ســـيد غنيم يكتب….

 

 

 

قد لا يتصور البعض وجود علاقة بين الشرق الأوسط ومنطقة الإيندو-باسيفيك. قد يستبعد بعض المحللين أن يكون الشرق الأوسط مسرحاً للتنافس بين الجهات الفاعلة في شرق آسيا، لكن الأحداث الحالية تؤكد ذلك.

لا يتخذ الصراع شكلًا عسكرياً طوال الوقت، فقد يأخذ أشكالًا أخرى مختلفة تظهر فيها محاولات توسيع النفوذ والهيمنة ، الأمر الذي سيتضح من ورقتي الإستراتيجية هذه.

أولاً: الإيندو-باسيفيك والشرق الأوسط

سأتناول بإيجاز شديد علاقات الشرق الأوسط بالإندوباسيفيك من خلال أهم دوله وهي (الولايات المتحدة واليابان والصين والهند وأستراليا) كل بصورة منفردة، مع تحديد الإيندو-باسيفيك والشرق الأوسط.

  • الإيندو-باسيفيك:

هي المنطقة الجغرافية البيولوجية التي تغطي المحيطين الهندي والهادي، وتضم المياه الاستوائية للمحيط الهندي، وغرب ووسط المحيط الهادئ، والبحار التي تربط بين الاثنين في المنطقة العامة لإندونيسيا.. وهي لا تشمل المناطق القطبية في المحيطين الهندي والهادي.

  • الشرق الأوسط:

سأتناول “الشرق الأوسط” على أنه يتضمن دول إقليمي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بصفته إقليم أكبر يمتد عبر قارتين من موريتانيا في شمال أفريقيا غرباً إلى إيران في غرب آسيا شرقاً، بإجمالي 21 دولة منها تركيا والسودان.. كما أن إقليم الشرق الأوسط يتواصل أمنياً وإقتصادياً مع دول القرن الإفريقي جنوباً والتي لا يجب إغفالها في كافة علاقات الشرق الأوسط.

استراتيجية إندو-باسيفيك منطقة حرة مفتوحة Free & Open Indo-Pacific (FOIP)

أُعلن عنها لأول مرة خلال مؤتمر “تيكاد” المنعقد عام 2016 في نيروبي بواسطة السيد شينزوآبي رئيس وزراء اليابان، وطبقاً لما أعلنته وزارة الخارجية اليابانية بموقعها الإليكترونية،

يمكننا تلخيص إستراتجية FOIP في الآتي:

أ – المجال الرئيسي الأول: تطوير بيئة للسلم والاستقرار والازدهار العالميين وتقاسم القيم العالمية

◎ في إطار “الاستراتيجية الحرة والمفتوحة للهند المحيط الهادئ” ، ستعزز اليابان “الربط” بين آسيا وأفريقيا لتعزيز الاستقرار والازدهار عبر المناطق. ستقوم اليابان بتأمين سلامة المواطنين اليابانيين الذين يقومون بأدوار نشطة في الخارج ، من خلال التعاون مع الدول النامية في تحسين إجراءات مكافحة الإرهاب والوضع الأمني ​​، الخ. واستناداً إلى مفهوم “الحفاظ على السلام”، ستساهم اليابان بشكل استباقي في تحقيق السلام والاستقرار. في المجتمع الدولي من خلال التعاون في مجالات مثل بناء السلام ، ومساعدة اللاجئين ، والتدابير المضادة ضد التطرف العنيف، مع تعزيز العلاقة بين المساعدات الإنسانية والتعاون الإنمائي. إضافة إلى ذلك ، ستدعم اليابان الجهود التي تبذلها البلدان التي تشترك فيها اليابان في القيم العالمية، بما في ذلك سيادة القانون، وتتعاون في مجالات تعزيز قدرة إنفاذ القانون البحري، وإنشاء النظم القانونية، وما إلى ذلك.

ب- المجال الرئيسي الثاني: معالجة القضايا العالمية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الأمن البشري

ﺳﺗﻧﻔذ اﻟﯾﺎﺑﺎن ﺗﻌﺎوﻧﺎً اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎً ﻣن أﺟل ﺗﺣﻘﯾق “أھداف التنمية المستدامة”، وھو ھدف ﯾﺳﻌﯽ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟدوﻟﻲ ﺑﺎﻟﮐﺎﻣل ﻟﻟﻌﻣل ﻋﻟﯾﮫ. وستساعد اليابان، لا سيما في صياغة الاستراتيجيات والخطط الوطنية فحسب، بل أيضا في تنمية الموارد البشرية التي ستشارك في صياغة وتنفيذ سياسات التنمية. ستقوم اليابان بتعزيز التعاون في مجالات مثل الصحة ، والمرأة، والتعليم، والحد من مخاطر الكوارث والتسونامي، وتغير المناخ، وقضايا البيئة العالمية.

جـ- المجال الرئيسي الثالث: الدبلوماسية الاقتصادية التي تهدف إلى “نمو الجودة” جنبا إلى جنب مع البلدان النامية، والمساهمة في التنشيط الإقليمي

سوف تتعاون اليابان نحو تحقيق “نمو جيد” في البلدان النامية، ومن خلال هذا التعاون، ستنمو جنباً إلى جنب مع البلدان النامية، مما سيسهم في تنشيط اليابان الإقليمي في نفس الوقت. ستقوم اليابان على وجه الخصوص بمساعدة الحكومات المحلية والشركات الصغيرة والمتوسطة في التوسع الخارجي، وتحسين بيئة الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز “البنية التحتية ذات الجودة” ، بما في ذلك تعزيز التقنيات والأنظمة اليابانية في الأسواق الخارجية. وبالإضافة إلى ذلك، ستساعد اليابان البلدان النامية في رعاية الموارد البشرية الصناعية، كما ستعمل على دفع الابتكار في الصناعة المحلية اليابانية من خلال اتخاذ تدابير جديدة.

علاقات بعض أهم دول الإندو-باسيفيك بالشرق الأوسط

  • الولايات المتحدة:

علاقاتها بالشرق الاوسط تراكمية معقدة، حيث تدير الولايات المتحدة هذه العلاقة بجوار القوى الدولية الأخرى في تعاون مفتوح مع بريطانيا وآخر حذر مع فرنسا وألمانيا، وتنسيق شديد الحذر ما بين الشد والجذب مع كلِ من الصين وروسيا، وتبقى اليابان (الحليف الأسيوي الأقرب للولايات المتحدة) والتي لها دوراً ثقافياً معرفياً في المنطقة، فضلاً عن دوراً أمنياً يتزايد أمنياً ببطء.

وتستند العلاقة بين الدول العظمى وأقليم الشرق الأوسط على تنافسية شديدة بين أطراف هامة تمثلها أربع قوى إقليمية وهي (إيران) من جانب، و(تركيا) من جانب، وإسرائيل والمملكة العربية السعودية من جانب آخر، وجميعها تركز في منطقة الشام والجزيرة العربية والقرن الإفريقي.

ومن ناحية أخرى ليست منفصلة، تستند على قوة إقليمية صاعدة وهي (مصر)، والتي من وجهة نظري جاري توجيه نفوذها لأجزاء من شمال أفريقيا والقرن الإفريقي ومنطقة الساحل والصحراء، فضلاً عن دورها الرئيسي في القضية الفلسطينية وفي القرن الإفريقي.. مع مراعاة العداء الشديد بين أيران والسعودية، وبين تركيا والبلقان، ومعاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، وتبقى القضية الفلسطينية أهم معضلات المعادلة السياسية والأمنية بالمنطقة.

تتحكم عدة معايير في العلاقة بين القوى العظمى الفاعلة بالشرق الأوسط أهمها:

أ – العلاقات الأمريكية ذات المصالح خاصة مع دول الخليج ومصر والتي ذادت مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منصبه ثم المقاطعة الخليجية المصرية الرباعية ضد قطر.

ب- الأزمة الإيرانية بشأن الإنفاقية النووية، وتصاعد التوتر بين إيران ودول جوارها بالخليج العربي، عدا قطر خاصة بعد أزمتها الأخيرة مع دول المقاطعة.

جـ- العلاقات التاريخية (الوطيدة) الأمريكية / الإسرائيلية والتي تزايدت في الفترة الأخيرة، والتي أثرت سلبياً بشدة على مسير القضية الفلسطينية.

د – تداعيات الربيع العربي والموقف الأمني المتردي بالمنطقة متمثلاً في الأنشطة الإرهابية المتزايدة والعمليات العسكرية والحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا.

