يبدو أن العالم أصبح أو كأنه في طريقه لمواجهة فراغاً خطيراً في القيادة، مع التخوف من أن هذا الفراغ قد يستمر لعقود. يتطور هذا الفراغ من منظور أن الولايات المتحدة وأوروبا تمران حالياً بمرحلة من الانحدار النسبي في حين أن الصين وروسيا وقوى أخرى تسعى لمكانة عالمية لملء هذه الفراغات دون أن تكون قادرة بشكل كافٍ على القيام بذلك بصورة كاملة. ومن خلال نظرة فاحصة على العديد من التغييرات المهمة في السياسة والاقتصاد العالميين نجد أن الصين وروسيا تُعدان جهات فاعلة عالمية وتكتسب قوة نسبية. جنباً إلى جنب مع قوى إقليمية ودول فاعلة أخرى حول العالم، خاصة تلك التي تؤثر على الطاقة العالمية، المناخ، الأمن، التجارة، العملة، وسياسات التنمية. لكن في الوقت نفسه، فإن الصين وروسيا لا تمتلكان القوى الكافية -على الرغم من النمو الاقتصادي القوي جزئياً للصين والخبرات الأمنية والدبلوماسية المؤثرة لروسيا في التفاعل مع أزمات المنطقة– لملء تلك الفراغات السياسية والأمنية، حيث إنهما غير قادرتين على القضاء على الفقر في بلديهما، ويسود توزيع غير متوازن للغاية للدخل والثروة مما يؤدي إلى مشاكل اجتماعية كبيرة. إن قدراتهما على القيادة بفعالية على المستوى العالمي محدودة حيث إنهم لا يقدمون حتى الآن ما يكفي من المتطلبات الأساسية العالمية (الأمن، الترتيبات النقدية، مساعدات التنمية). علاوة على ذلك، غالباً ما لا يتم الاعتراف بهما كسلطات رائدة في مناطقهما. تظهر تحالفاتهما -مثل “بريكس – BRICS” والتي تتضمن (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)- درجة منخفضة من المؤسسية وفجوة كبيرة بين الخطاب والواقع. بالإضافة إلى ذلك، تختلف القوى الإقليمية الجديدة حول العديد من القضايا وبالتالي لا تشكل قطباً مضادّاً للغرب. وأخيراً، هناك انفصال معياري متزايد بين القوى الإقليمية وأوروبا والولايات المتحدة.

أولاً التحول في النظام العالم

علينا أن نتفهم أولاً أن هناك فرق بين مفهوم (الانفراد بالهيمنة على النظام العالمي) ومفهوم (الانفراد بالقرارات الدولية). فالانفراد بالقرارات الدولية يظهر في قرارات الأمم المتحدة والتي أعتادت أن تسعى فيها الولايات المتحدة إلى الضغط على الدول الأعضاء للتصويت الدولي أو اتخاذ قرارات في صالحها، خاصة ضد مصالح الصين وروسيا، كما حدث في جلسة مجلس الأمن الدولي وجلسة الجمعية العمومية بالأمم المتحدة لإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكذا في جلشات أخرى لاحقة.

أما الهيمنة على النظام العالمي فتتحقق من خلال ستة أبعاد رئيسية وهي في رأيي: (السيادة البحرية العسكرية عبر المحيطات – السيادة في المجالات الفضائية والسيبرانية – السيادة التكنولوجية عالية التطور Know How Technology – القدرة على المناورات الدبلوماسية والأمنية وتوقيع العقوبات ومنح المساعدات – القدرات الاقتصادية المستدامة وهيمنة العملة – وسائل الهيمنة الأخرى الاقتصادية التكنولوجية الإليكترونية (شبكة الانترنت العالمية – جوجل ويوتيوب والتواصل الاجتماعي – كروت الشراء “االفيزا” – …). ومن هذا المنطلق علينا أن نتصور صعوبة انتقال الهيمنة لى النظام العالمي من الولايات المتحدة التي تمتلك القدرات الستة وأكثر بدرجة كبيرة.

1- التحول من عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب:

ورغم ما ذكرته في النقطة السابقة إلا انه هناك إصرار ومع بدايات عِقد جديد لأن يتجه النظام العالمي نحو حالة أكثر توازناً وإن لم يكن توازناً مستقراً، فيبدو الأمر أن تعاظم قوى اقتصاد الولايات المتحدة والصين سيعود بالعالم إلى التكتلات ثنائية القطب في الحرب الباردة بين قطبين مختلفي الأيدولوجية كما كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.([1]) إلا أن الأمر في الوقت الحالي يعد مختلفاً، حيث إن الصين تختلف عن الاتحاد السوفييتي في التوجه السياسي الخارجي وفي طبيعة التنافس والتوسع عالمياً، كما أن الصين لا تسعى لأن تكون بديلاً يهيمن على العالم ويدير مساراته ويشكل نظامه. فمن المنتظر أن يتحول عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، أقطاب مختلفة القوى والأحجام، وذلك ارتباطاً بالمصالح القومية لكل دولة، فسوف يكون للأحلاف دور موازِ في التنافس، حيث تتفاعل مع بعضها في تنافس تكنولوجي واقتصادي وسياسي وعسكري وطبقاً للقدرات النوعية لكل قطب منها، وأيضاً من خلال تحالفات وشراكات أقل تحديداً وأكثر مرونة.([2]) ولذا ستستمر كفة القوة في صالح الولايات المتحدة.

