مقدمة
في 5 يونيو 2017 أعلنت السعودية والبحرين والإمارات ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، متهمين إياها بإقامة علاقات مع إيران ودعم جماعات إرهابية، وفي المقابل نفت قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط وأخرى تركية، هذه الاتهامات.
وخلال تسعة أشهر من لعبة عضّْ الأصبع حاول فيها رباعي المقاطعة إجبار قطر على قبول شروطهم، كانت السياسة الخارجية القطرية وإعلامها يبذلان الجهد سعياً للدعم الدولي لتقويض جهود رباعي المقاطعة وحصرهم في زاوية رد الفعل.
مواقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الأزمة الخليجية
مع بدء الأزمة أبدى الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” تأييده لموقف رباعي المقاطعة ضد الموقف القطري، بل واتهم قطر بأنها “تاريخيا تمول الإرهاب”.. وبعد شهر واحد فقط قام وزير الخارجية “ريكس تيلرسون” بجولة مكوكية في منطقة الخليج والتي استمرت أربعة أيام خلال الأسبوع الثاني من شهر يوليو 2017 زار خلالها السعودية والكويت وقطر، عاد بعدها لواشنطن ومعه (مذكرة تفاهم موقعة مع قطر للتعاون في مجال مكافحة تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه).. وصرح “تيلرسون”: تُعتبر مذكر التفاهم ثمرة أسابيع من المباحثات المكثفة بين خبراء البلدين وتنص على إجراءات جدية لتعزيز التعاون بين البلدين وتبادل المعلومات حفاظاً على أمن دول المنطقة وأمريكا”.. وحيا تيلرسون قيادة قطر لكونها أول من استجاب لدعوة وقف تمويل الإرهاب.
وكان رأي دول المقاطعة أنه بدل من أن تشكل جولة “تيلرسون” خطوة على طريق حل الأزمة، بدا الأمر وكأنه عائقاً لحلها، وأصدرت بياناً مشتركاً واصفة فيه الإتفاق الأمريكي القطري بأنه “خطوة غير كافية”، إلا أن بعض دول أوروبا رأت موقف “تيلرسون” أكثر عقلانية مقارنة بموقف “ترمب” تجاه الأزمة.
والتباين في الموقف الرسمي الأمريكي يعطي أحد احتمالين، الأول: أنه تبايناً قد يكون طبيعياً غير مقصوداً في المواقف بين أقطاب الإدارة الأمريكية.. الثاني: أن المصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة تملي على صناع القرار الأمريكي تبادل أدوار معينة بين من يدعم طرف ومن يؤيد آخر.
لا شك أن الخلاف الشديد بين ترمب وتيلرسون في العديد من القضايا ومنها أزمة الخليج أمراً يصعب الأمور على ترمب في الوقت الحالي وعلى الإدارة الأمريكية بشكل عام.
شروط السعودية
في يونيو 2017 أعلنت السعودية أنها تتمسك بعدد من الشروط من أجل الموافقة على الصلح مع قطر ، وأن المملكة أبلغت الكويت خلال الاجتماع الذى جمع بين الملك سلمان بن عبد العزيز، والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، بـ 10 شروط لعوده العلاقات مع دولة قطر وهي:
قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران فوراً.
وقف بث قناة الجزيرة فوراً.
وقف التدخل فى الشئون المصرية والخليجية الداخلية.
الاعتذار الرسمى لدول الخليج عن إساءات “الجزيرة”.
طرد جميع أعضاء حركة حماس.
تجميد الحسابات البنكية لقيادات حماس.
تعهد الدوحة بعدم ممارسه أى دور سياسى يتنافى مع سياسات دول الخليج المتوحدة.
تلتزم الدوحة بميثاق العهد الذى تم توقيعه عام 2014.
طرد العناصر الإخوانية والعناصر المناوئة لدول الخليج.
- وقف دعم التنظيمات الإرهابية.
“ترمب” يعرض الوساطة لحل الأزمة الخليجية
خلال مؤتمر صحفي مشترك مع أمير الكويت – عُقد في سبتمبر 2017 بواشنطن – عبر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن استعداده للوساطة من أجل حل الأزمة بين قطر وجيرانها في الخليج، وأكد إنه يعتقد بإمكانية حصول اتفاق سريعاً.. حيث صرح ترامب: “لو أنني أستطيع الوساطة بين قطر والسعودية والإمارات تحديدا، فإنني سأفعل ذلك، وأعتقد أنه يمكن التوصل إلى إتفاق سريعاً”.. يأتي هذا في الوقت الذي سعت دولة الكويت للتوسط في الأزمة، لكنها (من وجهة النظر الأمريكية والأوروبية) لم تتمكن من إحراز تقدم يُذكر.
واستكمالاً لدعوة “الوساطة في الأزمة الخليجية يستعد الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” لعقد سلسلة من اللقاءات المنفصلة مع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وتميم آل ثان خلال شهر مارس/ أبريل 2018.
تصوري لأهداف الإدارة الأمريكية الحقيقية من تلك الوساطة
يتلخص الهدف المُعلن في: التوصل إلى اتفاق سلام.
أما الهدف غير المُعلن: فمن وجهة نظري قد يتلخص في محاولة السبق بدور أمريكي حاسم في الأزمة الخليجية يحقق المصالح الأمريكية مع كافة أطراف الأزمة، وأيضاً يستعيد النفوذ والهيبة الأمريكية في المنطقة.. يأتي ذلك في الوقت الذي تمكنت فيه روسيا من التدخل بقوة وبما يحقق مصالحها في الأزمة السورية، مع إستعداد محتمل من جانب روسيا للتدخل في أزمة الخليج تجاه قطر، وفي عدة أزمات أخرى حالية مثل أزمة اليمن والأزمة الليبية، وأيضاً ربما تجاه أزمة متوقع إشعالها بواسطة تركيا على الغاز شرق المتوسط.. كل ذلك إرتباطاً بإمتداد وتوسع النفوذ الروسي في المنطقة والذي يتواءم مع مصالح الموقفين الإيراني والتركي، والمُحتمل أن يأتي بدوره داعماً للموقف القطري في أزمة الخليج.
عناصر الوساطة الأمريكية المُحتملة في الأزمة
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية سواء الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” كشخص أو اللإدارة الأمريكية كمؤسسة يسعيان لتهدئة الموقف الخليجي على حساب النفوذين الإيراني والروسي، فأزمة قطر تتعلق بشكل مباشر مع إيران، وسترتبط مستقبلاً بتوسع النفوذ الروسي المتمكن في الأزمة السورية والمحتمل إمتداده للعراق واليمن (باقي الهلال الشيعي الإيراني)، ومن ثم ستضع الوساطة الأمريكية في حساباتها أهمية حسم أزمة اليمن وإيجاد حلول جذرية لها ترضي السعودية والإمارات على حساب إيران.. وفي نفس الوقت قد تتحرك الوساطة الأمريكية نحو إيجاد البراهين اللازمة لضمان أمن وإستقرار قطر مع حفظ كرامتها أمام دول الخليج.. وسوف أتعرض لذلك والعناصر الأخرى المحتملة للوساطة تفصيلياً خلال المحاضرة.
مستقبل جهود الوساطة الأمريكية المُرتقبة في الأزمة
وإن كنت لا أرى احتمالات حقيقية لنجاح الجهود الأمريكية للوساطة في الأزمة رغم دعم دول أوروبية لأي خطوة حل ممكنة.. وهناك عدة أسباب لذلك من وجهة نظري أهمها:
الأول: أن كل من طرفي الأزمة (رباعي المقاطعة وقطر) متمسك بموقفه.
الثاني: أن الشقاق الحالي قد يأتي في مصلحة أهداف رباعي المقاطعة المرحلية في الأزمات الحالية في أنحاء المنطقة كل حدى، خاصة ضد كل من إيران (العدو الأول المشترك لدول المقاطعة الخليجية) والذي تتزايد توجهات قطر نحو إتخاذها داعماً إستراتيجياً على الصعيدين السياسي والأمني، وتنظيم الإخوان المسلمين (العدو الرئيسي لمصر في الوقت الحالي) والذي تعتبره قطر الأداة السياسية الأكثر موائمة، والتي تضمن لها تحقيق إستراتيجيتها في المنطقة.
الثالث: لا شك أيضاً أن أي احتمالات نجاح أي وساطة لحل الأزمة الخليجية لن تأتي في صالح إستراتيجية إسرائيل في المنطقة، والتي أراها تستغل تداعيات الأزمة الخليجية بدقة وحرفية في مخططاتها المبنية على تقسيم وإضعاف أهم دول المنطقة.