أولاً: “عضوية تركيا والناتو لفنلندا والسويد”
لا تكتفي تركيا عادة بالمشكلة عندما تأتي لك، على الرغم من نهجها العدواني فحسب، بل تأتي إليك عادة والمشكلة في يد والحل في ليد الأخى، والتي عادة ما تتضمن مطالبها الإستراتيجية.
في مقابل قبول تركيا لعضوية فنلندا والسويد في الناتو، على حد علمي وأتخيل، قد يكون لتركيا مطالب محددة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وفنلندا والسويد وقد تكون الاتحاد الأوروبي على النحو التالي:
البعد الأمني فيما يتعلك بمشكلة الأكراد:
1- يجب على فنلندا والسويد وأي دولة من دول الناتو التوقف عن دعم فكرة دولة كردية منفصلة.
2- يجب على السويد وفنلندا (على الأقل) إيقاف أي نشاط لحزب العمال الكردستاني (PKK) وقوات سوريا الديمقراطية ومنظمة فتح الله غولن على أراضيها.
3- إلزام الناتو بحظر “حزب العمال الكردستاني”، وكذلك جيش سوريا الديمقراطي الذي سلحته الولايات المتحدة للقتال في سوريا ضد داعش وأيضاً جماعة فتح الله، ضمن قائمة التهديدات الموجهة ضد التنظيم. تحالف وكمنظمات إرهابية.
4- تسلم الولايات المتحدة الزعيم الانفصالي التركي فتح الله غولن الذي انشق عن تركيا ويقيم حالياً في ولاية بنسلفانيا.
على الصعيد العسكري، فيما يتعلق بالعقوبات وقيود التسلح على تركيا:
5- ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات المفروضة على تركيا فيما يتعلق بشراء أنظمة الدفاع الجوي S-400، بما في ذلك العقوبات المفروضة على منظمة صناعة الدفاع التركية.
6- أن تحصل تركيا على الطائرة الأمريكية الجديدة من طراز F-16، ومجموعات التطوير لأسطولها الجوي الحالي، بالإضافة إلى تمكين تركيا من الحصول على طائرات F-35.
7- توقف الولايات المتحدة ممارساتها لمنع تركيا من تصدير أسلحة عسكرية بمكونات غربية.
سياسياً فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي (أعتقد أنه مستبعد مؤقتاً):
8- ربما تطلب تركيا في المستقبل تسهيل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وبناءً على ذلك يمكننا ملاحظة ثلاثة أمور:
الأول: أهمية أن تكون الدولة المصنعة عضوا في أقوى تحالف عسكري، بما يمكنها من فرض إرادتها على الدول الأقوى من استغلال شرعية وحقوق عضويتها في التحالف، وبما يعطي الحق في الموافقة أو عدم الموافقة على مشاركة الدول الأخرى في التحالف.
الثاني: المعنى الحقيقي لـ “الصبر الاستراتيجي”، وهو شعار استراتيجيتين لأقوى دولتين في العالم (الولايات المتحدة والصين)، والمتمثلان في التخطيط السليم طويل المدى، والصبر طويل المدى، و التمكن من الأدوات في معارك التنافس بين القوى. لقد تحلت تركيا بالصبر مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وأوروبا وروسيا طوال الأزمة السورية على حدودها وتعاملت مع عدوانية غير مسبوقة. وكأنها تنتظر اللحظة الحاسمة لغزو روسيا لأوكرانيا، تليها فنلندا والسويد نتيجة مطالب الانضمام إلى الناتو. بما في ذلك (في النقاط الثماني السابقة)، مقايضة قبولها بضم الدولتين إلى الناتو مقابل تحقيق كل ما حرمته بصبر أو لم تحققه منذ سنوات.
الثالث: أن من أهم المكاسب العسكرية التي يمكن أن تعود على تركيا من انضمام فنلندا والسويد للناتو أن يتم إعادة نشر قوات للناتو على حدود روسيا في فنلندا وعلى البحر البلطيق في البلدين، لأن زيادة اتساع مواجهة التهديد أمام روسيا لـ1300 كم وهي مواجهة الحدود الروسية أمام فنلندا وعمقاً مماثلاً، يتضمن فنلندا وغرب السويد بصفتهما أصبحا يمثلا الحد الأمامي الشمالي لدفاعات الناتو أمام روسيا والمسيطر على بحر البلطيق، بالتأكيد سيخفف من الضغط على الحد الأمامي لدفاعات الناتو الجنوبي المواجه لروسيا على البحر الأسود.
ثانياً: “الأهداف الحقيقية لروسيا”
كما تم إعلانه بواسطة روسيا، “أطلقت روسيا عمليتها العسكرية المحدودة في أوكرانيا، كما أطلقت عليها، بأهداف محددة يتمثل أهمها في جعل أوكرانيا دولة محايدة وإجبار قوات حلف الناتو عن توسعها شرقاً بالقرب من الحدود الروسية.
على النقيض، أعلنت فنلندا والسويد مؤخراً التوقف عن موقفهما الحيادي، حيث قاما رسمياً بتقديم طلبهما للانضمام إلى الناتو. وقد يحضر هذا إلى عقل أي مراقب فكرة أن روسيا ستشن عملية عسكرية محدودة جديدة ضد فنلندا والسويد، على غرار ما فعلته في أوكرانيا. لكن وفقاً لتوقعات العديد من المراقبين، لن تهاجم روسيا الدولتين الاسكندنافيتين.
