أولاً: مقدمة:
فكرة الناتو الإقليمي بشكل عام ليست بجديدة، فقد بدأت منذ عقود وتحديداً في أعقاب حرب 1948، حيث تأسست “معاهدة الدفاع العربى المشترك” والتي تقوم على التعاون للتصدى لعدوان خارجى على الدول العربية الأعضاء في المعاهدة، وكانت تتحدث عن إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أي اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة أو على قواتها وتستند في إعداد هذه الخطط على الأسس التى يقررها مجلس الدفاع المشترك، الذي يتكون من وزراء الخارجية والدفاع الوطني أو من ينوبون عنهم، وهيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة ولجنة عسكرية دائمة، ولم يكن في هذه المعاهدة أي وجود فعلي في معظم التحديات التي واجهت الأمن القومي العربي، من الصراع العربي الإسرائيلي، مروراً بأزمة احتلال العراق للكويت وتداعياتها، حتى اندلاع الفوضى والعنف في أعقاب قيام ثورات الربيع العربي في 2011.
في نفس السياق سعت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لتعديل مفهوم التهديد الرئيسي للمعسكر العربي السني، والذي يرونه في ثلاث تهديدات رئيسية، وهي:
1- المعسكر الشيعي والمتمثل في إيران وأذرعها كحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين.
2- المعسكر السلفي الجهادي والمتمثل في التنظيمات الإرهابية والمتطرفة المحظورة دولياً وإقليمياً.
3- الإخوان المسلمين والمتمثل في تنظيم الإخوان المسلمين ومن يدعمهم (تركيا وقطر). وأزعم أن وضع هذا المعسكر كتهديد بدعم من ترمب ونتنياهو للضغط على البلدين لصالح الرباعي العربي وقتها.
وبناءً عل ذلك، ظهر “الناتو العربي” عام 2018، الذي تجمد وقتها بسبب انسحاب مصر التي كانت في منتصف مقاطعتها لقطر وخلال أزمتها الشديدة مع الإخوان المسلمين والإرهاب.
أسباب قرار انسحاب مصر من الناتو العربي عام 2019:
1- طبيعة التهديد:
مصر منذ البداية أبلغت كلاً من السعودية والإمارات، وهما الدولتان اللتان كانتا تسعيان بقوة لإطلاق تحالف الناتو العربي العسكري لردع إيران، بأن الأخيرة لا تمثل لها عدواً من الدرجة الأولى، وأنها غير معنية بإثارة عداوة مع طرف إقليمي. وأزعم أنه بعد مشاورات ومفاوضات مطوّلة بين قيادة الدولتين، والقيادة المصرية، قبلت القاهرة المشاركة على مضض، نظير حزمة من المساعدات والالتزامات الاقتصادية، قبل أن يعود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ويبلغ قيادة الدولتين بالرفض النهائي للمشاركة.
2- قيادة التحالف:
من الصعب أن يقبل الجيش المصري أن يكون تحت أي قيادة عربية في تحالف دائم، فإذا كان من اللازم المشاركة في التحالف، فينبغي أن تكون القيادة مصرية. حيث أنه ليس من المنطقي أن يكون الجندي المصري تحت قيادة جيوش لم تخُض حرباً واحدة في الإقليم، وثقلها العسكري لا يمثل نصف ثقل الجيش المصري.
3- المستفيد الأكبر:
من الطبيعي أن المستفيد الأكبر من الناتو العربي هو الدول العربية الغنية، والتي سترصد له أكبر ميزانيات ممكنة، مع الوضع في الاعتبار أن هناك دول عربية لا يسمح لها دستورها بالمشاركة في مثل هذه التحالفات.. الأمر الذي سيجعل من الجيش المصري الكبير والقوي هو المنفذ الحقيقي على الأرض للتصدي لتهديدات الناتو العربي بأموال الدول العربية الغنية المستفيدة من ذلك، وبما يوحي بأن يعمل كمرتزقة لصالح أهداف وتهديدات دول أخرى قد تنوي ألا تستخدم قواتها من الأساس.
4- رداً من مصر على قيام دولة عربية مسبقاً بإفشال المساعي المصرية لتشكيل قوة عربية مشتركة.
ثانياً: الوضع الحالي:
ونعود لما تك إعلانه منذ أيام فقط رغم مرور أشهر عليه، وهو المؤتمر المغلق في شرم الشيخ في مارس 2022، بمشاركة ست دول وهي الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن، وقد صدر عنه بيانات محددة كالآتي:
1- هناك نظام أمني إقليمي جديد قائم على التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والتعاون الأمني المشترك والاستخباري”.
2- شُكلت لجنة أمنية وإطار للإنذار المبكر المشترك، وتم الاتفاق على أن يسمى هذا الاجتماع بـ (منتدى النقب)، وأنه ستُجرى اجتماعات دورية بصدده”.
واليوم تُستكمل الإجراءات علناً، فخلال الإسبوع الإخير عقدت اجتماعات بالمنامة تحت مسمى “منتدى النقب”.
وفي نفس الإطار وقبلها بأيام عقدت اجتماعات حضرها قيادات من إسرائيل وبعض الدول العربية المعنية بشأن ما يسمى بـ “برنامج الدفاع الأمني للمنطقة”.
ثالثاً: مقارنة بين الوضع السابق والوضع الحالي:
1- سواء معاهدة الدفاع العربي المشترك أو الناتو العربي، جميعها لم يحدث على الأرض، فماذا عن الناتو الشرق الأوسطي؟
2- المعسكرات/ التهديدات الثلاثة (المعسكر الشيعي – المعسكر السلفي الجهادي – معسكر الإخوان المسلمين) هي بديلاً عن التهديد القديم لمعسكر العرب السنة المتضمن دول الخليج ومصر والعراق والأردن بشكل خاص، وجميع الدول العربية بشكل عام، وهذا التهديد القديم كان إسرائيل.
3- “ناتو الشرق الأوسط” يظهر بمفهوم أوسع، حيث يتضمن دول المنطقة بما فيها دول عربية وتبدو نواته في منظومة دفاع مشترك.
أجتمعت الدول العربية في السابق على تهديد واحد وهو إسرائيل، أما اليوم، أزعم أن تهديدات الدول العربية مختلفة، فإيران تعتبر تهديد تقليدي لدول الخليج، إلا أن موقف سلطنة عمان مختلف نسبياً وربما قطر أيضاً.. في الوقت الذي لا تمثل فيه إيران تهديداً لمصر، فالتهديدين الأهم لمصر حالياً هما المعسكرين السلفي الجهادي والإخوان المسلمين. وعلى الصعيد الشرق أوسطي نجد أن إسرائيل تعتبر إيران وأذرعها التهديد الأخطر، أما التنظيمات الإرهابية والإخوان المسلمين فقد استطاعت ترويضهما. وبالنظر لتركيا فتهديدها الرئيس الأكراد وبعض التنظيمات الجهادية، أما معسكر الإخوان المسلمين فهو مرتبط بتركيا في الأساس.
رابعاً: الموقف المصري:
1- تعلن مصر موقفها السلمي إقليمياً ودولياً، ولكنها تعلن أيضاً أنها تواجه تهديدين رئيسيين، وهما الإرهاب والمتمثل في المعسكر السلفي الجهادي، والفكر السياسي العقائدي التوسعي والمتمثل في الإخوان المسلمين.
2- في ضوء التركيز حالياً على رفع المعسكر الثالث والذي يحمل تهديد الإخوان المسلمين من قائمة التهديدات الثلاث. ومن ثم، أزعم أن السعودية تقوم بمحاولات الوساطة بين تركيا ومصر، وفي نفس الوقت هناك تقارب مصري قطري ملحوظ، وكلاهما يتسق مع الحوار الوطني داخلياً في مصر. وكل الاقترابين ربما سيكون من ضمن نتائجه رفع الإخوان المسلمين من قائمة التهديدات الثلاث بالنسبة لمصر في الأساس ودول عربية أخرى كالآردن.
وبناءً على ما سبق ف، يبدو أن أي اجتماعات قادمة بهذا الشأن، أزعم أنها ستكون مرتبطة بناتو الشرق الأوسط، ولن يختص فقط بشأن التهديد الجوي الإيراني. حيث سيتم التوسع في تحديد طبيعة وتصنيف التهديد المشترك والتهديد المنفصل لكل دولة، حيث يمكن أن تمتلك العناصر الإرهابية للطائرات المُسيرة (الدرونز) التي تحتاج لمواجهتها وسائل دفاع جوي متطورة. كما يمكن التطرق للخطوط العريضة لتحديد آلية التنفي، والدولة القائد للتحالف، والتمويل، والتنظيم والتشكيل والمهام، وغيرها من أمور متعلقة.
قال وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال مؤتمر صحفي عُقد في البحرين يوم 1 يوليو 2022، “على الرغم من التقارير المتداولة في وسائل الإعلام عن تشكيل وشيك لتحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف الناتو، فمن غير المرجح أن يحدث هذا في أي وقت قريب”. بناءً على بيان وزير الخارجية المصري، قد يظهر سؤال: “إذا لم يكن من المحتمل حدوث شرق أوسط مشابه لحلف شمال الأطلسي في أي وقت قريب ، فهل سيحدث في المستقبل؟”. على الرغم من أن تصريح السيد شكري يبدو منطقياً ، إلا أنني أعتقد أنه لم يكن حاسماً بما فيه الكفاية لأنه قد لا يغلق الموضوع برمته.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع