أولاً: هل يشعر المصريون اليوم بخطورة ما فعلته إسرائيل بإلغاء اتفاقية فك الارتباط السورية الإسرائيلية لعام 1974 من جانب واحد دون أي عمل عدائي من الجانب السوري وتوسعها الجغرافي لتصل إلى محافظة ريف دمشق وضرب كل القدرات النوعية للجيش السوري؟
أطرح هذا السؤال لأن ما حدث هو سابقة يمكن أن تكررها إسرائيل مع كل من الأردن ومصر من حيث إمكانية إلغاء اتفاقية السلام من جانب واحد إذا سمحت الظروف بذلك مثلاً.
الجواب: إن إجراءات إسرائيل تجاه سوريا وقائية تحسباً لأسوأ عواقب تطورات الموقف، وإسرائيل والولايات المتحدة هما اللذان يخشيان دائماً من تهور مصر في إلغاء اتفاقية كامب ديفيد للسلام؛ ليس لأن مصر أقوى من إسرائيل أو لأن إسرائيل أو أميركا تخشى القوة العسكرية لمصر، بالتأكيد، بل إلغاء اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، لأن هذا الإجراء الخطير يشكل تهديداً لمصالح وإستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى في المنطقة، وتهديداً لمصالح ومكانة إسرائيل أيضاً.
وهذا يعني أن مصر ستكون على ما يرام مع إسرائيل طالما أن هناك لاعباً في مصر يمكن التنبؤ بقوته. ومن ناحية أخرى، تحتاج إسرائيل إلى “العمق الإستراتيجي” الذي تمتلكه إسرائيل بقدر ما هو منزوع السلاح في سيناء ولا تستطيع مصر أن تفاجئ إسرائيل بهجوم مفاجئ كبير/واسع النطاق.
ثانياً: ما هي الظروف/الدوافع التي استندت إليها إسرائيل في قرارها إلغاء اتفاقية فك الإشتباك السورية الإسرائيلية لعام 1974، وهل يمكنها أن تفعل الشيء نفسه مع أي دولة أخرى على حدودها؟
الجواب: في إطار ما ذكرته في جوابي على السؤال الأول، انتهكت إسرائيل بشكل عدواني اتفاقية فك الاشتباك السورية الإسرائيلية لعام 1974 بشكل واضح، ودخلت بقواتها شمال شرقي الخط المتفق عليه داخل الأراضي السورية كإجراء احترازي، بعد أن تأكدت من حدوث ثلاثة ركائز أساسية:
– سقوط الجيش النظامي الذي كان ينفذ الاتفاقية، حيث انسحب بشكل كامل من مواقعه.
– سقوط النظام السوري الحاكم الذي ضمن استمرار الاتفاقية.
– الصعود التدريجي لمنظمة مسلحة معادية لإسرائيل للسيطرة على الحكم في سوريا.
لو حدث نفس السيناريو بالضبط بأبعاده الثلاثة (انهيار الجيش الوطني – سقوط النظام الحاكم – قدرة منظمة معادية لإسرائيل على السيطرة على الحكم) في أي دولة مجاورة لإسرائيل، سواء مصر أو الأردن أو أي دولة أخرى، لوجدت إسرائيل تلغي أي اتفاقيات سلام معها وتحتل أجزاء من أراضيها وتفرض منطقة عازلة داخل حدودها.
ولتوضيح الأمر بشكل أكثر تحديدًا، فإن إسرائيل قامت بهذه التحركات كفعل ضرورة وكفعل فرصة مجتمعين. ويعني فعل الضرورة الوضع الحالي ومنظورًا زمنيًا قريبًا ومتوسط المدى لمنع سيناريوهات عبور الحدود مثل حماس، ويعني فعل الفرصة منظورًا زمنيًا طويل المدى من حيث الأمل الإسرائيلي في الاحتفاظ بالمواقع التي تم الاستيلاء عليها في سوريا لأطول فترة ممكنة بأي وضع (بعد أن يعتاد الجميع على الوضع الطبيعي الجديد)
المخاوف بشأن مصر: في حالة تولي بعض الجماعات غير الحكومية السلطة في مصر مرة أخرى، كما حدث في فترة الإخوان المسلمين في عام 2012، فإن قلق إسرائيل سيكون بشأن تطور الوضع في سيناء من حيث انتهاكات الاتفاقيات بشأن المنطقة منزوعة السلاح. وكلما زاد انتهاك الفاعل غير الحكومي أو التمثيل السياسي الجديد لمصر للاتفاق بشأن “المنطقة العازلة”، زاد احتمال دفع إسرائيل إلى شن تحرك وقائي إلى سيناء من أجل استعادة المنطقة العازلة (نظرًا لأن التحرك الوقائي يمثل تكلفة أقل للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع مقارنة بالوقت الذي قد يكون متأخرًا فيه وستكون التكاليف/السعر العسكري أعلى، …).
ثالثاً: ماذا يستطيع السوريون أن يفعلوا اليوم في مواجهة العدوان الإسرائيلي في ظل الظروف الانتقالية الاستثنائية الراهنة؟
الجواب: سأجيب على هذا السؤال بشكل محدد أولاً:
– اليوم – ليس كثيراً أو لا شيء تقريباً (من هي سوريا اليوم؟ ما هو الجيش السوري؟ ما هي الدبلوماسية السورية؟)
– في المستقبل، هل سيكون على سوريا أن تقدم لإسرائيل الكثير من الضمانات بعدم وجود أي تهديد لإسرائيل بعد الآن، وهو ما سيكون من الصعب جداً تحقيقه.
ويمكنني الإجابة على نفس السؤال بشكل أكثر شمولاً واتساعاً في قلب المشكلة الحقيقية من وجهة نظري. حيث يجب على كافة فئات الشعب السوري أن تعبر من مستنقع الطائفية إلى رحابة العيش كدولة واحدة بعيداً عن الانقسامات والتمييز الطائفي والعرقي بالتدريج وبكل هدوء، مع رفض تام لتدخل أية قوى إقليمية سواء عربية أو غير عربية، وأيضاً بالتدريج وبكل دقة وصبر. فبدون أن يندمج الشعب السوري طوعاً برغبة وإرادة خالصة من جانبه، وينصهر في سبيكة ذهبية واحدة، فإنه سيبقى في شتات مقسم إلى أجزاء إلى الأبد، وعليه أن ينسى إلى الأبد بلداً اسمه