الأهمية الاستراتيجية لقاعدة الوطية الجوية الليبية لتركيا:
تقع قاعدة الوطية الجوية -المعروفة سابقا بقاعدة “عقبة بن نافع”- على بعد 27 كيلومتر من الحدود الليبية التونسية.
وتعد القاعدة من أكبر القواعد الجوية وأهم قاعدة إستراتيجية في غرب ليبيا. وتُعد القاعدة العسكرية الوحيدة في ليبيا التي لا علاقة للطيران المدني بها، بخلاف أغلب المطارات الأخرى في البلاد ذات التأسيس العسكري.
وقد أنشئت القاعدة عام 1942 عقب الوصاية الدولية الثلاثية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة على ليبيا إبان الاستعمار الإيطالي. وتعتبر ذات بنية عسكرية كبيرة تسمح لاستيعاب وإيواء حوالي 7 آلاف عسكري. وقد تم بناء القاعدة على أساس تحصينات التضاريس الجغرافية بالإضافة إلى إنشاء تحصينات خارجية.
وتعتبر قاعدة الوطية الليبية واحدة من أكبر القواعد العسكرية في شمال إفريقيا، وحديثاً، وطبقاً للاتفاق المبرم بين حكومة الوفاق وتركيا، قد تم تحويل القاعدة إلى منشأة عسكرية تركية بالكامل يديرها طاقم من الجيش التركي دون أي وجود ليبي فيها. ومن خلالها يمكن لتركيا تحقيق عدة أهداف استراتيجية أهمها: أولاً: أنها تمكن تركيا من إطلاق طائرات بدون طيار منها تجاه جنوب ليبيا استعداداً للسيطرة على منطقة “فزان”، التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي، والتي تمتلك أكبر حقول النفط والغاز في ليبيا، وجزء منها به مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا وشركة “إيني” الإيطالية. ثانياً: السيطرة على المجال الجوي لشمال أفريقيا جنوب أوروبا، الأمر الذي يجعل من تركيا محل استقطاب دائم من قبل كل من الناتو (وهي أحد أعضائه) من جانب، وروسيا من جانب آخر. ثالثاً: توفر القاعدة الغطاء الجوي اللازم لأي عمليات عسكرية تجاه طرابلس – سرت – الجفرة شرقاً، وكذا تجاه تونس وشرق الجزائر غرباً، حالة توفر لها الحماية الجوية والدفاع الجوية والحماية الإلكترونية اللازمة وغيرها من وسائل.
وقد أفادت وكالات الأنباء العالمية أن طائرات حربية مجهولة قد قصفت ليلة السبت 4 يوليو 2020 قاعدة الوطية الليبية، وبمكن تلخيص الرأي المبدئي في الآتي:
أولاً: هوية الطائرات المرجحة:
إما من ضمن الطائرات الروسية طرازات ميج وسوخوي المتمركزة بقاعدة الجفرة الجوية والتي أعلنت عنها مسبقاً القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”، حيث قد تكون الطائرات الروسية قد نفذت الهجمة الجوية ضد بطاريات صواريخ هوك الأمريكية، التي نشرتها تركيا بالقاعدة، وذلك رداَ على استهداف صواريخ “بانتسير الروسية” في نفس القاعدة بواسطة تركيا من قبل.
وإما طائرات مصرية – إماراتية متمركز شرق الحدود الدولية المصرية مع ليبيا، والتي تردد أنها قد سبق لها تنفيذ هجمات جوية في الداخل الليبي، والتي حالة تنفيذها ستكون بدعم فني روسي لأغراض الإعاقة والشوشرة لوسائل الدفاع الجوي بالقاعدة.
كما قد تكون طائرات ليبية مدعومة جوياً أو إلكترونياً أو كلاهما معاً من روسيا، وفي هذه الحالة ستصر ليبيا على إعلان هوية الطائرات كونها ليبيا وأنها ليست مجهولة، وذلك لتفويت الفرصة على حكومة الوفاق إدعاء تدخل أجنبي لدعم قوات حفتر، وبما يبرر إصرارها على التواجد التركي لحماية حكومة الوفاق في المقابل.
أما عن سبب ضعف احتمال قيام مقاتلات فرنسية متمركزة في مالي بتنفيذ هجمة جوية ضد قاعدة الوطية بمحيط طرابلس، فهو أن فرنسا ليس لها مبرر قوي لتنفيذ هجمة جوية تستهدف قاعدة الوطية الليبية سوى الصدامات الفرنسية التركية غير المكتملة شرق المتوسط، وهو استناد ضعيف نسبياً، نظراً لعدة اعتبارات، أهمها يتلخص في أن الخلافات الفرنسية/ التركية ليست أمراً مستجداَ ولكنه متكرر على فترات بعيداً عن الأزمة الليبية. وأن هناك فرق بين صدام فرنسي/ تركي شرق المتوسط تم إحالته بشكوى فرنسية لقيادة الناتو (بعيداً عن روسيا)، وبين أن تتورط فرنسا في فخ تدخل عسكري في ليبيا يبدو في صف روسيا ضد دولة ناتو أخرى، أو على الأقل يحقق أهداف روسيا وإن تم سيكون بتنسيق فرنسي/ روسي، مع الوضع في الاعتبار أن فرنسا دولة كبرى عضو بالناتو (عدو روسيا). وأخيراً أنه ليس لفرنسا سابقة تدخل عسكري جوي في ليبيا خلال الأزمة الليبية الحالية، فضلاً عن أن فرنسا ليست من الدول التي تخفي ضرباتها حديثاً وليس هناك ما يبرر شنها هذه الهجمة الجوية.
ثانياً: الهدف من الهجمة الجوية ضد قاعدة الوطية:
مما سبق أرى أن أهم الأهداف من تدمير قاعدة الوطية والتي يمكن اعتبارها، يمكن تلخيصها في خمس أهداف رئيسية:
– تدمير كافة وسائل الدفاع الجوي والتجهيزات الدفاعية والإلكترونية بقاعدة الوطية وحرمان القوات التركية من استخدامها في الوقت الحالي، والتي قد تحد من التفوق الجوي للطائرات الروسية في قاعدة الجفرة.
– إظهار القدرات العسكرية الداعمة للجانب الشرقي الليبي آنها بإمكانها استهداف تلك القاعدة الجوية التي انتزعتها قوات حكومة الوفاق مؤخراً.
– حرمان تركيا من استخدام قاعدة الوطية لإطلاق طائرات بدون طيار باتجاه جنوب ليبيا استعداداً للسيطرة على منطقة “فزان” الغنية بالنفط والغاز، بهدف انتزاع السيطرة على مصادر الثروات بالإلقيم من الجيش الوطني الليبي، وإجبار إيطاليا المالكة لشركة “إيني” للتنقيب عن النفط للدعم الدائم لحكومة الوفاق والأهداف التركية في ليبيا.
– حرمان تركيا من استخدام قاعدة الوطية الجوية للسيطرة على المجال الجوي لشمال إفريقيا جنوب المتوسط، الأمر الذي حالة نجاح تركيا في تحقيقه يجعلها محل استقطاب بشكل متزايد من قبل الناتو (وهي دولة عضو به) من جانب، ومن قبل روسيا من جانب آخر.
– التمهيد للتصدي وإفشال أي محاولات تركية للتوسع العسكري تجاه خط سرت – الجفرة شرقاً، وتجاه الفزان جنوباً والمسيطر عليها بواسطة الجيش الوطني الليبي.
 
شارك

administrator