وقد يشير ذلك إلى أمرين:
الأول: أن السبب الحقيقي للهجوم الروسي على أوكرانيا ليس له علاقة بالأهداف التي أعلنتها موسكو، بل وحتى فرض الحياد على أوكرانيا، وأن هدف بوتين الحقيقي هو التأكد من أن روسيا ومحيطها (الموالي لروسيا) سيواجهون ثورات ملونة، تلك التي تهدد بوتين نفسه، وأقربها ما حدث في كازاخستان في ديسمبر 2021.
الثاني: إذا كان هدف بوتين الحقيقي، من خلال إجبار أوكرانيا على التحلي بالحياد، هو وقف توسع الناتو شرقاً والحيلولة لوصول قواته إلى الحدود الروسية، فإن نتيجة تدخله العسكري في أوكرانيا كان ينبغي أن يردع الناتو، لكن الحقيقة بدأت مساعي تزايد الدول أعضاء الناتو بواسطة دولتين ثريتين، أحدهما، وهي فنلندا، تستكمل الخط العام للحد الأمامي لدفاعات حلف شمال الأطلسي الواقع مباشرة على حدود روسيا الشمالية الغربية بطول 1300 كيلومتر، وتقع الدولة العضو المحتمل الأخرى في الناتو، وهي السويد، خلفها مباشرة تجاه الغرب، وبما يشكل عمقاً استراتيجاً قوياً للناتو في مواجهة روسيا مكون من ثلاث دول مستدامة التماسك والاستقرار (فنلندا والسويد وفنلندا).
ويعني هذا في تصوري، أن روسيا تواجه تحدياً أمنياً خطيراً يتمثل في توسع حقيقي وكبير وسريع جداً لحلف الناتو على حدود روسيا في دول من شأنها التأثير بشدة على التوازن العسكري الاستراتيجي في أوروبا، مع زيادة احتمالات مواجهة الثورات الملونة في الداخل الروسي.
ثالثاً: “ستقوم روسيا بتشكيل ونشر المزيد من الوحدات والتشكيلات التكتيكية / العملياتية في المنطقة العسكرية الغربية”
أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، أنه سيتم إنشاء عدد (12) وحدة وتشكيلات عسكرية جديدة في المنطقة العسكرية الغربية لروسيا بحلول نهاية عام 2022 رداً على تحركات الناتو.
قبل التعليق على هذا التصريح يجب التذكير بالآتي:
إذا افترضنا أن وزير الدفاع الروسي يتحدث عن إنشاء عناصر جديدة مشكلة من عدد (12) وحدة وتشكيل تكتيكي مدعمين كما صرح جاهزين بآلاف الجنود المستجدين المستعدين للقتال بالأسلحة والأجهزة والمعدات والذخيرة والمركبات، بالإضافة إلى المهام المخطط لتلك التشكيلات والوحدات، علينا أن نتخيل حجم القوات التي ستنشأها روسيا.
حسب العقيدة الشرقية (الروسية) التي درسناها في الأكاديميات والمعاهد العسكرية المصرية، فإن “الوحدة” تعني “اللواء أو الفوج” و”التشكيل” التكتيكي يعني “الفرقة”.
وافتراضياً:
1- يبلغ حجم قوة الفوج الذي يمكن أن يشكل مجموعة قتال تكتيكية (BTG) في المتوسط حوالي 800 فرد × 12 وحدة = 9600 أي حوالي 10000 فرد مجهزين بالكامل وجاهزين للقتال.
2- لا يقل حجم قوة اللواء عن 2000 فرد × 12 وحدة = 24000 فرد على الأقل.
3- حجم قوة التشكيل التكتيكي (الفرقة) على الأقل حوالي 12000 فرد × 12 وحدة = 144000 فرد.
4- المتوسط العام لحجم القوات المحتمل للقوات المزعم تشكيلها هو 10،000 + 24،000 + 144،000 = 178،000 (أي حوالي 180،00 فرد) ÷ 3 = 60،000 فرد محترف جاهزون للقتال.
تقييمي الموجز:
1- لك أن تتخيل حجم القوت والتكاليف والكجهود المطلوبين على الأقل لتشكيل وتدريب وتجهيز ونشر حوالي 60.000 فرد لديهم استعداد عالٍ للقتال أمام قوات الناتو أو أي قوات أخرى.
2- قد تستغرق الحرب في أوكرانيا فترة أطول لتصل إلى 3 – 5 سنوات بمواجهات أوسع وأعماق أكبر، الأمر الذي يتطلب قدرات اقتصادية هائلة من كلا الجانبين في ظل استمرار العقوبات ضد روسيا وتأثيرها على جميع الأطراف. استكمال دول شمال أوروبا للبنية التحتية للغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب الممتدة من الدول المنتجة للغاز البديل في محاولة للاستغناء عن الغاز الروسي، أي خفض عائدات الغاز الروسي من أوروبا.
3- الأهم مما سبق، وهو ما لفت نظري بشدة، كيف لدولة عظمى ليس لديها وحدات احتياطي رئاسة حاهزة للعمل في مواجهة أي تهديد على أي من الاتجاهات الاستراتيجية وحتى وإن كانت مقابل دولة محايدة، إلا لو كانت الخسائر في القوات الروسية كبيرة للدرجة التي تتطلب الاستعواض بحجم مناسب من القوات، مع التذكير أن عدد (12) وحدة وتشكيل هو حجم قوات كبير للغاية.
لواء دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل كلية الحرب العليا، أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل