أولاً: الأعمال السابقة والحالية:

خلال الإسبوع الأول من شهر إبريل 2022 تخطت القيادة العامة للقوات الروسية (مرحلة إعادة التشكيل)، والتي يمكن أن نطلق عليها (مرحلة تعديل أسلوب القتال). حيث تحولت من المرحلة الأولى وهي (مرحلة العملية الخاطفة) والتي تتميز بالهجوم الخاطف السريع بقوات صغيرة، إلى المرحلة الحالية وهي (مرحلة أسلوب القتال التقليدي)، والتي يتم خلالها القتال بتنفيذ نيران المساندة والهجوم بمعدلات التقدم الحقيقية، والتي تبدو أكثر بطءاً عما كانت عليه في المرحلة الأولى ولكن بشكل طبيعي، وذلك في محاولة لتفادي تعثر القوات والعمل على تقليص الخسائر الفادحة التي تكبدتها خلال المرحلة الأولى نتيجة لأخطاء الهجوم، والتي كان يطلق عليه المحللين الروس (البطء الروسي المتعمد) وهي شيئ وهمي لا معنى له في قوانين القتال بجميع العقائد العسكرية.

خلال يومي 5 و 6 مايو (يومي 71 و72 عمليات)، نجحت القوات الروسية في اختراق مدينة بوباسنا، وبما مكن القوات المهاجمة من الانتشار شمالاً وغرباً وجنوباً لمديات محدودة تحقق التأمين للقوات المهاجمة، فيما يسمى في التكتيك الروسي بـ “مناورة الزهرة”.
واعتباراً من يوم 24 مايو (ي 90 ع)، قامت القوات الروسية بتهيئة ميدان قتال مساحته حوالى (40×40) كم دون محاولة محاصرة القوات الأوكرانية بداخله، وذلك بهدف جذب أكبر حجم من القوات الأوكرانية وكذا من أسلحة الددعم الغربي بداخلها وتدميرها بمجرد نشرها، والسبب هو صعوبة استهداف الأسلحة الغربية أثناء الإمداد بها أو في مخاذنها بعد استلامها بواسطة القوات الأوكرانية.
وبعد خمس أيام عمليات وتحديداً يوم 29 مايو، نجحت القوات الروسية في توسيع ثغرة الاختراق في بوباسنا والانتشار شمالاً مع قطع طريقي المواصلات الرئيسيين التي تستغلها القوات الأوكرانية داخل لوهانسك في اتجاه سيفرودونيتسك.
وفي 19 يونيو (ي 90 ع)، عملت القوات الروسي على تقليص مساحة مسرح القتال ليكون في مدينة “زلوتي” مدينة أخرى صغيرشمال شرقها، وبما يمهد لهجوم رئيسي جديد شمالاً في اتجاه مدينة ليسيشيانيسك.

في أول يوليو (ي 128 ع)، تحول الموقف ليكون أكثر ديناميكية، حيث قامت القوات الروسية بشن هجومين، الأول مع تأمين رأس كوبري عبر نهر سلفرودويسك، والثاني جنوبه من الاتجاه جنوب شرق دونباس، الأمر الذي دفع القوات الأوكرانية في مواجهة الهجومين للانسحاب غير المنظم في اتجاه الغرب. مما سهل للقوات الروسية الاستيلاء الكامل على مدينة سيفرودونتيسك ومدينة ليسيشيانيسك.
وفي يوم 03 يوليو (ي 130 ع)، نجحت القيادة العامة للقوات الروسية في إلاق ميدان القتال بمساحة (40×40) كم التي أشرت لها مسبقاً.

المشكلة الحالية التي تةاجه القوات الروسية هي حجم مساحة مدينة القتال المتبقية في دونباس وطول المواجهة، فخلال أكثر من ثلاثة أشهر، نجحت القوات الروسية في تحقي ثلث أهدافها فقط في إقايم دونباس من حيثة مساحة الأرض وطول المواجهة وحجم القوات، فالمساجة المتبقية حوالي (70×70) ومواجهة القتال المتبقية في دونباس حوالي 70 كم، كما أن حجم القوات حوالي (60) مجموعة قتال مدعمة أوكرانية.

ثانياً: مسير العمليات:

سوف اتعرض أولاً لدراسة العوامل الحيوية الرئيسية في المرحلة الحالية من الحرب، وهي عامل (الأرض – الوقت – المعلومات – القوات – أسلوب القتال).

1- عامل الأرض:

  • أنسب خط دفاعي للقوات الأوكرانية هو الخط الواصل من مدينة سيفياسك شمالاً إلى باخموت جنوباً.. أو الارتداد غرباً للدفاع الخط المار بالمدن الثلاث (سلوفانيسك – كراماتورسك – قسطنطينيفيكا)، وهو في رأيي خط الدفاع الأفضل لاستناده على مدن رئيسية مسيطر عليها بالكامل بواسطة قوات أوكرانية. إلا أن ارتداد القوات الأوكرانية للدفاع عن هذا الخط سيفسح المجال للقوات الروسية للاستيلاء على مدينتي سيفياسك وباخموت ومحيطهما بسهولة.
  • إلا أن المشكلة التي تواجه القوات الأوكرانية هنا هي حجم القوات المتاحة (سواء المرتدة إلى هذه المدن أو المتمركزة فيها) للدفاع عن هذه المدن وتأمين الفواصل بينها في مواجهة هجوم القوات الروسية.

    2- عامل الوقت:
  • في حالة مواجهة القوات الروسية بدفاعات ضعيفة فإن الوقت سيكون لصالح روسيا، ومن ثم ستعمل على إسراع معدلات التقدم والاستيلاء على المدن الثلاث.
  • وفي حالة شراسة دفاع القوات الأوكرانية، ستضطر القوات الروسية لتنفيذ وقفة تعبوية جديدة بهدف إعادة تجميع القوات وإعادة الهجوم مرة أخرى، وهنا لن يكون الوقت في صالح القوات الروسية.

    3-
    عامل المعلومات:
  • وهو العامل الذي بامتلاكه واستغلاله جيداً يبطل عنصر المفاجأة للعدو، فقد تقوم القوات الروسية بتنفيذ هجوم تقليدي من الشرق إلى الغرب في اتجاه المدن الثلاث الرئيسية الأخيرة في مدينة دونباس (سلوفانيسك – كراماتورسك – قسطنطينيفيكا).
  • وقد يكون الهجوم من اتجاه مدينة خاركيف شمالاً في اتجاه غرب مدينة كراماتورسك، وبما يحقق المفاجأة ضد القوات الأوكرانية بالهجوم في عمق قواتها. وهو ما حاولته القوات الروسية في البداية عندما قامت بالهجوم على كييف ولكنها فشلت في تنفيذ مهامها.

    4- عامل القوات:

كان حجم مجموعات القتال المدعمة الروسية في بداية عملية دونباس (93) مجموعة قتال تكتيكية في مقابل عدد (81) مجموعة قتال أوكرانية. ولذا فإن مقارنة القوات كانت لصالح القوات الروسية بنسبة (1.15 : 1).

واليوم أصبح حجم مجموعات القتال المدعمة الروسية (108) مج قتال تكتيكية في مقابل عدد (60) مجموعة قتال أوكرانية. وذلك نظراً لقيام القوات الروسية باستعواض حجم كبير من الخسائر بقوات كبيرة خلال الأسابيع القليلة الماضية مقابل الخسئار الأوكرانية دون استعواض لها. ولذا فإن مقارنة القوات قد زادت لصالح القوات الروسية لتصبح بنسبة (1.8 : 1).

5- أسلوب القتال:

  • يجرى القتال الحالي في صورة حرب استنزاف، حيث لم يستطع أي من الجانبين حسم العملية لصالحه بشكل كامل. وتنفذ مرحلة الاستنزاف الحالية في مستويين وهما:
  • المستوى الأول: الاستزاف التعبوي/ التكتيكي: حيث أقرت القيادة الأوكرانية أنها فقدت حوالي 50% من إجمالي القوات والأسلحة والمعدات (1300 عربة مدرعة – 400 دبابة قتال – 700 منظومة نيران مدفعية). وإن كنت أراها مبالغة معتادة في التصريحات الأوكرانية لدفع قوى الضغط على القرار داخل الدول الغربية لحث حكوماتها لسرعة تخصيص الميزانيات وتوفير الإمدادات اللازمة لاستعواض القوات الأوكرانية.
  • المستوى الأول: الاستزاف الاستراتيجي: حيث منذ اليوم الأول عمليات في 24 فبراير تقوم القوات الروسية يومياً بإطلاق عدد 2600 قذيفة على القوات الأوكرانية والتي وصلت اليوم إلى 2800 قذيفة، سواء بواسطة القوات الجوية الروسية أو بواسطة الصواريخ الباليستية أرض/ أرض. وتستغل القوات الروسية لاستمرار قصفاتها عدم امتلاك القوات الأوكرانية لطائرات القتال وأنظمة الدفاع الجوي اللازمة لردع هذ القصف المتواصل.

إرتكازات العملية الدفاعية الأوكرانية:

أرى أن القوات الأوكرانية تعمل على إدارة عملية دفاعية ناجحة منذ بدء العملية من خلال أربع ارتكازات رئيسية وهي:

  1. إصرار القوات الأوكرانية على التمسك بمركز الثقل السياسي العسكري في العاصمة “كييف”، وقد تمت بنجاح.
  2. إصرار القوات الأوكرانية على التصدي لأي ضربات أو هجمات في الغرب من اتجاه بيلاروسيا، وتتم حتى الآن بنجاح.
  3. التمسك بالأراضي والمدن الأوكرانية في دونباس، ولم تنجح فيها حتى الآن.
  4. التمسك بالأراضي والمدن الأوكرانية في الجنوب تجاه خيرسون، ولم تنجح فيها حتى الآن، رغم تمسكها بميكولايف وأوديسا ومدن عديدة أخرة شمالهما.

إلا أن القوات الروسية نجحت من إنشاء وتأمين رؤوس كباري غرب نهر دنيبرو جنوباً، وبما يسهل استمرار الهجوم غرباً نحو ميكولايف وأوديسا، وأيضاً تجاه الشمال حيث مركز أوكرانيا.

مدى سيطرة الجانبين الروسي والأوكراني على المقاطعات والمدن الررئيسية:

  1. خيرسون: 92% في أيدي القوات الروسية.
  2. زابارودجيا: 75% في أيدي القوات الروسية.
  3. ولاية لوهانسك: خيرسون: 100% في أيدي القوات الروسية.
  4. ولاية دونيتسك: 54% في أيدي القوات الروسية.
  5. ولاية خاركيف: خيرسون: 57% في أيدي القوات الأوكرانية.
  6. ميكولايف: 98% في أيدي القوات الأوكرانية.
  7. أوديسا: 100% في أيدي القوات الأوكرانية.

مما سبق، تسيطر القوات الروسية حوالي 20% من حجم الأراضي الأوكرانية، وبما يشكل حوالي 30% من القيمة العسكرية لأوكرانيا. ولكنها في نفس الوقت تمكن روسيا من السيطرة على نسبة حوالي 80% من المقدرات الاقتصادية الأوكرانية. وفي حالة احتلال ميكولايف وأوديسا ستصل النسبة إلى 90%. إلا أن القيمة العسكرية حوالي 30%..

ثانياً: الأعمال المنتظرة:

1- الهدف الاستراتيجي العسكري الروسي:

تحقيق نصر حاسم في اقرب وقت ممكن بالاستيلاء على كامل أراضي إقليم دونباس التابعة لولاية دونيتسك وتطهيرها من القوات الأوكرانية. والعمل على سرعة الاستيلاء على ميكولايف وأوديسا وكافة المنافذ المطلة على البحر الأسود، وبما يمكن روسيا من السيطرة على 90% من الاقتصاد الأوكراني.

أهم الإجراءات وأعمال القتال التي تحقق الهدف الاستراتيجي العسكري الروسي:

  • الإستيلاء على (سيفيليسك – باخموت – سلوفانيسك – كراماتورسك – قسطنطينيفيكا) للسيطرة على ولاية دونيتسك.
  • الاستيلاء على ميكولايف وأوديسا جنوباً.
  • في الجنوب، تعزيز الوجود الروسي في منطقة خيرسون لتأمين مصدر الطاقة والمياه لشبه جزيرة القرم. وربط المناطق الموالية لروسيا.
  • الاحتفاظ بالمحاور اللوجيستية الإستراتيجية على كافة الاتجاهات.
  • إنشاء محور اتصال بين ترانسنيستريا وإقليم دونباس.

ويتم ذلك كالآتي:

  • الاستمرار في أعمال الاستطلاع باستخدام وسائل الاستطلاع وجمع المعلومات (البشرية والتكنولوجية) داخل إقليم “دونباس” وفي الجنوبونحو العاصمة كييف.
  • استكمال القتال غرباً بهدف الاستيلاء على مدن سلوفانيسك وكراماتورسك وقسطنطينيفيكا وزابادرودجيا محققاً المهمة النهائية جبهة خلال شهر يوليو 2022.
  • تركيز القتال على الجنوب غرب خيرسون وساحل البحر الأسود شرق أوديسا.
  • اكتشاف حجم وتكوين وقدرات القوات ووسائل النيران الأوكرانية في المدن المتواجدة في نطاقات الهجوم.
  • استخدام حجم مناسب من النيران الذكية دقيقة الاستهداف (والمكلفة للغاية) لتدمير القوات والأسلحة والمعدات الأوكرانية داخل إقليم دونباس بشكل جراحي دقيق ومركز.
  • الاستمرار في استخدام حجم هائل من نيران الصواريخ والقوات الجوية والمدفعية متعددة المدى لتدمير القوات الأوكرانية خارج دونباس خاصةً تلك المحتمل تدخلها غرب الإقليم، فضلاً عن حجم آخر من النيران الذكية دقيقة الاستهداف لتدمير مستودعات الأسلحة والذخائر الأوكرانية تحت الأرض.
  • الاستمرار في منع الإمدادات الغربية لأوكرانيا في المرحلة الحالية، خاصةً الإمداد بالدبابات والطائرات المتطورة التي تمنحها القدرة على تنفيذ ضربة مضادة شاملة. وكذا محاولة منع الغرب من امداد أوكرانيا بوسائل النيران، خاصةً المدفعية والصواريخ والمقذوفات الموجهة المضادة للدبابات ووسائل الدفاع الجوي والدرونز ووسائل القيادة والسيطرة الحديثة، أو حرمان القوات الأوكرانية من استلام تلك الأسلحة والمعدات بأي وسيلة ممكنة.
  • ضمان امتلاك القوات الروسية في مسرح العمليات تشكيلات قتالية متجانسة تمتلك قدرات قتالية عالية ذات قادة وأفراد مدربين تدريب عالي على أساليب قتال غير نمطية تتميز بالقدرة على المناورة والتنفيذ اللامركزي.

    2- الهدف الاستراتيجي العسكري الأوكراني:

تنفيذ عملية دفاعية ناجحة لحرمان القوات الروسية من الاستيلاء على باقي مدن ولاية ودونيتسك وبما لا يمكنها من الإستيلاء على كامل إقليم دونباس، وكذا حرمان القوات الروسية من عدم إحكام السيطرة هلى سواحل البحر الأسود الأوكرانية حتى أوديسا.

أهم الإجراءات وأعمال القتال التي تحقق الهدف الاستراتيجي العسكري الأوكراني:

  • التمسك بمدن سلوفانيسك وكراماتورسك وقسطنطينيفيكا.
  • حماية خطوط الإمداد بالوقود الأمامية.
  • الدفاع عن السواحل البحرية جنوباً شرق أوديسا.
  • محاولة إجبار القوات الروسية على الانسحاب شرق نهر دنيبرو.

ويتم ذلك كالآتي:

  • سرعة قيام الولايات المتحدة ودول الناتو بتزويد القوات الأوكرانية بحجم كبير للغاية من الأسلحة والمعدات يتضمن مزيج من الأسلحة الدفاعية والهجومية خاصةً المدفعية متوسطة المدى بكافة أنواعها (مدفعية ميدان – مدفعية صاروخية – صواريخ أرض/ أرض، وأرض/ سطح)، وكذا إمداد القوات الأوكرانية بالدبابات المتطورة وطائرات القتال والهليوكبتر والدرونز ووسائل القيادة والسيطرة والحرب الإليكترونية عالية التطور.
  • استكمال إعادة تجميع واستعادة الكفاءة للقوات في نسقين أحدهما دفاعي والآخر هجومي.
  • الاستمرار في تكثيف أعمال الاستخبارات في كافة مناطق القتال بل وفي المدن الحدودية المعادية في روسيا وبيلاروسيا.
  • تكثيف نيران المدفعية والصواريخ والنيران الذكية إن وجدت والدرونز لتدمير مصادر النيران ووسائل الدفاع الجوي الروسية ووحدات الإمداد والصيانة الميدانية كأسبقة أولى، ومن جانب آخر تدمير الدبابات والطيران، وذلك لحرمان القوات الروسية المهاجمة من استكمال تحقيق مهامها.
  • سرعة تقديم التعزيزات اللازمة للقوات الأوكرانية المدافعة داخل إقليم دونباس وبما يمكنها من التشبث بالأرض المستولى عليها دون التفريط في شبر واحد منها.
  • استمرار القوات الأوكرانية في خاركيف ومحيط إيزيوم وفي سفيرودونيتسك ليسيشانسك وسلوفيانسك وغرب خيرسون في التشبث بالأرض، بل والضغط على القوات الروسية المواجهة لها.

استكمال تدمير القوات البحرية الروسية، مع التركيز على تأمين ميكولايڤ وأوديسا من أي عدائيات محتملة خاصةً من البحر.

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل كلية الحرب العليا/ أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل

المصادر:

  • مصادر علنية دولية.
  • مصادر خاصة بالكليات العسكرية بدول الناتو والنمسا وسويسرا.
  • مصادر خاصة أخرى.
Share:

administrator

PhD, MG(Ret.), Chairman IGSDA (UAE), Visiting Scholar in International Relations & International Security in several countries, (Egyptian)