[1]) Global Politics in the 21st Century, Robert J. Jackson, Page 125.

[2]) Strategic forecasting, Decade Forecast: 2020-2030, Toward a Multipolar World, 29/01/2020.

2- مستقبل القوى المتنافسة:

ستكون الولايات المتحدة والصين، مدعومتين بقوتهما الاقتصادية والسياسية والعسكرية أهم الأقطاب على الإطلاق، حيث تلعب كل من روسيا وأوروبا أدواراً مهمة وإن كانت أقل قوة، خاصة بعد الانهاك المتوقع للاقتصاد الروسي جراء أعباء طول مدة عمليتها العسكرية في أوكرانيا وشدة العقوبات الواقعة عليها سواء الأمريكية والغربية بل ومن قبل دول عدة حول العالم. وستظهر العديد من التحالفات والمواءمات الأصغر المركزة إقليمياً، سعياً لاستخدام مصالحهم المشتركة والموارد المجمعة للمناورة بشكل أفضل بين القوى الأكبر. فضلاً عن القوى الإقليمية والدول الفاعلة القادرة على تشكيل النظام الإقليمي في محيطها. وستبقى الولايات المتحدة لفترة تتخطى العقد القادم أكبر قوة من حيث الشمولية، مع الوضع في الاعتبار أن حصتها النسبية من القوة تتضاءل مقارنة بالصين. حيث ستعتمد الولايات المتحدة على التطور الهائل الحالي والمنتظر في قدراتها التكنولوجية، والتصدي للقوى التكنولوجية المنافسة، كما ستعمل على تنويع وتطوير اقتصادها المتشابك مع الصين وأوروبا.

ومن أهم ما يميز الولايات المتحدة في ميزان الهيمنة العالمي هو مشروعها القيمي الذي تطره معبراً عن سياساتها القومية والعالمية على السواء، فالقيم الغربية مثل الديمقراطية والحريات ودعم حقوق الإنسان والقدرة على التعبير والأقليات وحرية الاقتصاد في إطار العولمة وغيرها من أمور، جميعها يشكل بناءً متماسكاً للمشروع القيمي الأمريكي الذي تبني عليه الولايات المتحدة استراتيجياتها الكبرى كما يشارك في بناء سياساتها الخارجية في علاقاتها الدولية كما يستخدم المشروع القيمي الأمريكي في بناء التحالفات مع الدول الأوربية والعديد من الدول الآسيوية المتقدمة كاليابان وكوريا وغيرها. بل وتستخدم الولايات المتحدة تلك القيم كورقة ضغط حادة ضد أعدائها ومنافسيها بل وضد الدول المارقة عن مدارها عند اللزوم، وهو الأمر الذي تتصدى له بشدة كل من الصين وروسيا الاتحادية، بل وتستغله في كسب أصدقاء على حساب الولايات المتحدة وحلفائها. ومن أحد الأسباب التي لا تمكن القوى الكبرى الأخرى من تشكيل تحالفات مضادة سواء سياسية أو اقتصادية أو عسكرية هو أنها ليس لديها مشروع قيمي محدد وواضح يجمع حلفائها. ولقد استبدلت روسيا (على الأخص) المشروع القيمي الغربي بمشروع شعبوي قومي تسعي لتعميمه، ومشكلة هذا المشروع الرئيسية انه مضاد لفكره الاحلاف القيمية لأنه تم “تخليقه جينيا” لتفتيت المشروع القيمي الغربي والامريكي وليس لإقامة تحالفات حقيقية.

وأزعم أن واشنطن قد تنبهت لتصدعات المشروع القيمي الغربي تحت وطأة ضربات المشروع القومي الشعبوي المضاد من روسيا والمدعوم من الصين، والذي استغل بعض الاشكاليات الهيكلية فى قيم العولمة ومستوي تطور الديمقراطية الغربية لملاحقة ما أحدثته العولمة من تطورات مجتمعية، وعمدت ألي غض الطرف – على أقل تقدير- عن محاولة احتواء بوتين قبل تحركه العسكري، استثمار ارتفاع مستوي التهديد الوجودي تحت وطأة تحركات بوتين لاعادة توحيد صف المعسكر القيمي الغربي. والدليل على ذلك، القلق البالغ الذي ينتاب واشنطن ولندن من نتائج الانتخابات الفرنسية أبريل 2022، لأن فرضية فوز اليمين الفرنسي لها آثار كارثية على تماسك التيار (النيو ليبرال) الأوروبي ممثلا فى تيار ماكرون ذو التأثير العابر للحدود فى أوروبا، وبما يعني فشل أو عرقلة مساعي واشنطن فى إعادة توحيد معسكرها القيمي فى أوروبا على أقل تقدير.

ما اريد قوله أن المشروع القيمي الغربي به تصدعات ناجمة عن اختلالات هيكلية تدركها واشنطن منذ فترة ليس بالقصيرة وتري أعراضها بشكل واضح داخليا وفى أوروبا الغربية ولا تجد لها حلول حتي الآن. وتري فى المواجهة العسكرية الروسية الأوكرانية سبيلاً قوياً يمكن استغلاله لرأب تلك التصدعات الغربية، وهو ما يحدث بالفعل مع إحياء الناتو وإعادة ترابط دول أوروبا إقليميا وكذا مع أمريكا والدول الحليفة كندا، ودول على نفس النهج كاليابان وكوريا وسنغافورا.

بالنظر إلى الصين، نجد أنها تواجه تحديات داخلية ديموغرافية واجتماعية واقتصادية كبيرة، الأمر الذي يتطلب وقتاً وجهداً متواصلاً للتفاعل معها. ولذا، ستواصل الصين توسيع دورها العالمي، ولكن القضايا المحلية والإقليمية ستحد من اهتمامها وقوتها بشكل عام، ستستمر الصين في التركيز على العنصر الاقتصادي وعلى مبادرتها العالمية “الحزام والطريق”، إلا أن الأزمات الإقليمية المشتعلة والآخذة في التزايد والتعقيد ستشكل عائقاً شديداً أمام المبادرة الصينية العالمية، مع الوضع في الاعتبار أن كلّاً من الولايات المتحدة وروسيا لديهما خبرة وخيوط متداخلة في معظم الأزمات الإقليمية حول العالم، وهو ما لا تتمتع به الصين.

كما تواجه روسيا تحديات ديموغرافية واقتصادية شديدة للغاية على نحو متزايد، وخلال السنوات القادمة، من المرجح أن تخضع العلاقات الروسية الصينية لضغوط كبيرة حيث يفيد ميزان القوى لصالح بكين. فبالرغم من اتجاه الصين إلى التعاون مع روسيا في مواجهة الولايات المتحدة في الوقت الحالي، إلا أن العلاقات الصينية/ الروسية مستقبلاً ستواجه مشاكل، حيث تحاول روسيا تحقيق أكبر مكاسب إقليمية ممكنة على حساب الصين في عدة أقليم حول العالم.

في غضون ذلك، ستناضل أوروبا من أجل تكوين هوية جديدة حيث يتضح أكثر أن حلم أوروبا القومية لا يتناسب مع واقع النماذج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة المنتشرة عبر القارة. حيث يواجه الاتحاد الأوروبي الحالي العديد من التحديات ومنها خروج بريطانيا واحتمال خروج دول أخرى بعدها، والتنافس الاقتصادي والتكنولوجي المتزايد أمام الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن إصرار أوروبا على إفراز قوة عسكرية جديدة موازية لحلف شمال الأطلسي.

مستقبل الاستقرار العالمي بين الفرص والمخاطر:([1])

[1]) سابق, Strategic forecasting, Decade Forecast: 2020-2030, 2020.

من هذا المنطلق، فإن غياب الهيمنة العالمية المطلقة وغياب النظام العالمي ثنائي القطب اللذان يضمنا ولو بعض الاستقرار العالمي النسبي، بجانب أنه قد تؤدي التحديات التي يفرضها انتشار التقنيات وإحياء القومية الاقتصادية والضغوط على التوقعات الاقتصادية إلى زيادة الصراع المحلي والإقليمي. كل ذلك سيؤثر على التحالفات الصغيرة في العالم، وعلى الترتيبات والتدفقات التجارية، وسيزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، حيث سيفرز عالماً أكثر هشاشة وخلافية.

وسط هذا التقلب، ستظهر مناطق الفرص الاقتصادية والنمو. حيث سيتوفر في مناطق جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا والمنطقة العربية وأمريكا الجنوبية التوسع السكاني المليء بالشباب وتزايد التحضر وتطوير البنية التحتية. وإذا كانت هذه المناطق قادرة على الاستفادة من اتجاهات التكنولوجيا، وعدم تجاوزها، فستصبح على استعداد لتكون محركات للنمو العالمي. وهي تقف على النقيض من الجزء الشمالي من العالم (أوروبا)، حيث السكان في مرحلة عمرية أكبر ونشاط أقل واستهلاك محدود أو متراجع، مما يبطئ من معدلات الاستهلاك ورأس المال المتاح. وسيعمل الانقسام الديموغرافي على تنشيط المشاعر القومية، حتى عندما تكون الهجرة هي الشيء الضروري اللازم لتخفيف الأعباء الاجتماعية في كل من الشمال والجنوب. ستظهر مقاومة واضحة للعولمة، حيث تتعارض المصلحة الوطنية مع الاتجاهات الإقليمية والعالمية، وستؤدي التحديات الديموغرافية والاقتصادية إلى التركيز على الداخل المحلي، وهو ما يتضح في سياسات دونالد ترمپ خلال فترة رئاسته الأولى.([1])

[1]) Center for American Progress, Trump’s National Security and Foreign Policy Failures: Year One, 17/01/2018.

ثانياًالتطور في طبيعة التنافس بين القوى الكبرى:

1- في المجال السياسي (حدود التحالفات):

كما تم التوضيح سلفاً، دون هيمنة عالمية منفردة، أو أقطاب متنافسة محددة، ستكون الدول أكثر حرية في السعي إلى علاقات نفعية لمصالحها منفردة، مما يؤدي لتحالفات أكثر اتساعاً وأكثر مرونة كبديل عن التحالفات الشاملة، حيث ستقاوم الدول الشراكات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية المنفردة. فسنجد من الشائع أكثر أن تكون هناك روابط اقتصادية مع شريك، وعلاقات أمنية مع آخر بشكل متداخل بين القوى الدولية، وذلك على الرغم من الدعوات إلى حلول إقليمية وعالمية. على سبيل المثال، ظهرت في العقد الماضي تركيا، وهي الدولة المراقب وعضو المنتدى النووي بمنظمة شنغهاي للتعاون([1]) وهي في الوقت نفسه من أقدم أعضاء الناتو والأكبر مشاركة به. ويتوقع تكرار هذا الأمر مع دول أخرى بالاتحاد الأوروبي أو ضمن شراكات تعاون مع الناتو كدول الحوار المتوسطي ودول مبادرة إسطنبول للتعاون، خاصة مصر وبعض دول المنطقة كإيران أو السعودية والإمارات، إلا أن تركيا تعوق من هذا الأمر.

وأعتقد أنه في غضون ذلك وعلى المدى القريب، سيستمر التعاون في إطار شراكات استراتيجية صينية/ روسية بلا حدود (وليس تحالفات الصين وروسيا) في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. لكن البلدين لا يزالان شديدي الحذر من قوة ودوافع بعضهما البعض، حيث ستبدأ روسيا في مقاومة مبادرة الحزام والطريق الصينية، بحيث سترى ما يتم لصالحها والذي يتضمن البنية التحتية الصينية والاتصال الممتد عبر آسيا الوسطى (السوفيتية القديمة) وأوروبا الشرقية، عبر حوض المحيط الهندي وشمالاً عبر القطب الشمالي، كتغليف ثلاثي لحماية مجال نفوذ روسيا السابق في تلك المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية لها. وبدلاً من التهديد، اعتبرت روسيا بكين فرصة لدعم الاقتصادات الإقليمية. فالصين نشطة في المجال الاقتصادي في بلدان آسيا الوسطى، وبما يعود بالنفع على مجالات المصالح التقليدية لروسيا والصين. وإن روسيا تريد أن ترى المزيد من التكامل بين مبادرة الحزام والطريق والمجموعات الاقتصادية والأمنية الرئيسة في آسيا الوسطى”.

تسعى روسيا لتحقيق مصالح اقتصادية من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية، إلا إن التداعيات السياسية على دول المنطقة الواقعة في نطاق النفوذ الروسي لن تستطيع روسيا تحملها على المدى البعيد، خاصة مع بدء تنفيذ الاستراتيجية اليابانية المنافسة “إيندو-باسيفيك “منطقة حرة ومفتوحة” حيث تعد منطقة وسط آسيا ضمن نطاقها.

ولم يعد الأعضاء الخمسة الدائمون بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمثلون توزيع القوة والنفوذ العالميين، ومع اشتداد المنافسة على القواعد والمعايير العالمية، من المرجح أن يكون إصلاح مجلس الأمن قضية خلافية خلال السنوات العشر القادمة على الأكثر، وبالمثل منظمات دولية أخرى تشارك فيها تلك الدول.

[1]) ESIWeb, Shanghai Cooperation Organization and Prospects of Development in The Eurasia Region, Prajakti Kalra and Siddharth S. Saxena, P4.

وستستمر روسيا في التصدي لأي محاولات لانتشار الناتو والولايات المتحدة شرق أوروبا مهما كلفها ذلك، كما ستستمر في دعم الأنظمة العربية التي تستاء من التدخل الغربي في شؤونها الداخلية.

وبالنسبة للصين، فهي تهدف في المنطقة لضمان أمن الطاقة ونجاح مبادرة الحزام والطريق وضمان سوق عربية إفريقية تستوعب المنتجات الصينية مع حماية أيديولوجيتها الشيوعية من تمدد الهيمنة الغربية. وفي حالة تزايد تمدد الولايات المتحدة أمام روسيا من جانب وفي شرق آسيا والباسيفيك من جانب آخر، ستضطر الصين إلى العمل على إيجاد حلول سياسية وأمنية وعسكرية بالتنسيق مع روسيا ودول صديقة أخرى، وبما يضمن تحقيق حماية الأمن القومي الصيني ومصالحه حول العالم ومنها في عقر دار الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، مع استمرار مساعيها في انتزاع حلفاء الولايات المتحدة، ليس في الشرق الأوسط فقط، ولكن أيضاً في وسط وجنوب شرق آسيا وفي الباسيفيك وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

وبشكل عام، ستزيد الصين خلال السنوات المقبلة من وجودها السياسي والاقتصادي في تلك المناطق، مع استمرار التعاون الاقتصادي في قلب هذا الجهد. والأهم من ذلك هو اهتمامها بالحفاظ على علاقات إقليمية من منطلق أنها قوة عظمى قادمة، وبما يعزز نفوذها السياسي. فالصين تفضل التعددية بدلاً من انفرادها بأحادية القطبية لصعوبة ذلك على قدراتها وخبراتها العالمية مقارنة بالولايات المتحدة وروسيا. فهي تسعى إلى توسيع نفوذها السياسي في مواجهة الولايات المتحدة من خلال وساطتها في تسوية النزاعات في عدة مناطق حول العالم وعلى رأسها الشرق الأوسط. وعلى أكثر من نحو، ترقى العلاقة بين الصين ودول العالم إلى محاولة للتحوط ضد الهيمنة الأمريكية.

وبالنسبة لمستقبل العلاقات الأمريكية/ الصينية، هل ستستمر في حالة تنافس بين البلدين أم إحلال تدريجي بواسطة الصين لنفوذ الولايات المتحدة أم ستدفعهما الأمور للوصول إلى الجلوس على طاولة التفاوض؟([1])

أرى أن التعاون الأمريكي/ الصيني التام والشامل غير ممكن. ومع ذلك، تعتبر المفاوضات والحوار الاستراتيجي بين البلدين فيما يتعلق بمصالحهما ضرورة استراتيجية لكليهما، خاصة مع صعوبة قيام الصين بملء الفراغات الأمنية للولايات المتحدة وإحلال محلها في التفاعل مع أزمات المنطقة كافة. على الرغم من العديد من الاختلافات الجوهرية والمنافسة الشديدة بينهما، سيكون على كل منهما دراسة القضايا الهامة، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تقلل من سياستها في اتخاذ القرارات منفردة، وبالتالي قد تقبل الصين فكرة التعامل عن كثب مع دولة إمبريالية ذات أيديولوجية مهيمنة. قد تمهد اقتصاداتهما المترابطة الطريق للنمو المشترك أكثر من التنافس المكلف، مع الأخذ في الاعتبار أن الدعوات المتبادلة التي اقترحها كل منهما للمشاركة في مبادرة الآخر (استراتيجية إيندو-باسيفيك منطقة حرة ومفتوحة ومبادرة الحزام والطريق).

[1]) نتائج لقاء المؤلف مع مسؤول صيني حول مستقبل التنافس/ العلاقات الصينية – الأمريكية في الشرق الأوسط، أبو ظبي، 5 يناير 2020.

2- في المجال الأمني (حدود القوة):

الولايات المتحدة وأوروبا:

ربما كان من المرجح أن الولايات المتحدة ستقلص من تدخلها في قضايا الدول بمناطق الاهتمام بالتوقف عن جهودها في مكافحة الإرهاب ومحاربة الحكومات الديكتاتورية وغيرها من أمور، كخطوة للتحول إلى التركيز على التنافس العالمي أمام الصين وروسيا في مناطق موارد النمو الاقتصادي. من منطلق أن الإرهاب مستمر طالما جذوره باقية، والولايات المتحدة مهما كانت قوتها الاقتصادية عليها القيام بتحديد الأولويات. إلا أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ستحول مسار الولايات المتحدة للعودة لفكرة محاربة الأنظمة الديكتاتورية التي تعتبرها واشنطن مرتكزات قوة لروسيا والصين.

وهذا لن يمنع أيضاً استمرار الولايات المتحدة على العقيدة “الواقعية” من خلال مبدأ “القيادة من الخلف” في مناطق الصراعات والتي ينتشر فيها الإرهاب، على أن تقوم الإدارات المتعاقبة بتشجيع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية على تحمل المسؤوليات الأمنية في داخل بلادها ومحيطها الإقليمي، مع تدخل واشنطن من حين لآخر فقط حيث تعتبر منطقة الشرق الأوسط مهمة استراتيجيّاً للولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، ستزيد الولايات المتحدة من تركيزها على آسيا والتي تتوقع منها ما يقرب من 50% من النمو الاقتصادي الأمريكي الخارجي، كما ستزداد تركيزاً في إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، المهم أن تنهي الأزمة الأوكرانية ضد صالح روسيا وبشكل يمكن من انهاك حقيقي لقدراتها.

وستستمر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الوقوف على أرضية واحدة على الصعيد الأمني من خلال الناتو مع تعظيم قوته خاصة بعد الحرب الروسية في أوكرانيا. وستقلل الولايات المتحدة من تنافسها الاقتصادي مع أوروبا حفاظاً على الأرضية الأمنية المشتركة بينهما، في محاولة لحماية أوروبا من التوسع الأمني الروسي وضمان حرمان الصين من التوسع الاقتصادي فيها ايضاً. فيما تكافح أوروبا من أجل تماسكها الداخلي والذي تعتبره أوروبا أمراً حيوياً يهم الأمن القومي لكل دولة من دول الاتحاد الأوروبي.

وستشهد أوروبا تطوراً مستمرّاً لدورها الأمني ​​خارج حدود الناتو. إن التحول في موقف الولايات المتحدة بشأن الشرق الأوسط وجنوب آسيا في المحيط الهندي، والتأثيرات العكسية على آسيا الوسطى، ستسحب روسيا والصين في نهاية المطاف إلى اتخاذ نهج أكثر نشاطاً، مما يجبر بكين على أمرين، الأول التفاعل مع الأزمات الإقليمية في عدة مناطق، والثاني، ربما خروج الصين في نهاية المطاف عن تحفظها لاستخدام قواتها العسكرية خارج بحر الصين الجنوبي، لضمان الاستقرار الأمني في مناطق الاهتمام والتفاعل مع أي عائق قد يعطل المبادرة الصينية العالمية، الأمر الذي ستقل فرصه بعد ما واجهته السمعة العسكرية الروسية في الحرب  أمام أوكرانيا والدعم الغربي المتواصل للأخيرة وهو ما لا تتمناه الصين أبداً أن يحدث معها. وبالنظر لروسيا، ستضطر أيضاً من تكثيف تواجدها العسكري في شرق أوروبا والبحر المتوسط أمام الولايات المتحدة والناتو.

أتوقع تزايد مساعي السيادة التكنولوجية والسيبرانية بواسطة القوى الكبرى الثلاث، خاصة مع دواعي الأمن القومي وزيادة أسلحة الحرب السيبرانية، فمع الأنظمة الحالية يسهل تعرض الأنظمة السيبرانية للهجمات الخارجية التي تقوم بالسرقة والتجسس والتعطيل وغيرها من عمليات تخريبية، وهو ما وضح بقوة في الحرب في أوكرانيا.

وأتوقع زيادة قوة التحالفات الأمريكية مع الناتو والاتحاد الأوروبي والأوكوس في الباسيفيك وتطور حلف استخبارات الأعضاء الخمسة (The Five Eyes) والمتضمن خمس دول غربية كبرى ناطقة باللغة الإنجليزية أن يصبح قوة عسكرية (إنجلوفونية) بقيادة الولايات المتحدة.

3- في المجال الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي (حدود العولمة):

ستفرض التطورات الديموغرافية والاقتصادية والتكنولوجية الضغوط والمساحة اللازمة لإعادة تشكيل أنماط التجارة العالمية المعتادة منذ أواخر الثمانينيات. وستستمر عولمة الاقتصاد، لقد وصلت الاتفاقات التجارية الشاملة متعددة الأطراف إلى آخر حدودها بسبب تعقيدها وجمودها، ولذا يرى مراقبون أنها سيتم استبدالها بترتيبات تجارية ثنائية ستكون أكثر مرونة. إلا أنه بمرور الوقت ستتعارض بنودها مع أطر التجارة متعددة الأطراف تعظيماً للمصلحة الثنائية على ما تفرضه الأطر التجارية المشتركة والجماعية من قيود.

ويتوقع نموّاً اقتصادياً عاماً أبطأ خلال العِقد الجاري 2020-2030 وذلك رغم تواجد مناطق نمو محلية في العديد من الدول الأقل تطوراً، ورغم تطور هياكل التفاعلات التجارية والديموغرافية. ومن المتوقع أن يكون للركود الاقتصادي الأوسع تأثيرات اجتماعية، حيث تظل التوقعات بالارتفاع المستمر في الرخاء وفرص العمل بعيدة المنال، سواء كان ذلك بسبب التضخم السكاني في الجنوب وتحديداً في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وآسيا، أو في أوروبا حيث لا يتاح المجال لوظائف جديدة بالكم الكافي.

ورغم مساعي السعودية ودول أخرى مثل الهند وغيرها للتعامل بالعملات المحلية في التجارة مع الصين وروسيا تجنباً للعقوبات الأمريكية، إلا أن الصين لا اعتقد أنها ستفعل ذلك رغم مصالحها الظاهرية، حيث أن الصين تمتلك سيف السندات الدولارية الدائنة للولايات المتحدة، وحالة التعامل باليوان ستقتل نفسها بالسيف الذي تمتلكه، حيث ستحرق قيمة تلك السندات الدولارية بتحويلها إلى اليوان الصيني. وسوف تستمر التحديات داخل أوروبا في إضعاف الـ”يورو”.[1]

وستنشأ المزيد من الاضطرابات من التحولات في أنماط تجارة الطاقة والسلع، وتوسيع الطرق البحرية والبرية الجديدة (مدفوعة بمبادرة الحزام والطريق الصينية)، والقومية الاقتصادية.

ستؤثر المنافسة الاقتصادية، ومخاوف الأمن القومي على مبادرات البحث والتطوير العلميين، مما يزيد من صعوبة تدفق الأفكار بحرية بين القطاعين الخاص والحكومي وعبر المناطق الجغرافية. سوف تتباين التطورات في الذكاء الاصطناعي ومشاريع البيانات الضخمة الأخرى بناءً على اللوائح المتعلقة بجمع وتخزين البيانات. ستؤدي التجزئة إلى زيادة وتيرة ونطاق التجسس السيبراني في القطاعين الخاص والعام. مما يشير لثمة تباينات ضخمة في المعارف ستظهر وبقوة بين الكتل الاقتصادية السياسية/ الأقاليم الجغرافية بعضها البعض، وهو أمر له آثاره على قدرة المشروع القيمي الغربي على الاستمرار في الهيمنة.. فهو مشروع لا يقتصر فقط على فتح أسواق مستهلكة للمعارف في الأقاليم المستقبلة لها، ولكنه مبني على قدر من التشاركية وإتاحة الفرصة حتى في الأسواق المستقبلة بهدف الفرز واستقطاب أفضل العناصر التي يمكنها أن تستمر في إمداد المشروع بمعارف جديدة

وأتوقع المزيد من تجزئة البنية التحتية العالمية للاتصالات والمعلومات خلال العقد المقبل. تقع هذه الأنظمة عند تقاطع مسائل الأمن القومي وسيادة المعلومات واستمرارية الأعمال والحرية الشخصية. تمثل أوروبا والولايات المتحدة والصين مناهج مختلفة لخلق توازن بين هذه المصالح، وكلما أوجدت بيئات تنظيمية مختلفة، سيكون من الصعب على الشركات العمل بحرية، مما يؤدي إلى إعادة تشكيل سلاسل توريد التكنولوجيا. على مدى العقد، يمكن أن تتراكم هذه الاتجاهات لإنشاء مجالات مختلفة من البنية التحتية للتكنولوجيا.

وقد يكون التقدم في إنتاج الطاقة البديلة وتخزين الطاقة على نطاق واسع وتكنولوجيا الشبكة الذكية مفيداً في إنتاج الطاقة وتوزيعها كما فعلت الخدمات الخلوية للاتصالات السلكية واللاسلكية. ستسمح هذه التطورات التكنولوجية ببناء شبكات نقل محلية أصغر حجماً يمكنها – بحلول نهاية العقد – أن تيسر التوسع السريع في كهربة الريف، مما يوفر فرصاً تعليمية وصحية وفرص عمل جديدة إلى المزيد من الأماكن.

كما يتوقع تسارع سباق الفضاء، حيث تتنافس الدول على تقنيات الإطلاق وأنظمة الاتصالات والتصنيع التجريبي القائم على الفضاء. وبما أن أنظمة الأقمار الصناعية تشغل أدواراً مهمة في البنية التحتية للاتصالات والمعلومات والأمن القومي، مع اشتداد سباق الفضاء، فإن عسكرة الفضاء ستزداد.

وسيؤدي تغيير أولويات إنتاج الطاقة ونقلها إلى إحداث تغييرات في قطاعات الطاقة والسيارات والبنية التحتية. ستكون أوروبا بمثابة اختبار للتأثيرات الاقتصادية لاتخاذ إجراءات أكثر قوة تجاه الطاقة والنقل، ولكن هذا قد يؤدي أيضاً إلى تفاقم الخلافات بين دول أوروبا.

[1]) نتائج النقاش مع مسؤول صيني.

4- في المجال الاجتماعي والبيئي:

أرى نطاق الاختلافات بشكل خاص في المجالات التي تتداخل فيها الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ولكن أيضاً في مجالات متنوعة مثل السياسة الزراعية ومعايير الصحة النباتية. في هذا، نرى اختلافاً مستمرّاً ليس فقط بين الولايات المتحدة والصين، ولكن أيضاً بين كل منهما وأوروبا. في حين أن هناك العديد من مجالات التعاون بين هؤلاء الثلاثة أو فيما بينها، فإن العقد القادم سيشهد مزيداً من التمزق في الإجماع العالمي، وظهور معايير ولوائح متنافسة ولكن ليست متباينة تماماً. ورغم تفوق الولايات المتحدة في القوة والنفوذ بالمنطقة العربية، وتفوق روسيا في النفوذ، وكلاهما مقارنة بالصين، فإن الصين تتمتع بقبول وشعبية كبيرين بين شعوب المنطقة، الأمر الذي سيكون له مردود داخلي قوي على صناع القرار بالدول العربية لزيادة تواجد الصين ونفوذها في المنطقة. وستكون التأثيرات المادية الأكثر أهمية لتغير المناخ هي التقلبات المتزايدة للظواهر الجوية الحادة، إلى جانب النقص المائي الحاد، وبعض الموارد الغذائية. ولكن التأثيرات الأكثر إلحاحاً ستكون محسوسة على المستويين السياسي والاجتماعي.

ثالثاًومن ثم أرى أنه يمكن استشراف الآتي:

1- لضمان الاحتفاظ بقوتها، أتوقع تراجع الولايات المتحدة عن الانفراد بالقرارات الدولية بمحض إرادتها على أن تستمر في مساعي وجهود الهيمنة على النظام العالمي أو تعديل مساراته السياسية والاقتصادية والأمنية لضمان الإنفراد بإعدة صياغته وبما يمكنها من الانتصار الدائم على منافسيها. خاصة مع تضررها من أزمة فيروس كورونا المستجد والتحول من عولمة إلى أقلمة التجارة.

2- استمرار الصين في مساعيها الدؤوبة في التقدم نحو عالم متعدد، ولكنها تتلقى ضربات شديدة أهمها، بجانب الضغوط الأمريكية وخسائر وباء فيروس كورونا المستجد، ما يطلق عليه مؤخراً (تشي إكزيت – CHIEXIT)، وهو ما يشير إلى تخلي الشركات الدولية متعددة الجنسيات خاصة الأمريكية والأوروبية واليابانية عن الصين، وإيقاف الصفقات الكبرى معها.

3- بظهور عالم ذي قطبين سيكون لدى روسيا، الأشد ضعفاً اقتصاديّاً والمنهكة من فيروس كورونا المستجد وتداعيات الحرب الأوكرانية، فرصة محاولة تأكيد إثبات دورها كقطب عالمي ثالث في عالم متعدد الأقطاب. الأمر الذي لن يكتمل إلا بدعم الصين، وهو ما لن يحدث أبداً، لي فقط لشدة ضعف روسيا ولكن أيضاً لأن الصين لا تريد روسيا قوية بأي حال من الأحوال.

إلا أنني أتوقع، على المدى المتوسط والبعيد، تفكك روسيا الاتحادية مستقبلاً كما تفكك الإتحاد السوفيتي منذ 31 عاماً.

ولتصور ذلك، يمكننا ملاحظة كم الدول التي خسرتها روسيا القيصرية ثم الاتحاد السوڤيتي رغم أنه كان يعتبر قطباً عالمياً مناظراً للولايات المتحدة في وقت لم تكن الصين كما هي عليه اليوم، حيث كان الاتحاد السوڤيتي العملاق أقوى من اليوم بمراحل.. وأزعم أن أحد أهم أسباب ذلك، هو طبيعة سياساته الداخلية والخارجية، فضلاً عن سياسته لمواجهة التحديات، والأهم والأسوأ، إصرار الاتحاد السوڤيتي على التمسك بمشروع (شعبوي قومي) هدفه الرئيسي إعلاء مفهوم الهيبة والسمعة الذاتية السوڤيتية واستهداف سمعة ومواطن ضعف المشروع (القيمي) المضاد.

ولك أن تتوقع حجم ما يمكن أن تخسره روسيا الاتحادية مستقبلاً من أراضيها مع استمرار ممارستها نفس السياسات ونفس المشروع الشعبوي القومي الحنجوري الذي لا جدوى منه.

الأمر الذي قد يتطلب من روسيا الاتحادية، بغض النظر قليلاً عن الولايات المتحدة وأوروبا، أن تفكر بجدية في سياسات واستراتيجيات بديلة تستهدف تلافي مواطن ضعفها وهشاشتها الحقيقية وبما يجعل منها دولة أكثر تماسكاً واستقراراً، مع وضع خطة محكمة لبناء تحالفات اقتصادية وسياسية وعسكرية ارتباطاً باستراتيجية عامة كبرى أكثر هدفية ومرونة، تمتلك قيم استراتيجية خلاقة وبناءة، تدعم قيام هذه التحالفات في هيئة متماسكة قوية ومستدامة، قادرة على جذب الحلفاء وليس انتزاعهم بالقوة.

4- أما الوضع الأشد خطورة فهو غياب الهيمنة العالمية سواء منفردة أو متعددة القطبية، أن أن تضعف مشتملات القوة المهيمنة الأمريكية دون ظهور قوة بديلة تملأ الفراغات الكبيرة التي ستتركها، وهو ما اعتبره أمر شديد الصعوبة، وإلا سنجد حالة من الزعر والغزو العسكري المتبادل وانهيار نظم الحوكمة.

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل

 

 

شارك

administrator