فاصل بين تشكيلات أحد الجبهات لم يتم تأمينه بالقوات ولا بالنيران مما يمكن العدو من إستغلالها لتسريب قوات ذات قدرة عالية على المناورة بمهمة توسيع هذا الفاصل للإلتفاف على أجناب ومؤخرة قوات الثغرة وتطويقها وحصارها بهدف تدميرها للوصول للعمق والاستيلاء على أكبر جزء من الأرض.
طبيعة العلاقات بين القادة الإسرائيليين أبان الحرب:
خلال فترة حرب الاستنزاف كان الجنرال «حاييم بارليف»، والذى أُطلق اسمه على المانع “خط بارليف” الحصين، رئيساً لأركان جيش الدفاع الإسرائيلى.. وكان اللواء «إيريل شارون» وقتها قائداً للمنطقة الجنوبية المواجهة للجبهة المصرية التى تضمنت سيناء المحتلة ضمن نطاق مسئؤليتها فى ذلك الوقت، وكان الجنرال «شمويل جونين» يعمل تحت قيادة شارون كرئيساً لعمليات المنطقة الجنوبية ونائباً له.
وكان لنشأة وتربية شارون ذو الأصول الروسية، والذى هاجرت عائلته إلى «بنى ملال»، الأثر الكبير فى تشكيل شخصيته وطباعه وسلوكه الشرس الجرئ غير المتوقع.. فمقتل أبنه طفلاً ببندقيته الشخصية على يد أحد أبناء جيرانه اليهود، وموت زوجته من الحسرة، وذلك بعد إكتشافها حبه الشديد لأختها «لِيلِي» والتى تزوجها بعد ذلك، وغير ذلك الكثير جعل شخصيته تبدو هادئة ولكنها قابعة على بركان، فأطلقوا عليه «الدب الصغير» أثناء طفولته، ثم أطلقوا عليه لقب «البلدوزر» أثناء عمله ضابطاً بجيش الدفاع الإسرائيلى، لأنه لم يكن يتردد فى (فرم) من أمامه إذا أضطر لذلك.
أما «حاييم بارليف» فكان منتمياً للـ«البلماخ»، وجديراً بالذكر أن معظم المنتمين للبلماخ، وهي (سرايا الصاعقة الإسرائيلية) منذ قبل الأربعينيات، قد أنضموا لحزب «العمل» على يد «إسحق رابين» ورغم ذلك أستقرت عليهم صفة «البلماخ».. حيث كان بارليف ذو طابع كيس ناعم فى تعاملاته مع الآخرين، ويعد الشخص الوحيد الذى حاز على ثقة «شارون» فى الوقت الذى لم يثق فيه «شارون» فى أحد أبداً، خاصة هؤلاء الذين لا ينتمون لحزبه «الليكود»، ولكن من مذكرات وتصرفات «بارليف» لا يبدوا أنه كان جديراً لهذه الدرجة بثقة «شارون» فيه، وقد وضح ذلك خلال مسير القتال.
ونعود مرة أخرى للجنرال « شمويل جونين» المنتمى للـ«البلماخ» أيضاً، والذى لم يحوز مطلقاً على ثقة أو احترام قائده قبل حرب 73 «شارون»، فكان الأخير يتهمه بالغباء وضعف الشخصية وعدم قدرته على قيادة العمليات الحربية.. ورغم ذلك لم يتمكن «شارون» من خلعه من منصبه، بل بقى “جونين” ليتسلم قيادة المنطقة الجنوبية منه عند إحالته للتقاعد، ليقود “شارون” عند استدعائه لحرب 73 كقائد فرقة مدرعة إحتياطي تعمل تحت قيادة «جونين».. مما أدى لتداعيات سلبية كثيرة.
وننتقل للجنرال «إبراهام آدان» ضابط المدرعات المراوغ اللماح الذى لا يواجه أحد أبداً، فهو بارع فى فن الالتفاف والتطويق والضرب على الأجناب والخلف، وينتمى «آدان» أيضاً للـ«البلماخ» وكان نداً لدوداً لـ”شارون” على المسرحين العسكرى والسياسى طمعاً فى المناصب السياسية، وبرغم كونه أكثر ذكاءاً وقدرة على استخدام القوات تكتيكياً مقارنة بشارون، حيث أن “آدان” إستطاع أن يقتنص شرف تنفيذ عملية الثغرة «القلب القوى» من «شارون»، والذى كان مخطط له أن ينفذها كاملة.. إلا ان «آدان» لم ينل نفس حظ «شارون» من الشهرة والمناصب. أما الجنرال «ألبرت مندلر» قائد الفرقة 252 مدرع التى كانت تدافع عن خط بارليف، فقد عانى كثيراً أثناء حرب الاستنزاف. وورد بمذكرات شارون أنه قتل جراء وابل نيران المدفعية المصرية خلال المراحل الأولى لحرب أكتوبر 73، ليقود الفرقة من بعده نائبه الجنرال “ماجن” والذى ينتمى أيضاً للـ«البلماخ» والذى كان له العامل الأكبر فى تأمين دفع مقدمات فرقة «آدان» لتوسيع الثغرة.
كان «شارون» يشعر دائماً بكراهية الجنرالات الإسرائيليين الذى يضطر للقتال بجانبهم كمجرد قائد فرقة وليس قائداً عليهم كما إعتاد أن يكون.. فكان عينه على المنصب الحزبى والسياسى بعد الحرب، ويريد أن يدير الحرب فى سيناء بأسلوبه وليس مُنقاداً بينهم.. وبذلك كان التنافس شرساً على تنفيذ معركة الثغرة لتحقيق مكاسب سياسية بعدها.
الجزء الثانى (التمهيد لمعركة الثغرة كما رواها القادة الإسرائيليون والغرب):
تقول مذكراتهم، أنه أمام نجاح القوات المسلحة المصرية يوم 6 أكتوبر 73 فى عبور قناة السويس والاستيلاء على أهم الهيئات الحاكمة شرق القناة، ثم فشل التشكيلات المدرعة الاحتياطية الإسرائيلية فى شن الضربات المضادة على المحاور المختلفة يوم 8 أكتوبر، والذى اطلق عليه الإسرائيليون «يوم الإثنين الحزين»، لم يكن أمام «جونين» قائد المنطقة الجنوبية إلا خيار التمهل وإعادة تجميع تشكيلاته وإيقاف القوات المصرية عند الخطوط المستولى عليها حتى وصول الجسر الجوى الأمريكي، واستعواض الخسائر تمهيدات لتنفيذ ضربات مضادة أكثر عنفاً وتركيزاً فى الفواصل وعلى أجناب القوات المصرية القائمة باختراق دفاعاته.
خلال يوم الثلاثاء 9 أكتوبر قامت عناصر من كتيبة استطلاع فرقة 143 مدرع / إحتياطى تعبوى (فرقة شارون)، فى محاولات فاشلة أخرى، بمهاجمة بعض القوات المصرية المخترقة على محور شعير، إلا أن تلك العناصر وصلت إلى مشارف قناة السويس حيث اكتشفت وجود فاصل خالى من القوات المصرية بين الجيشين الثانى والثالث الميدانى، الأمر الذى جعله يفكر فى استغلال الموقف طبقاً للمخطط لفرقته واستكمال مراحل العملية وتسريب أكبر قدر من القوات للعمق وعبورها غرباً .
وأقر “شارون” فى مذكراته بصيحاته فى سماعات أجهزة اللاسلكى مطالبة بتصديق «جونين» له بإستغلال الثغرة وقيامه بدفع قواته من خلالها تنفيذاً للعملية المخططة ولكن «جونين» لم يوافق، وأمام إصرار «شارون» كان رد عاملين اللاسلكى بقيادة الجبهة “أن الجنرال «جونين» لا يستطيع سماعه جيداً وعليه أن يهدأ وينتظر”.
وفى صباح يوم 10 اكتوبر تلقى «شارون» رسالة لاسلكية تحمل أوامر من «جونين» بعدم موافقته على مطالبه، بل أمره بالقيام فوراً بسحب عناصر الاستطلاع المقاتلة التابعة له من منطقة الثغرة، وذلك لعدم استقرار الموقف بعد.. وكان رد شارون المفاجأة أن “دبابات تلك العناصر ليس لديها وقود كافى للعودة”، وكأنه يرد اللطمة لجونين.
كان «جونين» يأمل فى قيام القوات المصرية باستخدام الأنساق التالية والاحتياطيات مبكراً، فى محاولة لتطوير الهجوم شرقاً وإخلاء العمق التعبوى، مما يهيئ الظروف له لاستغلال الموقف والوصول للعمق التعبوى غرباً، والسيطرة على مشارف القناة وتأمينها لإنشاء رأس كوبرى لتدفق القوات غرب القناة، والذى يعتبره الغربيون فى عقيدتهم العسكري، تنفيذ المرحلة الثالثة من الأعمال الإيجابية المضادة فى الدفاع ويطلق عليها مناورة – RIPOSTE ، ويمكن ترجمتها مجازاً بـ (الهجوم المعاكس)، وهو مختلف بالطبع عن (الهجوم المضاد).
وإعتباراً من يوم 10 أكتوبر رصدت قوات جيش الدفاع الإسرائيلى هدوءاً
نسبياً على المحاور المختلفة، والذى ترجمته تحليلات غرف الاستخبارات والعمليات على
أنه (وقفة تعبوية)، تستعيد خلالها القوات المصرية كفاءتها وتعيد تجميعها،
إستعداداً لقيام الاحتياطيات التعبوية بتطوير الهجوم شرقاً. ثم قامت القوات
المواجهة للجيش الأول السورى بزيادة الضغط على الجبهة السورية، لإجبار القيادة
المصرية على الاستجابة لإلحاح القيادة السورية بدفع الاحتياطيات التعبوية المصرية
لجذب وإرباك الاحتياطيات الاستراتيجية الإسرائيلية إليها، مما يخفف الضغط على
الجبهة السورية.
موقف القوات الإسرائيلية تجاه التوقف المرحلى للقوات المصرية على
محاور الجبهة:
تم دفع الفرقة 146 مدرع بقيادة “ساسون” على المحور الساحلى لدعم الجبهة وحفظ الاتزان التعبوى.. وفى صباح يوم 15 أكتوبر وباستغلال أعمال قتال (فرقة ماجن) 252 مدرع أمام الجيش الثالث الميدانى كاتجاه هجوم تثبيتى، قام “شارون” وبدون أوامر بدفع كتيبة دبابات/ اللواء 217 مدرع لمهاجمة الجانب الأيمن للفرقة 16 مشاة من اتجاه الشرق، بمهمة فتح ممرات على الطرق الواصلة من منطقة (الطاسة على الطريق العرضى رقم 3)، ومن وصلة عرضى رقم 2 إلى منطقة “الدفرزوار” وتأمين وصول الكبارى إلى القناة.. كما قامت كتيبة دبابات/ اللواء 14مدرع التابع لفرقة «شارون» بمفاجئة الكتيبة 16 مشاة/ اللواء 16 مشاة من إتجاه الجنوب، والذى كان حد يمين الفرقة 16 مشاة ميكانيكى، لتضليل الفرقة عن العناصر القائمة بالتسرب فى اتجاه “الدفرزوار”، فى حين يتقدم باقى اللواء فى اتجاه المزرعة الصينية لضمان تطهير الممرات وتأمين دفع اللواء 243 مظلى (المخصص لدعم الفرقة 143 مدرع)، لإنشاء رأس كوبرى على ضفتى القناة دون التقيد بالخطة الموضوعة والأوامر المتكررة من جونين بعدم تسريب قوات.
إلا أن قوات الكتيبة 16 مشاة المصرية فاجائت وحدات اللواء 14 مدرع الإسرائيلي بشجاعة شهد بها «شارون» نفسه فى مذكراته، حيث كبدت قواته خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات، خاصة فى منطقة المزرعة الصينية والتي يتردد أن “شارون” قد أُصيب فيها فى رأسه.. ونتيجة للخسائر التى تكبدتها فرقة شارون أمام الفرقة 16 مشاة، وهي تحديداً (70 دبابة و300 ضابط وجندى)، وبدءاً من صباح يوم الثلاثاء 16 أكتوبر قام «آدان» قائد الفرقة 162مدرع بدفع اللواء 600 مدرع لمعاونة فرقة شارون فى تطهير الممرات.
نتيجة لتردى أوضاع القوات الإسرائيلية وعدم قدرة «جونين» على السيطرة على «شارون»، أضطر «موشى دايان» لتكليف الجنرال «حاييم بارليف»، مساعد رئيس هيئة أركان جيش الدفاع، لترك مركز القيادة الرئيسى بـ”تل أبيب” لينتقل إلى مركز القيادة الأمامى للمنطقة الجنوبية، ليدير العملية بنفسه مع استمرار تواجد «جونين».
أمام ما حدث رصد جيش الدفاع الإسرائيلي قيام القوات المصرية بقوة وحدات مدرعة مستقلة بشن ضربات مضادة منفصلة خلال يومى 16، 17 أكتوبر، وذلك بقوة اللواء 24 مدرع ثم اللواء الثالث مدرع من الشمال، تلاهما اللواء 14 مدرع، وفشلت جميع الألوية المدرعة المستقلة المصرية في تنفيذ ضرباتها أمام القوات الإسرائيلية المخترقة، وتكبدت خسائر فادحة، حيث أستغل الإسرائيليون تفتيت قوتها وعدم تركيزها مجمعة في إتجاه واحد مؤثر.
الجزء الثالث (بدء معركة الثغرة):
موقف القوات الإسرائيلية لمواجهة تحركات وضربات الجيش المصرى:
خلال يوم 17 أكتوبر أمر «بارليف» بعقد مؤتمر عاجل فى مركز القيادة الأمامى للمنطقة الجنوبية بمنطقة «الطاسة» بقيادته ومعه «جونين»، وحضور قادة التشكيلات «شارون» و «آدان» و«ماجن» و«ساسون» لدراسة تطورات الموقف وورد أن «موشي ديان» نفسه قد حضر للجبهة فى نفس التوقيت الحرج، وكان قد أتفق مع «جونين» بتمهيد معنوياتهم لعرض الموقف النهائى على «موشى ديان» و «جولدا مائير» بشأن إنسحاب قوات المنطقة الجنوبية شرق المضايق، وبالفعل كادوا أن يصلوا لهذا الحل عدا «شارون» الذى كان يستميت على تحقيق إنجاز عسكرى يحفظ به ماء وجه تعويضاً لخسائره الفادحة وتمهيداً لتحقيق النصر السياسى بعد الحرب.
قلب الأحداث رأساً على عقب:
أبلغ أحد قادة سرايا الاستطلاع المقاتلة بفرقة “آدان” عن اكتشاف عناصره تحرك حوالى (96) دبابة بحذا القناة من الشرق من “كبريت” فى اتجاه “تل سلام”، وأسفرت التحليلات فوراً عن أن هذه الدبابات تمثل اللواء 25 مدرع ويحتمل أن يكون مكلفاً بتدمير القوات الإسرائيلية فى الثغرة من إتجاه الجنوب.
فكر وقرر بسرعة الجنرال “آدان” الذى لا يتردد فى إنتهاز الفرص، وبعد إستغذانه من “بارليف” و”جونين”، أصدر أوامره لقائد اللواء 600 مدرع «بالتخلص من معركة تطهير الممرات» مستغلاً مرونة وخفة حركة قواته وسعياً لتحقيق المبادأة، أن يقوم بالتعاون مع كتيبة دبابات اللواء 217 مدرع احتياطى الفرقة 162 مدرع بسرعة مهاجمة مقدمة وأجناب ومؤخرة اللواء 25 مدرع المتحرك دون تأمين كاف. تكلم آدان عن شجاعة قائد اللواء 25 مدرع، والذي رغم تمكنه من السيطرة ببراعة على الموقف في البداية، إلا أن إنفجار الألغام المبعثرة بحذا القناة تحت جنازير دبابته أربكت سائقى وحكمدارية الدبابات، فأفقدته تلك السيطرة وتكبد خسائر 86 دبابة من إجمالى 96 دبابة.. وكانت معركة اللواء 25 مدرع هى الفرصة الذهبية التى استغلها «آدان» فى استعادة كرامته وتعويض خسائره السابقة، بل ويفوز بتنفيذ عملية الثغرة بدلاً من «شارون» الخاسر مثله.
وفى ليلة 17 / 18 أكتوبر تمكنت مقدمات فرقة آدان من عبور القناة والتقدم جنوباً تجاه (جبل الشهابى – فايد – الجوزة الحمراء) كضربة الرئيسية.. إلا أنها أمام القتال المستميت توقفت أمام اللواء السادس مشاة/ الفرقة الرابعة المدرعة واللواء المدرع الجزائرى.
أزاداد غضب وغيرة «شارون» رجل حزب «الليكود» من تدبيرات رباعى «البلماخ» فأصر على توسيع الثغرة غرباً فى اتجاه الإسماعيلية شمالاً، فما كان من «بارليف» إلا أنه وافقه ربما على أحد إحتمالين وبما يمكنه من إستغلال نتائج أي منها.. الأول: نجاح شارون فى حصار الإسماعيلية، فيسهل الوصول للقاهرة بالتعاون مع فرقة آدان».. والثانى: فشل «شارون» فى هذه المعركة الحاسمة، لتكون استكمالات لهزائمه المتكررة فتسكته للأبد وتطفئ غروره.
وبالفعل صباح يوم 18 أكتوبر وباستغلال أعمال قتال فرقة «ماجن» فى
تأمين رأس الكوبرى على قناة السويس، حاول “شارون” القيام بتطوير الهجوم
غرباً وشمالاً كاتجاه هجوم معاون بمهمة عزل مدينة الإسماعيلية وتطويق الجيش الثانى
من الغرب، وتعتبر المراجع الغربية أن الهجوم الاسرائيلى قوبل بقتال عنيف من الوحدة
39 قتال بقيادة “إبراهيم الرفاعى”، ذلك القائد الذى جعل من هذا اليوم
كابوساً قاسياً على فرقة “شارون”، ومن اللواء 182 مظلي بقيادة
“إسماعيل عزمى” فى معركة غير متماثلة بين الفرد المقاتل والدبابة،
ليثبتا نجاحاً شرساً أمام وحدات فرقة شارون المدرعة.. فاضطر “شارون”
للارتداد جنوباً فى اتجاه الجوزة الحمراء ووادى العشرة، وتمركزت قواته بها.
وخلال ليلة 19/ 20 أكتوبر قام “آدان” بالتعاون مع وحدات
فرقة “ماجن” بمحاولة التقدم جنوباً (غرب القناة) فى اتجاه (جنيفة –
الشلوفة – السويس)، وفى اتجاه (جبل غرة – جبل عتاقة – ميناء الآدبية)، مُؤمناً
بقوات فرقة «شارون» التي كُلفت بتأمين مؤخرتهم.. ورغم قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق
النار يوم 21 أكتوبر حاول “آدان” و”ماجن” إحراز أى تقدم يدعم موقفهم
لتحقيق مكاسب عسكرية قد تحقق إستفادة سياسية.
الجزء الرابع (ترنح القوات الإسرائيلية وتورطها تحت حصار القوات المصرية على الضفتين):
وذكرت المراجع أنه مع حلول يوم 22 أكتوبر، رصدت طائرات الاستطلاع الأمريكية وعناصر الاستطلاع الإسرائيلية قيام الفرقة 21 مدرع بالعبور غرباً بدون أسلحة أو دبابات، وتمركزت غرب أبو صوير لإعادة تسليحها، فما كان من القوات الإسرائيلية إلا محاولة حصار السويس الذى فشل بدوره يوم 24 اكتوبر.
وفى جلسات علمية مع بعض قادة وضباط حرب أكتوبر، منهم المستشارين حالياً بكلية القادة والأركان وأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وغيرهم آخرين علمت أمور كثيرة.. حيث علمت من اللواء أ.ح/ أحمد المرزبان، والذي كان يعمل وقت الحرب رئيساً لإستطلاع اللواء 15 مدرع مستقل بقيادة العقيد أ.ح/ تحسين شنن، أن كتيبة دبابات من اللواء عبرت غرباً من القنطرة.. كما علمت من اللواء أ.ح/ عبد الغفار حجازى والذي كان (رئيس شعبة عمليات الجيش الثالث الميدانى)، أنه كان قد كُلف بتشكيل (مجموعة لتصفية الثغرة) بقيادته، وسميت وقتها بـ(مجموعة حجازي)، لتتمركز شمال جبل عويبد بهدف حفظ الاتزان الإستراتيجي للجبهة، ومحاصرة القوات المخترقة غرب القناة بعد الخسائر التى مُنيت بها القوات الاسرائيلية خلال معركة الثغرة.. تحقق هدفها بالتعاون مع الفرقة الرابعة مدرع والفرقة 23 مشاة ميكانيكى عدا لواء مدرع والفرقة الثالثة مشاة ميكانيكى، ومعهم عناصر من القوات الخاصة.
أشارت معظم النقاط بمذكرات الإسرائيليين والمراجع الأجنبية لأن الهجوم الاسرائيلى من خلال الثغرة قد تسبب في خسائر كبيرة في قواتهم، ولم تشير لها على انها قد حققت نصراً حاسماً لهم:
حيث يتحقق النصر العسكرى بتحقيق الهدف منه.. وهنا وجب علينا أن نسال أنفسنا “ماذا كان هدف الإسرائيليين من الثغرة؟”
نجد أن الهدف الأول: كان معنويا غرضه خفض الروح المعنوية للجيش والشعب المصرى وبالتالى رفع الروح المعنوية للجيش والشعب الإسرائيلى مما يؤثر جزرياً على نتائج الحرب وهذا لم يحدث.
والهدف الثاني: ضرورة عبور القناة غرباً بواسطة قوات إسرائيلية تحاصر أو تسيطر على مدن مصرية هامة كمدينتي السويس والإسماعيلية، وبما يمكنها من ستمرار التقدم غرباً تجاه القاهرة، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك حيث عبرت قوات ضخمة القناة غرباً وحاصرت مدينة السويس ولكنها لم تتمكن من السيطرة عليها.
أما الهدف الثالث: فكان تدمير الأهداف الاستراتيجية للقوات المسلحة المصرية والوصول إلى القاهرة والسيطرة على مشارفها، وهذا أيضاً لم يحدث .. إذن إسرائيل قد تعتبرها نجاح فى معركة محددة إلى حد معين لم يتحقق به الهدف الاستراتيجى ولكنها ليس نصراً فى الحرب بشكل عام.
ولأن الحرب أنتهت بتحقيق مصر لأهدافها باستعادة الأراضى المحتلة كاملة سواء بالعمليات العسكرية ثم بالمفاوضات السياسية فحرب أكتوبر نصراً عسكري/ سياسي لمصر.
ويجب ألا ننسى طباع الإسرائيليين أنهم لا يجلسون على طاولة مفاوضات أيً كانت الظروف حالة إنتصارهم.
رغم أن الثغرة في الأصل كانت معركة مخططة بواسطة القيادات الإسرائيلية، ولكن لا ينكر أحد أن تقصير أجناب القوات المصرية خاصة جنب يسار الجيش الثالث الميداني هو ما ساهم في إحداثها:
خطط الإسرائيليون مسبقاً لمعركة الثغرة.. وكان تخطيطهم مينى على أساس إحداثها بواسطة القوات الإسرائيلية، أو سرعة إستغلالها فور إكتشافها نتيجة خطأ من قبل القوات المصرية.. وأكثر ما كانت تخشاه إسرائيل هو عدم توقف القوات المصرية بعد عبورها القناة واقتحامها خط بارليف.. فكانت تخشى استمرار القوة الدافعة للهجوم للأنساق التعبوية الأولى مع احتفاظ القوات المصرية بأنساقها التالية والاحتياطيات على المستوى التعبوى.
4-
لم تكن معركة الثغرة بحدوثها مخاطرة محسوبة من قبل القيادات
الإسرائيلية عندما قامت بدفع معظم الحجم المتبقى من قواتها، رغم احتمال قيام الجيش
المصرى بشن ضربات مضادة شاملة على المستويين التعبوى والاستراتيجى، وذلك لعزل
القوات الإسرائيلية المخترقة داخل الثغرة وتدميرها.
فقد كانت القيادات الإسرائيلية المتواجدة بسيناء على خلاف شديد ولديها
أطماع سياسية وعسكرية على المستوى الشخصى والسياسي، فكان قادة الفرق المدرعة
الاحتياطية يتهافتوا على تنفيذ عملية الثغرة لتعويض خسائرهم، محققين ولو نصراً
إعلامياً باسمهم، وبما يدعم مساراتهم السياسية مستقبلاً، ولكن رغم ذلك نفذوا ما
طلب منهم بصعوبة وزادت من خسائرهم في الأفراد والمعدات.. مع الوضع فى الاعتبار أن
ورود معلومات بإعادة تسليح الفرقة 21 المدرعة المصرية وتشكيل (مجموعة حجازي)
لتصفية الثغرة تسبب في وقت معين في قلق القوات الإسرائيلية الموجودة بالثغرة نظراً
لزيادة إحساسهم بالخطر، لأن من وجهة نظري أن حصار القوات كان متبادلا من الجانبين.
أستغرقت في هذه الدراسة سنوات من البحث الدقيق والترجمة خلال خدمتي بالقوات المسلحة واختتمتها عندما كنت أعمل قائد لمركز المعلومات والدراسات التكتيكية بكلية القادة والأركان عام 2007.. وأول مرة تخرج للنشر كان في أكتوبر 2013 من خلال حوار صحفي هام بجريدة الأخبار بواسطة الصحفي المتميز الشاب عمرو جلال صقر.
MG (Ret). Sayed Ghoneim Fellow, Nasser Higher Military Academy Chairman, Institute For Global Security & Defense Affairs (IGSDA) www.igsda.org
المراجع الرئيسية:
كتاب “النصر المحير”:
الجولات العربية الإسرائيلية، 1947 – 1974 (للمؤخ الأمريكي كولونيل تيرفور دوباي
عام 1978).
كتاب “الجيش الإسرائيلي”
(إصدار المطابع الأميرية البريطانية كامبرلي)
الشخصية العسكرية الخامسة (البلدوزر)
– يوميات إيريل شارون، إسرائيل.
جلسات علمية مع بعض القادة العسكريين المصريين
الذين شاركوا في حرب أكتوبر – لصالح الجزء الأخير فقط في الدراسة.
Main References:
Elusive Victory: The Arab-Israeli Wars, 1947-1974 (By Trevor N.
Dupuy, 1978 USA)
Israeli Army (By Kimberly Presses. 1976 UK)
Fifth military personal (The Bulldozer) – Ariel Sharon’s Diary,
Israel
Personal Interviews with some Arab leaders participated in October
War – For the last part only of my article.