من جانب دول الخليج، أرى أن علاقتها بالولايات المتحدة أصبحت أكثر برجماتية خاصة بعد تولي ترمب الحكم (المال مقابل حماية المصالح والأهداف)، إسرائيل طرف حليف تتشارك الأهداف والمصالح.

تعمل الولايات المتحدة حالياً على تقليص دورها نسبياً في الشرق الأوسط بما قد يعطي مساحة أكبر لنفوذ قوى أخرى.

  • الصين:

أرى أن الرؤية الإستراتيجية للصين تتلخص في الحفاظ على سياسة (صين واحدة)، آمنة قوية مزدهرة كقوة إقتصادية عالمية تمهد لنفوذ سياسي يحميهما القوة العسكريةِ.. وأن هدفها الإستراتيجي قد يتلخص في تعظيم القوة الإقتصادية كداعم رئيسي لتحقيق النفوذ الجغرافي السياسي، والسيطرة على الحدود البحرية ودرء الأخطار التي تهدد الدولة ومؤسساتها، والحفاظ على النظام الداخلي ومقدراته في مواجهة كافة التحديات.

وذلك من خلال أربع محاور رئيسية:

أ – سياسات تجاه المجتمع الدولي سعياً لتأييد دولي لتعاظم قوة ودور الصين وبما يحقق إستقرار آسيا.

ب- سياسات تجاه قواتها المسلحة، تضمن قوة عسكرية حديثة لتأمين مقدراتها الإقتصادية والدبلوماسية والسياسية، وتطوير أسلحتها النووية والتقليدية ببطء وثبات، لضمان الإستمرار في التركيز على التنمية الاقتصادية المدنية.

جـ- سياسات تجاه تسوية النزاعات الإقليمية وتوحيد الصف الصيني، بتجنب استخدام القوة لتسوية النزاعات، وإنتهاج سياسة حسن الجوار، على الأقل، لحين تحقيق التوازن الإقليمي والعالمي وتحول القوة لصالح الصين.

د – أخيراً.. سياسات تجاه الأنظمة الدولية، لتأمين المزايا دون تكبد خسائر. ولذلك، مستوى الصين من المشاركة في الجهود العالمية (في مجالات مثل التنمية الاقتصادية والتجارة ونقل التكنولوجيا، والحد من التسلح، والبيئة) يتحدد على أساس كل حالة على حدة.

وتعمل الصين حالياً على خلق أسواق كبيرة خارج آسيا عبر الشرق الأوسط وإفريقيا بأسرع وقت ممكن.. ولذا تحضر بكل قدراتها لمبادرة “حزام واحد طريق واحد” والتي تعتمد بشكل كبير على الشرق الأوسط والقرن الإفريقي.

تعمق الصين علاقاتها مع دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية والكويت وكذا مع مصر كدول (مفتاح) رئيسية للخليج العربي والبحرين الأحمر والمتوسط، حيث تتنوع علاقاتها في المجالات الإقتصادية والتجارية والثقافية.

  • اليابان:

إقتصادياً، تُعد دول الخليج العربي المصدر الرئيسي لما يقرب من 80% من احتياجات اليابان من الغاز والنفط كما تعد دول الخليج وجهة أساسية للصادرات والإستثمارات الخارجية اليابانية، فضلاً عن أهميتها في حركة الملاحة البحرية، لذلك سيظل أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط من أولويات السياسة الخارجية اليابانية، وربما يؤكد ذلك أعلان السيد/ شينزو آبي رئيس وزراء اليابان خلال مؤتمر “تيكاد – TIKAD” في نيروبي عام 2016 عن إستراتيجية تجارة ضخمة والتي أطلق عليها:

“إندو-باسيفيك منطقة حرة ومفتوحة – Free & Open Indo-Pacific (FOIB) “.

تواصل دعم التعاون العلمي والثقافي والتبادل الطلابي من خلال توفير المنح الدراسية للطلاب العرب في الجامعات اليابانية، وتوفير برامج تدريبية لحوالي 20 ألف شخص من دول الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس القادمة .

سياسياً، عُقد الحوار السياسي العربي الياباني في سبتمبر 2017 بجامعة الدول العربية بالقاهرة، بمشاركة “تارو كونو” ليكون أول وزير خارجية ياباني يشارك في حوار سياسي مع وزراء الخارجية العرب، ويعتبر توقيت الحوار – الذي حرص ” كونو ” شخصياً على المشاركة فيه عقب توليه منصبه، ليعكس وجود تغيير في سياسة اليابان تجاه منطقة الشرق الأوسط.

تدعم فكرة التوصل لتسوية شاملة للقضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين ومن خلال المفاوضات، والحرص على المشاركة في الإجتماعات ذات الصلة، مع ترقب ومتابعة دقيقة لمواقف إدارة ترمب تجاه القضية الفلسطينية وخاصة فيما يتعلق بمسألة نقل السفارة إلى القدس، ويتركز دعمها على الجانب التنموي بتقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية للفلسطينيين والتي بلغ إجماليها حوالي 1.7 مليار دولار منذ عام 1992 ، ومواصلة دعم المجمع الزراعي الصناعي بأريحا ضمن مبادرة “ممر السلام والإزدهار” التي أطلقتها اليابان في عام 2006 في إطار جهود بناء السلام .

مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين ودعم خطط التنمية طويلة الأجل سواء للمهاجرين أو الدول المستقبلة وتنفيذ التعهدات اليابانية بتقديم مساعدات إضافية من خلال الهيئات التابعة للأمم المتحدة.

أمنياً، فضلاً عن توقيع إتفاقيات عسكرية مع بعض دول الخليج وتبادل التمثيل العسكري، تعددت مجالات التعاون الأمني بين الجانبين الياباني والإسرائيلي، فمن ناحية ترغب اليابان في إحكام احتياطاتها الأمنية استعداداً لتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية عام 2020 والاستفادة من خبرات إسرائيل وإمكاناتها التكنولوجية في مجال مكافحة الإرهاب، كما تتطلع اليابان للاستفادة من الخبرات والإمكانات التكنولوجية الإسرائيلية في مجال التصدي للهجمات الإلكترونية أو “حروب الانترنت” تحسباً لتعرضها لهجمات من أحد دول الجوار الأسيوي التي أظنها قد طورت من قدراتها في هذا الشأن.

  • الهند:

تكنولوجياً، الهند لها اتفاقيات تقنية مع إسرائيل، ستعمل علي حماية استثمارتها في دول إفريقيا والشرق الأوسط في بعض الصناعات وكذلك الحفاظ علي تواجد عمالتها في دول الخليج التي تمثل تدفقات مالية كل عام وهو ما يضعها في مواجهة الصين منافسها التاريخي.. ولذلك أري انها ستعمل علي زيادة قدراتها العسكرية البحرية، كما ستعمل على منافسة الصين في أسواق شرق افريقيا والشرق الاوسط معاً.

سياسياً وأمنياً، اكتسبت العلاقات الهندية مع بعض دول الخليج أبعاداً دفاعية وأمنية وإزدهار علاقات الطاقة والتجارة، ويبدو أن روابط الهند مع دول الخليج ستنمو أكثر في السنوات المقبلة خاصة في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا والصناعة، مع العلم أن الهند تُعد من أكبر مستوردي النفط في العالم..

تعمل الهند على تفادي قيام الصين بتطويقها في الشرق الأوسط، فتعظم علاقاتها مع دول الإندو-باسيفيك وتشاركها في إستراتيجية منطقة التجارة الحرة، كما تعمل الهند حالياً على تعظيم قوتها العسكرية من جانب وقوتها الإقتصادية والتكنولوجية من جانب آخر.

  • أستراليا:

شريك دائم للغرب وإسرائيل في كافة الحروب العربية الإسرائيلية، وقد أسهمت بجهودها الدبلوماسية في إنشاء والإعتراف بدولة إسرائيل.. وقد تعددت أشكال الدعم الدبلوماسي الأسترالي لإسرائيل في الأمم المتحدة وخارجها، بمنع أي قرار يدين جرائم الاحتلال الإسرائيلي، والضغط على الدول الآسيوية للاعتراف بإسرائيل والتصويت لصالحها، والضغط على السفراء العرب لديها للتطبيع مع إسرائيل.

وتنوعت علاقات أستراليا بإسرائيل في المجالات الاستخبارية والأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، وشجعت أستراليا إعادة تصدير المنتجات الإسرائيلية إلى الدول العربية والآسيوية.

إلا أن العلاقات الأسترالية قد تنامت بدرجة كبيرة مع العديد من الدول العربية، مع الفصل بين المصالح التجارية والعلاقات السياسية، إلا أن وجب أن نضع في الإعتبار عدم وجود لوبي عربي فعال في أستراليا.

كيف ترى دول الشرق الأوسط دول الإندو باسيفيك؟

تتقبل شعوب دول الشرق الأوسط التحرك الأسيوي (خاصة الصيني والياباني) في المنطقة بصورة أفضل نظيره الغربي خاصة الهيمنة الأمريكية والنفوذ الأوروبي، حيث ترى أن الولايات المتحدة ودول أوروبا العظمى تقدم قدراتها السياسية والعسكرية، وتمارس الضغوط والعقوبات الاقتصادية لتحقيق أهدافها ومكاسبها الإقتصادية.. أما الصين واليابان فتقدم قدراتها الإقتصادية لتنمية العلاقات السياسية مع الدول الصديقة، دون التلويح باستخدام القوة العسكرية أو الضغوط السياسية والإقتصادية والعسكرية بكافة أشكالها.. فالعملاقان الأسيويان يتمتعا بقبول إقتصادي وتكنولوجي وعلمي وسياسي كبير بين دول المنطقة.. كما أنهما يصنفا ضمن الدول جاذبة للشراكات والتحالفات، خاصة مع إصرارهما على تنمية مجتمعات الدول الشريكة دون أدنى تدخل في شؤونها، دول تحترم حدود الدول الأخرى وخصوصياتها.

ثانياً: الدور المتوقع أن تلعبه اليابان في الشرق الأوسط:

  • في المجال الإقتصادي والتنموي:

المشاركة في إعادة إعمار وبناء وتنمية الدول التي عانت من الحروب الأهلية.

زياده استثماراتها في السعودية والإمارات ومصر وبعض دول إفريقيا خاصة الدول الساحلية.

المساعدات في مجال التعليم والبحث العلمي.

المساعده في مجالات الطاقة والمواضلات والبنية الأساسية.

سعياً للتوازن التكنولوجي بالمنطقة، قد تسعى اليابان إلى دعم الشرق الأوسط لتقليص الفجوة التكنولوجية بين دول المنطقة وإسرائيل، وذلك من خلال نقل التكنولوجيا اليابانية المتطورة لبعض الدول العربية خاصة في مجالات الطاقة والتنقيب عن المعادن وغيرها.

دعم مشروعات الطاقة الشمسية خاصة في دول شمال أفريقيا نتيجة للتغيرات المناخية واحتمالات التصحر.

  • في المجال الأمني / العسكري:

في ظل امتلاك اليابان لأكبر أسطول بحري تجاري في العالم قد تزيد تواجدها في منطقة القرن الافريقي بجانب القيادة المركزية الأمريكية والناتو لإحداث توازن يكافئ التواجد الصيني القوي في المنطقة.

لعقود ظلت اليابان أكبر المانحين لميزانيات دول الشرق الأوسط، وبالتأكيد تحتاج اليابان إلى تأمين مسارتها الملاحية في البحر الأحمر وعبر قناة السويس والبحر المتوسط، ذلك الأخير الذي يتواجد به دولة اليونان شرق المتوسط، والتي تمتلك ثاني أكبر أسطول عسكري بحري.

أتوقع أن تشهد القدرات العسكرية اليابانية تطوير كبير يستوعب العمل الإستراتيجي في مسارح العمليات المفتوحة بما يمكنها من لعب دور أكبر خارج حدودها في مجالات مثل (حفظ ودعم السلام التي ترسخ التواجد الياباني وحماية مصالحها في مناطق الاهتمام – التدريبات العسكرية المشتركة مع دول الخليج ومصر في المسارح البحرية بالشرق الأوسط.

السعي لإجراء تدريبات عسكرية مع بعض دول المنطقة بجانب تدريباتها مع عاصر الناتو في البحر الأحمر (تمارين المرور البحرية – تدريبات عسكرية مشتركة متعددة الجنسيات الأراضي وتمارين قوة العمليات الخاصة) في المسارح البحرية في الشرق الأوسط – تبادل الزيارات العسكرية.

توقعات للدور الذي قد تلعبه اليابان بالتعاون مع مصر:

بدأت اليابان تقديم مساعداتها الرسمية لمصر منذ عام 1974 عبر الوكالة اليابانية للتعاون الدولي “جايكا”. ونجحت مصر خلال العقود الماضية في الاستفادة من العلاقات مع الوكالة اليابانية لتنفيذ العديد من المشروعات القومية الهامة وأبرزها مشروع كوبرى السلام على قناة السويس، وتوسيع وتعميق قناة السويس في السبعينيات، وانشاء دار الأوبرا المصرية، ومستشفى الأطفال الجامعي “أبو الريش”، واعادة تأهيل نفق الشهيد أحمد حمدي، وانشاء الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، والعديد من المشروعات الحيوية الاخرى في قطاعات الكهرباء والزراعة والري والصرف الصحي وغيرها.

وحديثاً، يوجه إهتماماً كبيراً لالاستفادة من النموذج الياباني التعليمي والتربوي، وتعبير سيادته عن هذه الرغبة في لقاءاته مع رئيس الوزراء الياباني وكبار المسئولين اليابانيين، فقد تم إطلاق مبادرة الشراكة المصرية اليابانية في مجال التعليم خلال الزيارة الرئاسية لليابان في مارس 2016، حيث تغطي المبادرة خمس سنوات اعتباراً من العام الدراسي 2016/2017، خاصة في تطبيق نظام التعليم الأساسي الياباني المعروف بالـ “Tokkatsu” في عدد من المدارس المصرية، حيث يركز هذا الشق على الشق التربوي والأنشطة الطلابية وأسلوب التعليم وإدارة العملية التعليمية، دون تغيير في المناهج التي ستبقى كما هي.

كما جاري أيضاً الإستفادة من القرض الياباني لإنشاء للمتحف المصري الكبير كأكبر صرح ثقافي تحت الانشاء حول العالم، وساهمت “جايكا” في تمويل المتحف، وكذا دعم الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا Egypt-Japan University for Science and Technology (E-JUST).

وعلى أي حال أتوقع دور مستقبلي أكبر لليابان مع مصرقد يتلخص في الآتي:

تتميز مصر بالعمالة الرخيصة وإنخفاض سعر العملة والمساحة الأرضية والبحرية الكبيرة ومن ثم تتوقع مصر إستثمارات ومشروعات يابانية ضخمة على أراضيها في مجالات الطاقة.

تعتبر مصر “الدولة المفتاح” الواصلة بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبعض دول القرن الإفريقي، مما قد يجعل منها مسرحاً مناسباً بجانب السعودية والإمارات لمشروع منطقة التجارة الحرة الواصلة بين الإيندو-باسيفيك والشرق الأوسط وإفريقيا.

تعظيم المشاركه في التنميه الاقتصاديه حول قناه السويس وبما يمهد لدخول الأسواق الأفريقية والأوروبية.

تعظيم الشراكة التعليمية بنظام الـ”توكاتسو” للمرحلة الأساسية، وترويج الثقافة اليابانية في مصر على المدى الطويل.

المشاركه مع مصر في إستخراج خام “الكوتان” المستخدم في صناعه الإلكترونيات، بجانب توسيع مساهمتها لمصر في الصناعات الإلكترونية.

على المستوى الطبي، أتوقع قيام اليابان بإنشاء أكبر قاعدة طبية في العالم لزراعة الكبد في الشرق الأوسط ويكون مركزه مصر، حيث لدى اليابان أفضل جراحين الكبد وأفضل أساليب علاجه، والذي من خلاله يمكن تطوير السياحه العلاجيه خاصة مع تزايد مرضى الكبد في المنطقة.

على المستوى الأمني والعسكري، أتوقع تزايد محدود نسبياً في العلاقات العسكرية والأمنية بين اليابان ومصر من خلال تبادل المتدربين، إلا أن اليابان قد تسعي لللمشاركة في المناورات البحرية الثنائية و / أو متعددة الأطراف، وتمارين المرور البحري الثنائية ، والتدريبات المشتركة متعددة الجنسيات مثل “تمارين النجم الساطع” ، والتنسيق الأمني حول أمن باب- منداب والبحر الأحمر، فضلاً عن احتمال سعي اليابان لإجراء مناورات بحرية مع مصر وحلفائها في البحر الأحمر.

ســــــيد غـنــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا

شارك