سؤال تكرر طرحه: طالما تكثيف دعم أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة بعيدة المدى وبالطائرات وبالمنظومات النيرانية عالية التطور مؤثراً بدرجة كبيرة في الحرب ضد روسيا، ما السبب في تأخير هذا الدعم؟
الإجابة من وجهة نظري: منذ فترة وارتباطاً بالحرب في أوكرانيا، عينت الولايات المتحدة چنرالاً متقاعداً ذو خبرة في مجال الإمداد الإستراتيجي لمسارح العمليات ليكون مسؤولاً عن تنسيق مطالب وإمداد القوات الأوكرانية بالأسلحة والمعدات الغربية في مسرح العمليات وحسب كل المرحلة لتكون في ثلاث مراحل رئيسية (مرحلة أسلحة دفاعية – دفاعية هجومية – هجومية)، وأزعم أن مرحلة الإمداد بأسلحة دفاعية هجومية هي الحالية، ولكن غلب فيها الأسلحة الدفاعية بدرجة كبيرة.
وهناك أسباب عديدة للتأخير في الإمداد، منها:
١- تأثر الاحتياطيات الاستراتيچية من الأسلحة والمعدات بالدول المانحة.
٢- طول فترات تدريب القوات الأوكرانية على بعض الأسلحة والمعدات الغربية.
٣- استهداف الأسلحة والمعدات أثناء عمليات الإمداد.
٤- كبر حجم بعض الأسلحة مما يصعب إجراءات تأمينها أثناء الإمداد.
٥- استنزاف الخصم بإطالة زمن الحرب وإجباره على استخدام أسلحته المتطورة الأشد فتكاً خاصةً السرية منها مبكراً، والتي من المفترض أن تمكنه من تحقيق المفاجأة الاستراتيچية أولاً.
وهناك أسباب أخرى ولكني سأوضح اكثر السبب الخامس.
من المعروف في علوم الاستراتيچية العسكرية أن المفاجأة تحافظ على المبادأة وبما يحقق الحسم في الحرب، ومن أنواع المفاجأة الاستراتيچية المفاجأة بأسلحة أو ذخائر عالية التطور وشديدة التأثير وبما يمكنها من حسم الحرب تماماً للقوات التي تمتلك هذا العنصر.
ولقد استخدمت القوات الروسية القليل منها، مثل الذخائر الفرط صوتية شديدة التأثير، إلا أنها شديدة الكلفة وتحتاج لمكونات دقيقة يصعب توفيرها مع الحصار والعقوبات ضد روسيا.. وأزعم أن مراكز الأبحاث الأمريكية تدرس حالياً كيفية إيقافها أو التصدي لها في الجو.. وهو ما يحتاج وقت كبير أحياناً، وهنا النقطة الأساسية.. فكلا الطرفين، وأقصد هنا روسيا والغرب، كل منهما يمتلك أسلحة عالية التطور ولكنه يرغب في قيام الخصم بدفع ما يمتلكه أولاً، حتى يدبر مضادتها وبما يحرق قيمتها كعنصر يحقق المفاجأة الاستراتيچية، ثم يأتيه لاحقاً بما يحقق مفاجأة وتأثيراً حاسماً لصالحه.
وهنا يتضح سبب إطالة زمن المعركة المحتمل ليتخطى نهاية العام ويطول لسنة أو سنوات أخر. حيث أعتقد أن الولايات المتحدة تتعمد تأخير الإمداد ببعض الأسلحة المتطورة، حتى لا تكون في محل المخطئ (الُمجبر على دفع قدراته لتحقيق المفاجأة الاستراتيچية أولاً). وفي نفس الوقت، ومن خلال قياس محدد وحرص شديد، تقوم بإمداد القوات الأوكرانية بالأسلحة التي تمكنها من الاستمرار في القتال لأطول فترة ممكنة، بهدف إجبار روسيا على استخدام أسلحة جديدة مفاجأة ، فيتحقق استنزاف لقدرات روسيا من الأسلحة الاستراتيچية المتطورة، وإفساد عنصر المفاجأة ومن ثم حرمان القوات الروسية من حسب الحرب لصالحها.
وللعلم، الاحتياطيات في الحرب تختلف عن مثيلتها في شؤون اخرى، فاحتياطيات القوات في الحرب عادة ما تكون الاكثر كفائة وتدريب وقدرة على المناورة، لأنها لا تكلف بمهام محددة مسبقة، ولكنها تكلف بمهامها حسب نتائج الموقف، وكلما تأخر استخدامها وأُجبر الخصم على استخدام احتياطياته أولاً تزيد فرص هزيمته.. وعندما نربط ما ذكرته بشأن الاحتياطيات بما وضحته بشأن ما تحققه الأسلحة المتطورة من مفاجأة استراتيچية، يمكن الوصول لتصور أبعد لأحد أبعاد كيفية تسليح واستخدام القوات في الحرب الجارية.
ربما ما ذكرته من أسباب وتوضيحات يوصل الفكرة ويجيب على التساؤل المطروح، مع مراعاة أن هذا التأخير الإمداد في الإمداد بالأسلحة له سلبيات أخرى يمكن التطرق لها في موضع آخر.
الاستراتيچيون العسكريون يتفهمون أن إنتصار روسيا في الحرب ليس هزيمة للولايات المتحدة وأوروبا، أما إنتصار أوكرانيا فهو قولاً واحداً هزيمة لروسيا، وهو ما يدفع القادة العسكريين من الغرب لاستغلال الحرب الجارية بتخطيط دقيق وبما يمكن من تقويض القوة الروسية تماماً، وبما يضع روسيا أمام احتمالين لا ثالث لهما.. إما الهزيمة العسكرية وهو احتمال صعب، وإما تحقيق نصر عسكري شعبوي على أوكرانيا لا يسقط أوكرانيا ولا يزيلها ولا ينهي النظام الحاكم فيها، وهي حالة يمكن أن نطلق عليها (محلك سر) وهي حالة شديد الكلفة، لأن روسيا لن تمتلك قرار التراجع ولن تمتلك القدرة على الإستمرار ولا الاستعواض.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل