، ومن بينها شركة إيطالية واحدة هي شركة “بوتشيلي”، في رسالة واضحة للإيطاليين بأن الأمر مرهون بموقفهم، وقد يشمل شركات أكبر قد تكون “إيني” من بينها، وكأن الأمر إشارة لأيطاليا للعودة لدعم حكومة السراج.
في المقابل، قام خليفة حفتر يوم الثلاثاء 16 مايو 2019 بزيارة إلى روما تلاها بزيارة إلى باريس بعدها بأسبوع بهدف ربما عرض موقفه وتحصيل أكبر دعم أوروبي ممكن له تجاه طرابلس، وبصورة موازية لدعم الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا ومصر والإمارات.
وكانت قد فترت حدة القتال خلال الأسابيع الثلاث الأولى، إلى أن قام الجيش الوطني الليبي بمحاولة هجوم جديدة صباح يوم السبت 25 مايو 2019، حيث قامت قواته بالتقدم على طريق يمتد من المطار طرابلس القديم، الذي يقع بضاحية جنوبية، إلى وسط المدينة، لكنه لم يُرصد شواهد على إحراز تقدم يعتد به. جديرٌ بالذكر أن معركة طرابلس قد أودت بحياة ما لا يقل عن 510 أشخاص ومئات الجرح، وما زالت الأمم المتحدة عاجزة عن التفاوض على وقف لإطلاق النار. ودعت دول أوروبية عدة لوقف إطلاق النار دون نجاح في إيقافها.
سابعاً: تطورات شرق المتوسط والموقف الليبي
أعلنت تركيا وليبيا، في 27 نوفمبر 2019 عن قيام وزيرا خارجية البلدين بتوقيع مذكرتي تفاهم في اسطنبول، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، تهدف إلى حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي، في خطوة اعتُبرت مكسباً لسياسات أنقرة في شرقي البحر المتوسط.
تتضمن الاتفاقية الاقتصادية ترسيم جديد للحدود البحرية التركية حيث تحدد احداثيات المنطقة الاقتصادية الخاصة بتركيا كما تضمن لليبيا مساحة 16700 كم2 في الوقت الذي تزيد من حجم المياه الاقتصادية التركية التي تعتبر نفسها مظلومة في هذا الشأن من قبل دول الجوار. لا شك أن الهدف ارئيسي التركي في ذلك هو إجرار كل من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر على العودة لمناقشة مسألة الحدود البحرية وتقسيم الثروات شرق المتوسط مع إدراج تركيا وعدم تجاهلها من جانب، ومن جانب آخر استمرار تركيا في خلق كروت ضغط على أوروبا ولكن هذه المرة بشكل يهدد حركة الغاز المزمع تصديره لها من دول الجوار شرق المتوسط بعد تسييله بمصر.
أما الاتفاقية التركية/ الليبية الأمنية فتشمل نقل الأسلحة والدعم الني وتبادل المعلومات والتدريب الأمني وتبادل أنظمة الأسلحة فضلاً عن إمكانية نشر قوات تركية بليبيا لمدة ثلاث سنوات مقبلة وتنفيذ تدريبات مشتركة وإنشاء مكتب مشترك للتعاون في مجالي الدفاع والأمن بين البلدين.
الاتفاقيتان تتيحا الفرصة لتركيا لاستكشاف الطاقة بشكل أوسع وعدم حصرها في خليج أنطاليا، من منطلق أن تركيا تمتلك أطول ساحل مطل على البحر المتوسط وأنها جزء من شرق المتوسط ولها أن تتمتع بالحقوق أسوة بجيرانها ومن منطلق اعتراف تركيا بما اسمتها “جمهورية شمال قبرص”، رغم أنها الدولة الوحيدة التي تعترف بها في العالم. لا شك أن هذه الاتفاقية كانت القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة لإيطاليا التي حولت دفت دعمها عن حكومة السراج.
أما ليبيا، فهي أيضاً مستفيدة من تلك الاتفاقيات بالطبع، حيث تمكنها من دعم قوات طرابلس ومصراتة وإمكانية تزويدها بالأسلحة والمعدات والتدريب بل وربما التدخل العسكري التركي إذا لزم الأمر أما هجمات حفتر.
في المقابل وبعد أسبوعين فقط قام حفتر مرة أخرى، مساء الخميس 12 ديسمبر، بإعلان بدء ما أسماها “المعركة الحاسمة” للسيطرة على العاصمة طرابلس. في المقابل، قال المتحدث باسم “بركان الغضب” الليبية مصطفى النجعي “أن ما يفعله حفتر هو عملية انتحار أخيرة”.
في خطوة دبلوماسية أكثر اتساعاً، واستعداداً للقاء بوتين وإردوجان مع مطلع 2020، عُقد اجتماعاً بالأستانة يوم 25 ديسمبر 2019، ترأس الوفد الروسي الحكومي المشترك الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الشؤون الخارجية لروسيا ميخائيل بوجدانوف، وترأس الوفد التركي نائب وزير خارجية تركيا والذي توصلا خلاله في اتفاق يتيح لروسيا لمواصلة الاتصالات بشأن القضية الليبية، بما في ذلك تقديم المساعدة الممكنة في التسوية السريعة للأزمة الليبية.
تلاها قيام إردوجان ومعه قيادات دبلوماسية وعسكرية بزيارة تونس كأول رئيس دولة يزور قيس سعيد الرئيس التونسي الجديد، وتلخصت أسباب الزيارة المُعلنة في بحث سبل وقف إطلاق النار في ليبيا، إلا أنني أرى أنها محاولة تركية لتأكيد عمق استراتيجي غربي لحكومة السراج وميليشياته، واستقطاب الرئيسين الجديدين في تونس والجزائر نحو الصف التركي القطري في الشأن الليبي، وذلك من خلال رغبة إردوجان في حضورهما بجانب أمير في مؤتمر برلين حول النزاع الليبي المزمع عقده مطلع 2020.. وقد أعلن إردوجان أثناء زيارته لتونس أنه قد طلب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعوة الرؤساء الثلاثة لحضور المؤتمر.
يتزامن كل ذلك مع موافقة البرلمان التركي على دفع قوات إلى ليبيا عند طلب حكومتها في طرابلس ذلك.
لا شك أن عدم قيام حفتر في الفترة الاسبقة بحسم الموقف العسكري شمال غرب ليبيا قد ساهم فيما يحدث شرق المتوسط حالياً. فلو كان حفتر قد حسم معاركه واستولى على طرابلس ومصراتة لما استطاع إردوجان إبرام أي من اتفاقياته الحالية، خاصة أن الضوء الأخضر لحفتر كان معلناً وواضحاً من جانب كافة الأطراف المعنية خاصة أوروبا وأمريكا وروسيا مع مطلع هذا العام.
ثامناً: مؤثرات العلاقات الروسية/ التركية ومستقبل شرق المتوسط بين سوريا وليبيا
ترى روسيا الاتحاد الأوروبي أنه يشكل دائرة الاهتمام الأكبر والأكثر أهمية وشمولاً في أوليات إستراتيجية الأمن القومي التركي، أما الأقاليم مسرح التنافس التركي كـ(الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل والصحراء والقرن الأفريقي والبلقان) فتمثل دوائر الاهتمام الأصغر نسبياً ولكنها الأكثر خطورة.
حققت روسيا أكبر استفادة ممكنة من الأخطاء الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية في كافة الأقاليم محل التدخل/ الاهتمام التركي وأهمها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متضمنة شرق المتوسط، حيث استفاد بوتين من الانسحاب الأمريكي من سوريا وما رآه العالم على أنه تخلي عن الأكراد، حيث قام بوتن بالوساطة بين الأكراد وتركيا والذين كادوا أن يكونوا فريسة لتركيا بعد الانسحاب الأمريكي، كما استفاد بوتين قبل ذلك من دعم إسرائيل لإنفصال إقليم “كردستان” وتصاعد مشاكل أوروبا مع تركيا بسبب اللاجئين والموقف التركي في سوريا وفي البلقان، الأمرين الذين ساعدا على تحول تركيا (ثاني أكبر قوة عسكرية مشاركة بالناتو) التدريجي، من قوة تحتل الحد الأمامي لدفاعات الناتو أمام روسيا إلى حليف لروسيا في سوتشي والأستانة. ناهيك عن صبر بوتين على إردوجان أكثر من مرة أهمها قيام مقاتلة اعتراضية تركية باسقاط مقاتلة قاذفة روسية في نوفمبر 2015، وقيام ضابط أمن تركي باغتيال السفير الروسي في أنقرة علناً خلال بث تليفزيوني مباشر لمؤتمر صحفي له عام 2017.. كل ذلك مكن روسيا من تحقيق أهدافها المرحلية كضمان حرية المرور عبر مضيقي البوسفور والدردنيل التركيين إلى المياه الدافئة بالبحر المتوسط، وإنشاء مشروع ترك ستريم لتمرير الغاز التركي لأوروبا وتصدير صواريخ الدفاع الجوي S400 المضادة لطائرات الجيل الخامس الأمريكي بل وتوسيع الفجوة بين تركيا وحلفائها الغربيين بصورة أكبر قد تحرمها العودة لهم.
رغم الخلاف الروسي/ التركي في إدلب بسوريا وفي ليبيا، إلا أن روسيا تبدو قد نجحت في تحقيق وجود أكبر لها أمام أوروبا والناتو شرق المتوسط وشمال أفريقيا والذين يُعدا أهم مصدر لتهديد جنوب أوروبا ومصدر الطاقة البديل عن الغاز الروسي.. فروسيا تهدف لكي تكوناً وسيطاً في الأزمة الليبية في محاولة لجعلها مسرح نفوذ تالي لها عقب سوريا. كما أن أي صراع قد يتسبب فيه إردوجان شرق المتوسط، والذي زج جيشه في بؤرة صراع سابقة بالفعل شمال سوريا، سيشكل فرص أكبر للوساطة الروسية المستهدفة في المنطقة.
تاسعاً: الصين وشرق المتوسط
تمثل نزاعات شرق المتوسط أهمية للصين والتي تتطلع لإنجاح مبادرتها العالمية “الحزام والطريق”، فعلى سبيل المثال، يخص ميناء بيريوس اليوناني حصة مهمة من تجارة الصين مع الاتحاد الأوروبي. وتقوم الصين أيضاً باستثمارات كبيرة في الطرق السريعة والسكك الحديدية التي تربط ميناء بيريوس بأوروبا الوسطى والغربية.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل الصين أيضًا إجراء مفاوضات ثنائية مع تركيا على ميناء إزمير، كما أن لإسطنبول أهمية استراتيجية لمبادرة الحزام والطريق. الأمر الذي يجعل من اتفاقيات الصين ومصر نقطة حرجة للغاية لمصالح الصين مع تركيا وذلك بسبب أهمية قناة السويس للتجارة البحرية العابرة للقارات من آسيا إلى أوروبا. على صعيد آخر، وجب ذك أنه يحق للصين أيضاً إدارة ميناء أشدود في إسرائيل لمدة تسعة وأربعين عاماً.
في المقابل، فإن جميع هذه الموانئ تُعد في موضع تنافس مع بعضها البعض للحصول على حصة أكبر من التجارة المتزايدة في شرق المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الوجود العسكري للولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى في البحر الأبيض المتوسط تهدد أمن الاستثمارات الصينية الحالية والتجارة عبر المتوسط.
ومما سبق يمكننا أن نرى كيف تشكل نزاعات الغاز في البحر المتوسط المرحلة الأولى من الرحلة المعقدة لمبادرة الحزام والطريق العالمية. وكيف أن الصين ستبقى أكثر حيادية في سياسات المنطقة.
من ناحية أخرى، ولكي لا تفقد الصين مجالات نفوذها، فإنها تفضل التحالف وإبرام الاتفاقيات مع الحكومات الحالية وتحسين العلاقات الاقتصادية معها. ورغم أن الصين قد ترى أن الحفاظ على تحالفها مع مصر كاف لمصالح الصين الوطنية بسبب أهمية قناة السويس في مبادرتها العالمية الحزام والطريق، إلا أنها، من منطلق تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، ولإنجاح مبادرة الحزام والطريق شرق المتوسط، ستعمل على تطوير دبلوماسيتها من عدم التدخل في شؤون الدول إلى خطوة أكثر إيجابية وهي نزع فتيل التوتر بين الأطراف بشكل استباقي لمنع أي صراعات محتملة. حيث أتوقع أن تعمل الصين على تقليل التوتر شرق المتوسط بين أهم أطرافه وهي مصر وتركيا وإسرائيل، ولذا أراهن أننا سنشهد قريباً جداً تحركات دبلوماسية صينية تجاه شرق المتوسط مع الولايات المتحدة وأوروبا وأهم الأطراف المعنية.
عاشراً: تطورات الموقف السياسي والأمني والعسكري خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2019
تطورات الموقف السياسي والأمني
في الوقت الذي يستمر الجانب التركي في دعم اتفاقياته بل البدء في دخولها حيز التنفيذ، تقوم الدول المتضررة ضمن “منتدى غاز شرق المتوسط” باتخاذ كافة الإجراءات تجاه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للطعن في صحة الاتفاقية الاقتصادية التركية/ الليبية، والضغط على تركيا وحكومة السراج بكافة الوسائل الممكنة.
