كثيراً ما نسمع جُمَل مثل (أمريكا تنسحب من الشرق الأوسط.. والقوة الأمريكية تتراجع.. وإن الهيمنة الأمريكية العالمية تتقلص.. وإن أمريكا لا تحتاج بترول الخليج ثاني)، ولكننا لم نحاول أن نستوضح أكثر من هذا.
من الضرورى أن نتفهم فى البداية بعض الاختلافات مثل: الفرق بين (التواجد العسكري الدائم والتواجد العسكري المؤقت) وهذا يُبني على أهداف مختلفة طبقاً للمدى والظروف، فنشر قوات أمريكية سواء في سوريا أو أفغانستان أو العراق يكون ارتباطاً بتحقيق أهداف مؤقتة لصالح استراتيجية الأمن القومي الأمريكي وطبعاً بما لا يتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية الكبرى، وبمجرد نجاح تلك القوات المؤقتة في تحقيق مهامها أو تأكد عدم جدوها أو مع انتهاء فترة نشرها طبقاً لتصديق الكونجرس الأمريكي يتم سحبها، وهو ما لا يعني انسحاب حقيقي للقوة العسكرية الأمريكية من أي إقليم، فهذا ما تم في البلقان والقرن الأفريقي من قبل بعد انتهاء مهام القوات الأمريكية في البوسنة والصومال على سبيل المثال تحت مظلة الأمم المتحدة.
أما ما يحقق بشكل مباشر الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة (عسكرياً) والموضوعة باسم “الهيمنة الليبرالية – Liberal Hegemony
” فهناك ستة أساطيل بحرية منتشرة عبر المحيطات وست قيادات عسكرية (فضلاً عن أربع قيادات في اتجاهات موازية) جميعها تقود تحركاتها وعملياتها وحسب صحيفتي USO و USNI News
الأمريكيتين نجد الأسطولين الثاني والثالث منتشرين لتأمين شرق الولايات المتحدة وأوروبا في المحيط الأطلنطي وايضاً لتأمين غرب الولايات المتحدة وأستراليا في المحيط الهادي.. ونجد الأسطول الرابع مسؤولاً عن تأمين جنوب الولايات المتحدة ودول الكاريبي وأمريكا اللاتينية.. أما الأسطول الخامس فمركز قيادته في الخليج العربي بالبحرين ومسؤول عن تأمين الخليج والمحيط الهندي والبحار المحيطة جنوب الشرق الأوسط.. ويجاوره الأسطول السادس، ومركز قيادته في البحر المتوسط بنابولي (إيطاليا) ويعمل لتأمين البحر المتوسط والبحار المحيطة متضمناً جنوب أوروبا وشمال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأخيراً الأسطول السابع والذى يعد أكبر الأساطيل الأمريكية، ويقع مركز قيادته في يوكوسوكا باليابان وهو مسؤول عن تأمين الباسيفيك وبحر الصين الجنوبي وبحر اليابان ومضيق تايوان وكافة البحار المحيطة، وتبحر حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الهجومية وسفن الحماية التابعة لها للمناورة بين المحيطات والبحار حسب خطة موضوعة بالتوقيت والمكان بهدف إحكام السيطرة البحرية وتوفير الحماية للحلفاء في مثلث زاويتي قاعدته في أوروبا وشرق آسيا (الدول الصناعية صاحبة التكنولوجيا المتطورة) وزاوية رأسه في الخليج العربي (مصدر الطاقة اللازم لهم).
ومن ثم فالانسحاب العسكري الحقيقي للولايات المتحدة من أي منطقة لا يكون إلا بانسحاب أي من هذه الأساطيل وتفريغ المنطقة منها عسكرياً بشكل نهائي وتام، وليس بانسحاب قوات عسكرية مؤقتة من دولة أو منطقة معينة كانت مكلفة بتحقيق هدف مؤقت فيها.
من جانب آخر هناك فرق كبير أيضاً بين أن قوة أمريكا تتراجع وبين أن قوة دولة أخرى مناظرة أو منافسة تتقدم كالصين، فتقدم وتراجع قوة أي دولة لا يعرف إلا بالأرقام والإحصاءات والمتابعة الدقيقة للمصادر الموثوقة لعناصر محددة لتلك القوة، وكذلك هناك فرق بين (الهيمنة العالمية) وبين الانفراد بـ(القرارات الدولية)، فأمريكا لا تنفرد حالياً بالقرارات الدولية رغم أنها صاحبة التمويل الأكبر للأمم المتحدة سواء البعثات الثابتة بها أو مهام حفظ السلام المؤقتة وهو ما أظنه تصرف مقصود بهدف تخفيف المسؤولية الدولية الواقعة على عاتقها خاصة مع المشاكل الداخلية التي تواجهها وهو ما تتجنبه دول زي الصين وروسيا بشكل كبير ومتباين.
أما الهيمنة العالمية، ففي رأيي يحتاج من يسعى لتحقيقها أن يمتلك ست قدرات رئيسية وهي:
السيادة البحرية العسكرية عبر المحيطات.
السيادة الفضائية والسيبرانية.
السيادة التكنولوجية عالية التطور Know How Technology.
القدرة على المناورات الدبلوماسية والأمنية وتوقيع العقوبات.
القدرات الاقتصادية المستدامة ومنح المساعدات.
– وسائل الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية الإليكترونية (شبكة الانترنت العالمية – جوجل ويوتيوب والتواصل الاجتماعي – كروت الشراء “االفيزا” – …).
وجميعها تسعى الولايات المتحدة لامتلاكها بشكل دائم،أما نفط الخليج فيعد تأمينه حيوياً من قبل الولايات المتحدة، كونه أحد أهم دعائم قوة الدولار الأمريكي المربوط بتسعيره كعملة وحيدة لبيعه، غير أن نفط الخليج يسيطر على العديد من الدول الصناعية في العالم، فأهمية نفط الخليج للولايات المتحدة ترتبط باهتمام أمريكا بالسيطرة على الصناعة في الدولة المتقدمة حتى ولو كانت حليفة لها، ولربما يتطلب الحكم على المواقف الدولية الراهنة فهم أوضح وأكثر عمقاً بعيداً عن السطحية والهوى.
د. سيد غنيم
دكتوراه في العلوم السياسية
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا – مصر
IGSDAرئيس معهد الأمن العالمي وشؤون الدفاع ، الإمارات العربية المتحدة