دكتور سَــــيْد غُنــــيْم دكتوراه العلوم السياسية زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
كنت أعمل اليوم على تجهيز توضيح مطلوب مني باكر الأربعاء 22 فبراير 2023 الساعة 8:30 صباحاً بتوقيت القاهرة أمام قناة الشرق للأخبار حول موضوع تقرير في بلومبرج في رأيي أراه شديد الخطورة، حيث إن حرب أوكرانيا فرضت على العديد من دول العالم إعادة تقييم عقائدها العسكرية، وزيادة ميزانيتها العسكرية، بعد “الصدمة” التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا.. ومن ثم، هل لدى دول أوروبا والولايات المتحدة المخزونات اللازمة للتعامل مع حرب أكثر اتساعاً؟ ويأتي هذا السؤال من منطلق أن الحرب الحالية أوصلت دول أوروبا لنقطة تحول من حقبة “ما بعد الحرب الباردة” بين روسيا والولايات المتحدة ومعها وأوروبا (الغرب)، إلى “حقبة الحرب الساخنة” بين روسيا وأوكرانيا، وأيضاً “حقبة الحرب الدافئة” بين روسيا الغرب، والتي تعتبر مرحلة انتقالية يمكن أن توصل إلى حالة الحرب الساخنة أو الحرب بمعناها التقليدي بينهما، وإن كان احتمالاً صعباً للغاية.
ورغم إن المسميات تبدو غريبة وصعبة، علما بأنها مصطلحات عسكرية ترتبط بواقع على الأرض، إلا أن هناك ما هو أشد صعوبة، وهو إعادة هيكلة القوات بالجيوش الأوروبية، والبحث عن ذخائر كافية للقتال إذا ما تصعد الموقف للحرب الساخنة أمام روسيا، فالاستراتيچية اللازمة للتعامل مع حالة حرب ساخنة كبرى غير كافية.. والسبب في رأيي ببساطة يكمن في أمرين:
الأول: أن الإتحاد الأوروبي كان يهدف لتحقيق أمنه الجماعي من خلال السلام والإزدهار وليس الأمن والإزدهار، حيث بانهيار الإتحاد السوڤياتي، تصورت أوروبا أن عدوها الرئيسي قد انتهى، فقامت دول أوروبا بخفض ميزانيات الدفاع، وإنهاء التجنيد الإجباري، مستبعدة وقوع حرب كبرى تشارك فيها الأسلحة المشتركة الحديثة. واليوم تتغير العقيدة السياسية متجهة بشكل حاد نحو الأمن أكثر من السلم، وهو ما يتطلب تطور في تنظيم وتسليح ومهام الجيوش ويحتاج الكثير من الأسلحة والذخائر اللازمة لهذا التحول.
الثاني: أن حرب أوكرانيا استهلكت حجماً ضخماً للغاية من الأسلحة والمعدات والذخائر لدول أوروبا.
وحسب فرانسوا هايسبورغ، المحلل الدفاعي والمستشار الحكومي الفرنسي السابق، فإن ألمانيا، التي كان نصفها الغربي وحده يمتلك آلاف الدبابات في الثمانينيات، تمتلك الآن 321 دبابة فقط، تخيل؟ وبريطانيا التي خصصت 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي لقوة مسلحة قوامها 325 ألف مقاتل في منتصف الثمانينيات، تنفق الآن حوالي 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي أي نصف ذلك على قوة مشتركة قوامها 150 ألف مقاتل.
في المقابل، وحسب تقرير لصحيفة بلومبرج، نجد اليوم بلدان أوروبا الشرقية، خاصةً تلك الأقرب لأوكرانيا، زادت من الإنفاق الدفاعي بشكل هائل، كذلك قدرات الإنتاج المحلي لديها، وتوسعت في أساطيلها من الدبابات وأنظمة الدفاع الجوي.. وفي نفس السياق، زادت بولندا مخصصات الدفاع لعام 2023 بأكثر من الضعف عن العام الماضي، ووقعت قانوناً يزيد حجم جيشها بأكثر من الضعف، وتوسعت في عمليات شراء الأسلحة، حيث تخطط لشراء أكثر من 700 قطعة مدفعية ثقيلة جديدة ذاتي الحركة.. وبدأت المجر في زيادة عمليات شراء الذخائر.. وتخلت فنلندا والسويد عن الحذر الدبلوماسي الذي استمر لعقود وتقدمت بطلب الحصول على عضوية الناتو.. وأنشأت ألمانيا صندوقا قيمته 100 مليار يورو لمساعدة ميزانيتها على تلبية هدف الناتو المتمثل في أن تبلغ ميزانيات الدفاع في الدول الأعضاء 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتجهز ألمانيا لزيادة ميزانيتها الدفاعية إلى 10 مليارات يورو العام المقبل، في إطار نفس الهدف. وتعمل بريطانيا على إجراء مراجعة متكاملة لاستراتيچيتها الدفاعية وبما يشمل زيادة الإنفاق على إعادة تشكيل الجيش مخصصة بشكل مبدئي مبلغ قيمته 10 مليار جنيه إسترليني.
وعلى الناحية الأخرى من الكوكب، نجد الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند، بل وتايوان وكوريا الشمالية، يعيدوا جميعاً حساباتاهم العسكرية بين الرصد، والتعلم من الأخطاء، وإعداد العدة. ومن هنا، لا شك أن الولايات المتحدة ودول أوروبا الداعمين لأوكرانيا والذين فقدت مخزوناتهم الاستراتيچية حجماً كبيراً من الأسلحة والمعدات والذخائر ارتباطاً بالتزامهم بدعم اوكرانيا بشكل مستمر، لا شك أنهم يفكرون في كيفية توفير الأسلحة والذخائر اللازمة لاستعواض هذا الفقد في المخزونات الاستراتيچية، بل وأيضاً في كيفية الإستمرار في دعم أوكرانيا ومنحها كافة متطلباتها في توقيتات مناسبة.. ومن ثم، على الولايات المتحدة وأوروبا أحد أمرين:
إما الصبر الاستراتيچي في محاولة لخلق توازن بين استمرار صمود أوكرانيا بتوفير الحد الممكن من الأسلحة والذخائر واستعواض الفقد في المخزون الاستراتيچي لدولهم، وإما العمل بأي شكل على حسم الحرب لصالح أوكرانيا، وتحمل نتائج غير محسوبة جيداً.
وما سبق لا يجعلني أغفل العجز الشديد الذي تعانيه روسيا في الذخائر.. فلك أن تتخيل أن روسيا تتحصل على ذخائر مدفعية من كوريا الشمالية، ودرونز من إيران، وتنتظر صواريخ باليستية من كلاهما، ومن الصين إن قررت دعم روسيا بالسلاح والذخائر. والمصيبة الأكبر أن جماعة ڤاجنر تعاني من نقص شديد في الذخيرة، وقائدهم يڤجيني بريجوچين يتهم روسيا علناً بتعمد القيادة العامة الروسية تفضيل القوات الروسية النظامية عن جماعة ڤاجنر في الإمداد بالذخيرة.