الأمر الذي قد يحسمه الموقف الروسي تجاه تركيا من خلال مقايضة بين روسيا وتركيا حول دوري روسيا في سوريا وليبيا ارتباطاً بأحد احتمالين، يتلخص الأول في تنازل تركي صريح في سوريا خاصة إدلب أمام المطالب الروسية، مقابل دور روسي أقل دعماً لحفتر في الأزمة الليبية.. أما الثاني فيتلخص في العكس، أي تنازل روسي أمام التحرك التركي في سوريا، مقابل منح روسيا دور أكبر في ليبيا مع احتواء التحرك التركي المنتظر في الأزمة.
وقد قام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالاتصال بالرئيسين الأمريكي والروسي، والذي يبدو محاولة منه لمواجهة التصعيد التركي المتزايد تجاه الأزمة الليبية.. في الوقت الذي صرح فيه الرئيس التونسي بصراحة حياد موقف بلاده تجاه جميع الأطراف الداخلية في الليبية والإقليمية، وذلك في مواجهة الأحزاب التونسية المنقسمة تجاه الطرفين الإقليمين. وقام الرئيس الجزائري بالاجتماع بقيادات قواته المسلحة لتأمين حدود بلاده الشرقية والجنوبية ضد آثار صراع مسلح جاري في ليبيا ومالي، الأمر الذي يعتبره الداخل الجزائري فرصة لوحدة البلاد ضد تهديدات مباشرة.
تطور الموقف العسكري
ربما لم يضع حفتر في تقديره الحجم الحقيقي لقوات مصراتة والمدربة قتالياً بدرجة عالية، وكذا العناصر الإرهابية في سبها. فاليوم، يبدو أن الأزمة الليبية أصبحت أكثر تعقيداً، رغم أن حفتر حقق مكسب وصوله لأطراف طرابلس وفرض نفسه بقوة في المشهد السياسي والعسكري الليبي. وعلى أي حال أتوقع أحد سيناريوهين:
السيناريوهات العسكرية المحتملة
الأول: استغلال حفتر للقوة الدافعة للهجوم والتقدم بقواته داخل طرابلس ونجاحها في الاستيلاء على كافة مداخلها ومقدراتها الحيوية، الأمر الذي ينذر بتهديد مستقبل فايز السراج السياسي ارتباطاً بأن المجلس الرئاسي على وشك الإنهيار سياسياً خاصة أنه في تحالف مع ميليشيات متطرفة في طرابلس ومصراتة، مع فشل أي محاولات تركية في دعمه. بناءً على هذا السيناريو يمكن إبطال الاتفاقيتان مع تركيا (والتي لا أظنها ستسمح بتحقيق ذلك بسهولة).
الثاني: إمكانية قيام تركيا بتوجيه الدعم اللازم لقوات طرابلس ومصراتة سواء قوات أو أسلحة ومعدات عسكرية، وتوجهها لعملية عسكرية بحرية شرق المتوسط، مع عدم نجاح قوات حفتر في مهمتها وتوقفها عن الهجوم. الأمر الذي قد يؤثر سلباً على موقف الجيش الوطني الليبي، وقد يؤخذ ليبيا إلى حرب أهلية قد يستحيل السيطرة عليها لفترات طويلة. إلا أن هذا السيناريو (ورغم أنه يبدو الأفضل لتركيا محققاً لها دوراً أقليمياً، يبدو مفيداً أيضاً لحكومة الوفاق بطرابلس)، إلا أنه قد يكون أيضاً الأسوأ على المدى البعيد، حيث يورط تركيا في مستنقع مضطرب موازي لسوريا يزيد من مشاكلها السياسية والأمنية والاقتصادية نظراً للتكاليف الباهظة والخسائر الضخمة التي ستتعرض لها.
الثالث: سبق تدخل عسكري مصري لحسم الموقف الأمني الليبي في طرابلس ومصراتة، في إطار ضمان حماية الأمن القومي المصري وتأمين العمق الإستراتيجي الغربي لها، مع تأمين السواحل البحرية الليبية ضد أي تدخل خارجي محتمل.
Sayed Ghoneim
Fellow, Nasser Higher Military Academy
Chairman, IGSDA-Online