أولاً: مقدمة:
حالياً يقوم الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيارات رسمية لإسرائيل والسعودية، في وقت يتزامن مع عقد القمة الخليجية بالرياض بحضور زعماء دول مجلس التعاون الخليجي وكذا زعماء دول مصر والأردن والعراق.
كما هو معلن، تتركز زيارة بايدن لإسرائيل على تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية فضلاً عن تطور التحركات الأمنية الإسرائيلية في الشرق الأوسط بالتنسيق مع الولايات المتحدة والدول العربية السنة التي تزداد تقارباً مع إسرائيل في الوقت الراهن مقابل التهديدات الحالية التي تواجهها الدول العربية في المنطقة.
أما عن اجتماع الرياض، فبجانب ما أعلنه بايدن بأنه سيتناول أزمة حقوق الإنسان في المنطقة العربية، ستتركز زيارة بايدن للرياض على الوصول لقرارات محددة بشأن أزمة الطاقة وأزمة الغذاء العالميين والاتفاقية النووية الإيرانية وتطورات الدفاع الإقليمي المشترك ضد إيران.
حيث تأمل الولايات المتحدة في أن تشهد زيادة إنتاج أوبك في الأسابيع المقبلة. ومن المتوقع أن يضغط بايدن على منتجي الخليج الآخرين لضخ مزيد من النفط. يجتمع تحالف أوبك + ، الذي يضم روسيا ، في 3 أغسطس.
كما سيتم مناقشة قدرات الدفاع الصاروخية الإقليمية، حيث يسعى بايدن لدمج إسرائيل في محور جديد ارتباطاً بالمخاوف المشتركة بشأن إيران. وفي هذا الصدد، سيجري بايدن محادثات ثنائية مع قادة مصر والإمارات العربية المتحدة والعراق قبل المشاركة في القمة الأوسع، حيث سيحدد رؤيته بوضوح وبما يحقق استراتيجية أكثر وضحاً وتحديداً للمشاركة الأمريكية في الشرق الأوسط.
ثانياً: اعتبارات:
تواجه الولايات المتحدة حالياً، بل والمعسكر الغربي بأكمله، صراعاً حقيقياً بين القيم الاستراتيجية الغربية مثل قضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان ونفاذ القانون ودعم التحالفات وغيرها، وبين المصالح الغربية كأزمة النفط العالمية وموقف ربط النفط بالدولار الأمريكي وضمان السيطرة على أمن الممرات الملاحية وتجارة السلاح واستعادة ثقة حلفاء الولايات المتحدة في واشنطن من الدول العربية خاصة دول الخليج العربي ومصر والأردن والعراق.
أنه في الوقت الذي يزور في بايدن الرياض يقوم الرئيس الروسي بوتين بزيارة تجمع إيران وتركيا في طهران، ارتباطاً باتفاقية الأستانة والأزمة السورية. إلا ان زيارة بايدن بالتأكيد تضغط من الاتجاه الآخر المعاكس لاتجاه زيارة بايدن.
أن بايدن هو من يقوم بزيارة الرياض، في وقت عصيب ولكنه يمثل فرصة تجمع زعماء الدول العربية الأهم ذو معظم الاهتمامات والتهديدات المشتركة.
أن الرياض وأبوظبي قد أُصيبتا بالإحباط بسبب الشروط الأمريكية بشأن مبيعات الأسلحة واستبعادهما من المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي يرون أنه معيب لعدم معالجة المخاوف الإقليمية بشأن برنامج طهران الصاروخي وسلوكها.
رغبة دول الخليج الشديدة وخاصة السعودية والإمارات والبحرين في وضوح وتحديد موقف الولايات المتحدة بشأن أمن الخليج، الأمر الذي تراه دول الخليج يتعارض مع الاتفاقية النووية، وتراه إسرائيل تقييد لحريتها في مواجهة إيران عسكرياً.
تأتي زيارتي بايدن لإسرائيل والرياض ومقابلته للزعماء العرب في مصلحة إسرائيل والخليج، إلا أنها تعد مستفزة وفارقة من وجهة نظر روسيا والصين وإيران.
ثالثاً: أهم التحديات التي تواجه زيارة بايدن الحالية للشرق الأوسط:
تزايد تحامل الرأي العام الداخلي الأمريكي والأوروبي والشرق أوسطي على بايدن ارتباطاً بالحرب الروسية الأوكرانية، وذلك مع زيادة أسعار النفط وأزمة الغذاء والتضخم العالمي.
تزايد الضغط الأمريكي الداخلي على بايدن بشأن قضايا حقوق الانسان وتذكيره بتصريحاته ووعوده الانتخابية التي استهدفت السعودية بالذات بشكل مباشر.
أن الفرقة الحقيقية، هي بين بايدن ومحمد بن سلمان وليست بين واشنطن والرياض. فرغم التقارب الأمريكي السعودي مقارنة بالمسافة بين الإمارات والولايات المتحدة، إلا أن هناك تباعد شخصي واضح بين بايدن ومحمد بن سلمان، الأمر الذي يخلق أزمة عابرة بين البلدين تتركز في ترتيبات زيارة بايدن الحالية للرياض.
كبر حجم ومدة جهود تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية ارتباطاً بالتطبيع الإماراتي والبحريني الكامل مع إسرائيل، والتطبيع المصري/ الإسرائيلي المنقوص.
أن إيران ليست تهديد مشترك لجميع الدول العربية، ولا حتى لجميع الدول الخليجية، فهناك موائمات واضحة بين قطر وإيران تسببت في المقاطعة الخليجية الثلاثية ضد قطر، وكذا موقف سلطنة عُمان المناهض للتحركات السياسية والأمنية السعودية الإماراتية في المنطقة، فضلاً عن الموائمات غير المعلنة بين الإمارات وإيران، والتي إعلنت مؤخراً وقد تصل في المستقبل القريب إلى تبادل التمثيل الدبلوماسي.
ظهور ملامح ما يمكن تسميته بـ “التطبيع الإسماعيلي” والذي افترض أنه قد ينشأ بين إيران والدول الخليجية والعربية والإسلامية، وذلك بالتأكيد على حساب “التطبيع الإبراهيمي”. الأمر الذي يرتبط بالتنافس المتزايد بين الولايات المتحدة راعية التطبيع الإبراهيمي والصين (والتي قد ترعى التطبيع الإسماعيلي).
تزايد حدة عدم الثقة الخليجية/ العربية تجاه الولايات المتحدة.
ارتباطاً بطبيعة العلاقات بين الدول العربية والإسلامية وبين الدول العربية وغير العربية في الشرق الأوسط، تضفي صعوبة بالغة على سواء فكرة (ناتو عربي) أو (ناتو شرق أوسطي) في الشرق الأوسط، وذلك مقارنة بالتعاون العسكري والأمني الثنائي بين الولايات المتحدة والدول العربية (كل على حده)، حيث إن التعاون الثنائي أسرع في الإجراءات وأكثر فاعلية في التأثير.
رابعاً: الاستنتاجات:
أرى أن الهدف الرئيسي الحالي للولايات المتحدة هو: ضمان عدم السماح بوجود فراغ في الشرق الأوسط تملأه الصين وروسيا، وذلك من خلال ضمان الاحتفاظ بحلفاء الولايات المتحدة الأهم في الشرق الأوسط وتحديداً دول الخليج العربي ومصر والعراق والأردن، في مواجهة الصين وروسيا، وتأكيد واشنطن أنها الضامن الأمني الوحيد لسلامة واستقرار دول الخليج.
قيام الولايات المتحدة بتعظيم التطبيع الإسرائيلي الخليجي وبما يجمع حلفائها، ليس أمام إيران فقط، ولكن أمام الصين، التي من المتوقع في رأيي أنها تدعم التطبيع الإيراني الخليجي/ العربي، كاتجاه مضاد.
تزايد فرص استخدام إسرائيل القوة ضد إيران لضرب مفاعلاتها النووية، الأمر الذي رفضه زعماء الولايات المتحدة السابقون (بوش وأوباما والبنتاجون إبان فترة رئاسة ترمب).
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل كلية الحرب العليا/ أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل
المصادر:
America’s New Realism in the Middle East
https://reader.foreignaffairs.com/2022/07/06/americas-new-realism-in-the-middle-east/content.html
How to know if Biden’s Middle East trip is a success
Gargash: Abu Dhabi is sending an ambassador to Tehran and wants to rebuild relations with it
Biden hopes for Israeli integration at Arab summit in Saudi