سيشمل هذا التقدير خمس نقاط رئيسية والتي تتناول الموقف الحالي في الصراع الروسي – الاوكراني من حيث:
- مدى تقدم الروس في الاراضي الاوكرانية.
- مدي تحقيق العملية العسكرية الروسية لأهدافها في أوكرانيا حتى الآن.
- حجم الدعم العسكري واللوجستي الغربي لاوكرانيا ومدي تأثيره علي تطور العمليات العسكرية؟
- هل تهدف / تستطيع روسيا عزل اوكرانيا عن اي منفذ بحري وجعلها دولة حبيسة في ضوء استهدافها لاوديسا؟
- هل لو استجاب الناتو للمطالب الاوكرانية في الاسلحة الحديثة والثقيلة يمكن ان يؤدي ذلك لتغيير جذري في موازين القوي؟’
أولاً: مدى تقدم القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية (الأعمال السابقة والحالية):
تستمر القوات الروسية لتعديل خطط هجومها، مما يجهد قادة مجموعات القتال وقادة السرايا والفصائل بشكل كبير للجانبين المتحاربين على السواء. إلا أن النقطة الإيجابية للقوات الروسية أنها تعدل من أخطائها التكتيكية خاصة في الدفاع الجوي، وذلك لسبيين، الأول حرمان القوات الجوية الأوكرانية من تكرار عمليات اختراقها الحدود الروسية واستهداف مخاذن وقود والذخيرة ومحطات الكهرباء في العمق الروسي، والثاني التصدي للطائرات المسيرة الأوكرانية.
وتعمل حالياً أنظمة الدفاع الجوي الروسية المعززة شرق أوكرانيا بكفاءة، مما يقوض القدرة الأوكرانية الرئيسية في الحرب. فقد أدى ذلك إلى الحد من قيام القوات الأوكرانية بشكل كبير من استخدام طائرات بيرقدار التركية المسيرة، والتي تم استخدامها بشكل كبير في وقت سابق من الحرب، وذلك بسبب التغير في أساليب قتال الدفاع الجوي الروسية عما سبق. ولذا تتراجع القوات الأوكرانية أيضاً عن استخدام الطائرات المسيرة التي قدمتها الولايات المتحدة “جراي إيجل” خوفاً من أن يتم إسقاطها فوق إقليم دونباس. وقد قلصت القوات الأوكرانية العمليات الجوية إلى 20 إلى 30 طلعة/ طيران/ يوم (ط/ ط/ ي)، حيث تواجه أوكرانيا عجزًا في الطائرات المتاحة مقارنة بحجم الطيارين المتاحين حالياً. وجديرٌ بالذكر أن القيادة العامة الأوكرانية استدعت جميع الطيارين المتقاعدين من رتبة النقيب فأعلى القادرين على تنفيذ طلعات قتال أو تدريب الطيارين الجدد. حيث تحتاج للطلعات الجوية في تدمير وسائل الدفاع الجوي ومصادر النيران ومراكز القيادة والسيطرة الروسية، وكذا لتأمين القوات الأوكرانية عند شن الهجمات المضادة، خاصةً مع انتشار حقول الألغام المختلطة شديدة الكثافة التي تركتها القوات الروسية ورائها قبل انسحابها من بعض الخطوط المستولى عليها.
إلا أن القوات الأوكرانية في وسط هذه الظروف تمكنت من تنفيذ هجمة جوية بطائرات مسيرة، تحمل ذخائر خاصة، استهدفت مصفاة نفط روسية في “نوفوشاختينسك”، بمقاطعة “وستوف” الروسية خلال يوم 119 عمليات، 22 يونيو 2022، والواقعة بعمق (15) كم داخل الحدود الروسية. وذلك بهدف تعطيل القدرات اللوجستية الروسية وإمدادات الوقود لعمليتها شرق أوكرانيا.
وتواصل القيادة الأوكرانية زيادة طلباتهم من الأسلحة المعدات الهجومية والدفاعية، لا سيما فيما يتعلق بالقدرات اللازمة لمكافحة تفوق المدفعية الروسية، حيث وصلت المقارنة في عدد قطع المدفعية بين الجانبين الروسي والأوكراني إلى (15 : 1). حيث تحتاج القوات الأوكرانية لمدفعية بعيدة المدى وأنظمة دفاع جوي لضرب القوات الروسية المتقدمة في لوهانسك. حيث تعاني القوات الأوكرانية من نقص في أنظمة المدفعية بعيدة المدى بأنواعها. وحسب مصادري الخاصة، فإن القوات الأوكرانية تسعى لشراء أسلحة وذخائر روسية قديمة من الدول من خارج أوروبا التي كانت تستخدم تلك الأسلحة.
تستمر القوات الروسية في تكثيف جهودها للإستيلاء على باقي مدينة “سيفيرودونيتسك”، وتواصل استهداف مدينة “ليسيشانسك” جنوباً والوصول لنهر “سوفري دونيتس”، كمهمة مباشر جبهة، والتي كان من المفترض تحقيقها قبل يوم 24 يونيو ثم تأجلت ليوم 26 يونيو، وأخيراً تم تأجيل تحقيق المهمة لأسبوع آخر، والذي يعد أمر شديد الصعوبة.
وتستمر القوات الروسية جهودها على المحاور الأخرى تجاه سلوفانيسك جنوب إيزيوم. وتواصل جهودها لقطع الطريق السريع T1302 (باخموت – ليسيتشانسك) والاستمرار في شن هجمات على المستوطنات القريبة من الطريق السريع T1302 (باخموت – ليسيشانك). وعلى المحور الجنوبي، تركز القوات الروسية على العمليات الدفاعية على طول المحور الجنوبي، وربما حققت مكاسب هامشية داخل “ميكولايف”.
ثانياً: مدي تحقيق العملية العسكرية الروسية لأهدافها في أوكرانيا حتى الآن.
للإجابة على هذا السؤال، وجب أولاً تحديد الأهداف الاستراتيجية السياسية والعسكرية الروسية المُعلنة، وغير المعلنة.
- الأهداف الاستراتيجية السياسية والعسكرية الروسية المُعلنة:
- حياد أوكرانيا بعدم انضمامها لحلف الناتو أو لأي تحالف آخر. (لم تكن أوكرانيا لتصبح عضو في الناتو من الأساس، ولكن العملية العسكرية الروسية سرعت من انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، بل سرعت من احتمال دخول دولة أخرى كمولدوفا وجورجيا).
- تطهير إقليم دونباس شرق أوكرانيا وذلك من خلال استكمال تحرير باقي أراضي جمهوريتي لوهانيسك ودونيتسك من الأوكرانيين، سواء القوات الأوكرانية أو من كتائب القوميين الأوكرانيين، (وهو ما تحاول تحقيقه منذ شهر فبراير حتى الآن، وقد حققت جزء كبير منه). (تم التنفيذ بنسبة حوالي 60%).
- تدمير البنية التحتية العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية. (تنفذ القوات الروسية بنجاح بحجم كبير ولكن يتم مداومة الاستعواض بواسطة الدعم الغربي).
- اعتراف أوكرانيا بالجمهوريتين المنفصلتين لوهانيسك ودونيتسك. (لم يحدث).
- اعتراف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم تحت السيادة الروسية. (لم يحدث).
- الأهداف الاستراتيجية السياسية والعسكرية الروسية (غير) المُعلنة:
- التصدي للثورات الملونة داخل الأراضي الروسية وفي الدول الموالية لها في محيطها، وبما يمنع من تفتيت الدولة الروسية. (لم يحدث، بل هناك احتمالات لنشوب فوضى جديدة في بيلاروسيا، كما أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر كشفاً وجرأة في مناداتها باسقاط حكم بوتين علانية).
- الاستيلاء على شرق أوكرانيا حتى غرب طريقا أوديسا الدولي المار بالمدن الرئيسية (خاركوف شمالاً – كييف العاصمة – أوديسا الساحلية جنوباً)، وذلك للاستيلاء على كافة الثروات الأوكرانية وجعلها دولة حبيسة بلا أي منفذ بحري على البحر الأسود وبحر آزوف. (تم التنفيذ بنسبة حوالي 40%).
- حرمان قوات الناتو من التمدد شرقاً. (لم يحدث، بل على العكسن حيث أن هناك دولتين شديد الأهمية (فنلندا والسويد) قدمتا طلب رسمي للانضمام للناتو، كما ضاعف الناتو من تسليح ودعم قوة الدول الأعضاء القريبة من روسيا شرق أوروبا).
- – إنشاء منطقة اتصال مسيطرة عليها من قبل روسيا، تصل من قلب روسيا شرقاً، مروراً بإقليم دونباس شرق أوكرانيا عبر ماريوبول وخيرسون حتى شبه جزيرة القرم جنوباً، وعبر ميكولايف وأوديسا وحتى شرق مولدوفا غرباً. (تم التنفيذ بنسبة حوالي 60%).
- تفتيت شرق أوكرانيا إلى دويلات صغير بإعلان انفصالها ثم ضمها إلى الاتحاد الروسي من خلال اقتراع كما حدث مع شبه جزيرة القرم، وبما يزيد من حجم دول الاتحاد الروسي ضد احتمالات تفككه. (جاري التنفيذ بنسبة حوالي 40%).
ثالثاً: حجم الدعم العسكري واللوجستي الغربي لأوكرانيا ومدي تأثيره علي تطور العمليات العسكرية؟
- المساعدة العسكرية الأمريكية لأوكرانيا:
- أكثر من 1400 نظام ستينجر المضاد للطائرات.
- أكثر من 5500 من أنظمة جافلين المضادة للدروع.
- أكثر من 14000 من أنظمة مكافحة الدروع الأخرى.
- أكثر من 700 نظام جوي تكتيكي بدون طيار سويتشبليد.
- أكثر من 18 مدفع هاوتزر عيار 155 ملم و40.000 طلقة مدفعية عيار 155 ملم.
- 16 طائرة هليكوبتر من طراز Mi-17 التي كانت اشنرنها الولايات المتحدة لصالح الحكومة الأفغانية السابقة.
- مئات المركبات المدرعة على عجل متعددة الأغراض، ذات خفة الحركة العالية.
- 200 عربة مصفحة ناقلة جند طراز إم 113.
- أكثر من 7000 قطعة سلاح صغير.
- أكثر من 50 مليون طلقة ذخيرة.
- أكثر من 75000 مجموعة من الدروع الصدرية والخوذات.
- أنظمة الصواريخ الموجهة بالليزر.
- أنظمة بوما الجوية بدون طيار.
- سفن دفاع ساحلية مسيرة.
- أكثر من 14 رادار مضاد للمدفعية.
- عدد 4 رادارات مضادة لقذائف الهاون.
- عدد 2 منظومة للمراقبة الجوية.
- ألغام كلايمور M18A1 مضادة للأفراد.
- متفجرات C-4 ومعدات لإزالة الموانع.
- أنظمة اتصالات تكتيكية آمنة.
- أجهزة رؤية ليلية وأنظمة التصوير الحراري والبصري وأجهزة تحديد المدى بالليزر.
- خدمات التصوير بالأقمار الصناعية التجارية.
- معدات الحماية من آثار التخلص من الذخائر المتفجرة.
- معدات الوقاية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية.
- مستلزمات طبية، وتشمل مستلزمات الإسعافات الأولية.
- مساعدات عسكرية أخرى لأوكرانيا:
- تبرعت التشيك بعدد من دبابات تي 72 لأوكرانيا، وتقوم الولايات المتحدة بأعمال التنسيق لتسليمها قطع غيار طائرات ميج، مما مكن أوكرانيا من إصلاح واستعادة بعض الطائرات الإضافية طراز ميج من مخزونها خارج العمليات وصلت إلى 20 طائرة إضافية.
- أرادت بولندا التبرع، عبر الولايات المتحدة في ألمانيا، بطائرات ميج 29، وحتى الآن، تحجم دول أخرى عن توفير هذا النوع من المعدات مثل المجر والنمسا، وأزعم أيضاً ألمانيا خاصةً مستقبلاً.
- كما تبرعت سلوڤاكيا أيضاً بدبابات تي 72 وطائرات ميج ومنظومات دفاع جوي إس 300.
- وقد وعدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهولندا وبريطانيا وألمانيا بتزويد أوكرانيا بالدبابات والمدفعية وطائرات الهليكوبتر دون تفاصيل تخص حجم أو توقيت تقديم تلك المساعدات.
- مدى تأثير المساعدات الغربية لأوكرانيا على مسير الحرب:
كنت تحدثت منذ أسابيع عن تصوري لمراحل الدعم الغربي لروسيا وقسمتها لثلاث مراحل كالآتي:
- المرحلة الأولى: تزويد اوكرانيا بأسلحة دفاعية للتصدي للهجوم الروسي.
- المرحلة الثانية: تزويد اوكرانيا بأسلحة دفاعية هجومية بعضها أسلحة ثقيلة لشن الهجمات المضادة وإمكانية الضرب في العمق الروسي، وأزعم أنها المرحلة الحالية. إلا أن الأسلحة المقدمة لأوكرانيا في هذه المرحلة ما زالت غير كافية لتحقيق الهدف منها.
- المرحلة الثالثة: تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية للتحول للهجوم واستعادة الأراضي المستولى عليها.
ومما سبق، أرى أن الدعم الغربي المقدم لأوكرانيا، أدى لتعثر شديد في تحقيق الأهداف الروسية العسكرية، ولكنها أيضاً لم تحقق النصر للقوات الأوكرانية.. وأزعم أن الهدف الغربي هو “جر روسيا لاستخدام أكبر قدر من أسلحتها التي لم تعلن عنها مبكراً قبل الدخول في مراحل أكثر قوة من الدعم الغربي”.
رابعاً: هل تهدف / تستطيع روسيا عزل اوكرانيا عن اي منفذ بحري وجعلها دولة حبيسة في ضوء استهدافها لاوديسا؟
مما سبق توضيحه في البنود الثلاث الأولى، أزعم أن طريق أوديسا الدولي المار بـ (خاركوف – كييف – أوديسا) هو هدف روسي شديد الأهمية. وفي المقابل، هو يعتبر بالنسبة لأوكرانيا الخط غير المسموح بالوصول إليه بواسطة القوات الروسية تحت أي ظروف وبأي تكلفة. وفي إطار ما يحدث على الأرض أراه هدف صعب المنال للغاية على القوات الروسية، إلا أن روسيا تبذل كل الجهد لتحقيقه وهو سيناريو يفرض نفسه في كل الأحوال.
خامساً: هل لو استجاب الناتو للمطالب الاوكرانية في الاسلحة الحديثة والثقيلة يمكن أن يؤدي ذلك لتغيير جذري في موازين القوي؟‘
بالتأكيد، خاصة مع تكثيف الأسلحة الهجومية عالية التطور، وكذا مع تكثيف الأسلحة الدفاعية الثقيلة. وإعادة ضبط مقارنات الأسلحة والمعدات كماً ونوعاً، إلا أن القوة البشرية المدربة تبقى عائقاً هاماً، مما يدفع أوكرانيا لمحاولة تجنيد مقاتلين أجانب جدد ذو كفاءة عالية وبحجم مناسب.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل
المصادر:
- مصادر معلنة دولية.
- مصادر خاصة.