اليوم 21 أغسطس، خلال نقاشتنا الدورية التي تدور بيني وبين بعض نظرائي من الناتو حول الحرب الروسية الأوكرانية، ناقشنا تطورات ونتائج الحرب حتى الآن من خلال الأسئلة الخمس المعتادة (The 5 Ws)، وباختصار شديد قد توصلنا للآتي:

كما نرى الآن، تكتيكات أوكرانيا مستجدة نتيجة لتطورات الصراع، كاستخدام تكتيكات حرب العصابات وتكتيكات القوات الخاصة على نطاق أوسع وبشكل أكثر تنظيماً عما كانت عليه من قبل.

والأسئلة التي سنطرحها على أنفسنا الآن هي:

لماذا يحدث هذا؟

كيف يفعلون هذا؟

من يفعل هذا؟

ماذا يفعلون وما هي أهدافهم؟

ما هي الردود المحتملة عليه؟

أولاً: (لماذا) يحدث هذا؟

من الواضح لنا أن افتقار القوات الأوكرانية المستمر للقدرة على شن ضربات مضادة كبيرة ناجحة وحاسمة ضد القوات الروسية خاصة في مدينة خيرسون، قد أدى لذلك، الأمر الذي دفع القوات الأوكرانية لشن هجمات مضادة محلية ولاستخدام إجراءات عسكرية مضادة صغيرة وفعالة، وفي مجموعها تحقق مكاسب على الأرض.. (نتائج مجموعة إجراءات تكتيكية على الأرض = نتائج شن هجمة تكتيكية كبيرة ومركزة نسبياً).

سيؤدي هذا إلى زيادة تركيز القوات الروسية للتمسك بالأرض، في نفس الوقت الذي تقوم القوات الأوكرانية بإعاقة تلك الجهود، وتشتيت قواتهم في اتجاهات دفاعية من أجل زيادة الأمن والحراسة على المستودعات دون التفكير في استمرار الهجوم، وذلك تماشياً مع مقولة أوزي أوزبورن “لا راحة للأشرار”، وذلك من منظور أوكراني/ غربي.

كما يمكن اعتبار هذا أيضاً بمثابة مباراة ذهنية إستراتيجية: حيث أن الرواية الروسية تقوم على أن شبه جزيرة القرم روسية وشعب القرم روس. الآن، هؤلاء الروس الموجودين في القرم يساعدون ويسهلون أو ينفذون إجراءات مضادة بشكل مخالف للفكر والتوجه الروسي، وهو ما يضع روسيا في موقف الملاحق المتردد.

فروسيا لديها خبرة في أعمال القوات الخاصة الدفاعية وحرب العصابات، كما هو الحال في أفغانستان وجورجيا وغيرها، ولديهم “إجراءات مستديمة” للرد على هذا النوع من الإجراءات والأعمال حالة حدوثها كما يحدث بالقرم، وهو ما يطلق عليه الغربيون “القمع”. ولكن إذا بقيت روسيا على روايتها، فهل يمكن لروسيا أن تمارس القمع ضد سكانها في شبه جزيرة القرم؟ أو إذا فعلوا ذلك، ألا يظهرون أن سكان القرم ليسوا روسيين كما قالوا؟

أو أن هناك خياراً آخر، وهو أشد صعوبة، حيث ستضطر القيادة العامة الروسية لإظهار الحرب على حقيقتها، أنها ستتحول إلى حرب شاملة وليست عملية محدودة من المفترض أن تنتهي خلال ثلاثة أشهر دون تعبئة عامة للقوات الروسية طبقاً للدستور الروسي. حيث لم تنجح العملية العسكرية الروسية الخاصة في تحقيق أهدافها. والمشكلة هنا، ليست فقط مع بدء تململ دول الاتحاد الروسي الصغيرة من دعمها الحرب برجالها وليس بواسطة الشباب الروس، وزيادة خسائر القوات الروسية وإصرار الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائها في شرق آسيا لدعم أوكرانيا، ولكن هناك أيضاً ما يهم القيادة الروسية والإعلام الروسي بشدة وهو أن ذلك سيكون عكس ما ورد بالإعلام القومي الروسي وكافة جهات الإعلام الداعمة لها من دول أخرى حول العالم. فذلك سيمثل كارثة حقيقية للمصداقية الروسية.

ثانياً: (كيف) يقوم الأوكرانيون بتنفيذ تكتيكاتهم الجديدة؟

نعتقد أن الوسيلة الأكثر ترجيحاً لتنفيذ القوات الأوكرانية لحرب العصابات وتكتيكات القوات الخاصة هي القوى البشرية، حيث تلاحظ الغموض الذي تنتهجه القيادة العامة للقوات المسلحة الأوكرانية بشأن وسائل تنفيذ هذه العمليات الناجحة، ليس فقط من باب السرية ولكن أيضاً لتشتيت الروس عن حقيقة عدم اعتماد الوقات الأوكرانية على الوسائل التكنولوجية. فلو كانت الوقات الأوكرانية تتوسع في استخدام الطائرات بدون طيار أو الصواريخ الاستراتيجية الموجهة فقط، لكانت تباهت بهذا الإنجاز وكانت ستخبر العالم أن لديها الآن أسلحة قادرة على “تحرير شبه جزيرة القرم”، الأمر الذي سيؤكد قوة واستمرار دعم حلفائها ويسبب ردع قوي للخصم، فقيمة شبه جزيرة القرم للاتحاد الروسي لا تضاهيها قيمة استراتيجياً.

في نفس السياق، من المؤكد أن الحكومات الغربية لا تحبذ استفزاز روسيا من خلال السماح باستخدام أسلحتها المتطورة لاستهداف ما تعتبره روسيا أنه أراضي روسية، لكن الإعلان عن التهديد باستخدام هذا النوع من الأسلحة سيمثل بالفعل ميزة عسكرية لأوكرانيا. ونظراً لأن القوات الأوكرانيا لا تمتلك الأسلحة التي تمكنها من تنفيذ ذلك بكفاءة رغم نجاح العمليات، فلا شك أن أن للأوكرانيين وسائل أخرى قادرة على التنفيذ وهي قوتها البشرية المقاتلة المدربة جيداً على تنفيذ هذه المهام بأسلحة تقليدية.

إلا أنني أرجح قيام القوات الأوكرانية باستخدام وسائل تكنولوجية كالطائرات المسيرة المتطورة على الأقل، على الأقل لدعم أعمال قتال القوات الخاصة، إلا أنها تحاول تجنب إعلان ذلك بهدف السرية وكذا بهدف تقليل من قيمة الدعم الغربي. وما قد يرجح احتمالي هو ما تم بالأمس 20 أغسطس، حيث أبلغ المسؤولون الروس في القرم عن (هجوم آخر بطائرة مسيرة طراز “Skyeye 5000mm Pro UAV”) على مقر أسطول البحر الأسود الروسي في سيفاستوبول في 20 أغسطس، استهدف سقف مبنى الرئيسي بمقر الأسطول البحري الأسود.

ثالثاً: (من/ ما) هي القوات التي تقوم بهذه المهام في ظل التكتيكات الأوكرانية المستجدة؟

نعتقد أنه من المحتمل جداً أن هناك قوات مشكلة خصيصاً لتنفيذ هذه العمليات الناجحة وهي مزيجاً من القوات الخاصة والعناصر المدنية المدربة (الفدائيين) من المقيمين في شبه جزيرة القرم، خاصة أنه من الصعب للغاية التمييز بين الأوكرانيين والروس، وبشكل خاص في القرم. ناهيك أن الولايات المتحدة وباقي دول الناتو تقدم تقارير استخباراتية عالية الدقة ومحدثة بشكل دائم عن الوضع والأهداف والملاذات الآمنة للجنود الروس والمستودعات ومراكز القيادة والسيطرة وأوضاع القوات وغيرها من معلومات هامة عن الأوضاع العسكرية الروسية في القرم. وربما تلاحظ تزايد ابتعاد القوات البحرية الروسية التابعة لميناء سيڤيستوبول جنوب القرم، في محاولة لتجنب حصول القوات الأوكرانية على معلومات موقوتة عنها من جانب، وتجنب سهولة استهدافها من جانب آخر.

رابعاً: (ماذا) تفعل القوات الأوكرانية المخصصة لهذه المهام وما هي أهدافهم من تنفيذها؟

تقوم القوات الأوكرانية المخصصة لتنفيذ حرب عصابات والمهام الخاصة في القرم بإجراءات مضادة على أهداف عسكرية شديدة الأهمية وعالية القيمة، مثل مخاذن الذخيرة ومقرات القيادة وتمركزات الجنود. فالخسائر ٥ي القوى البشرية المدربة تعتبر ذات أهمية استراتيچية للجانبين في هذه المرحلة.

ما هي الأهداف من هذه العمليات؟

هذه العمليات العسكرية الخاصة التي تقوم بها حديثاً القوات الوكرانية في القرم ليست حاسمة، ولكنها بالتأكيد حالة استمرارها بنجاح، ستحقق الآتي:

تعطيل محاور وطرق الإمداد والتخزين الروسية.

جذب قوات الأمن الروسية من مناطق قتال تسبب إزعاج للقوات الأوكرانية لتعيد تمركزها في القرم، بمهمة زيادة الدوريات الروسية في القرم وإقامة نقاط تفتيش جديدة، وإعادة القرم إلى الوضع الأمني الذي كانت عليه في البداية بعد أن انتقلت لروسيا عام 2014.

زيادة انعدام ثقة القوات الروسية في السكان المحليين بالقرم، فضلاً عن انعدام الشعور بالأمن.

التأثير على الرأي العام الروسي بشأن الصراع (على الأقل، تكذيب رواية الحملة العسكرية الناجحة أمام الروس العائدين من القرم)، الأمر الذي يدعو الروس القادمون للقرم كالسياح والموظفين المدنيين لمغادرة القرم بكثافة وسرعة.

انتصار معنوي لأوكرانيا من شأنه أن يعزز ثقتهم في نجاحاتهم المحدودة مقابل نجاحات محدودة يضاً لروسيا (التوازن النسبي).

خامساً: ما هي الردود المحتملة من جانب روسيا؟

سيتعين على القيادة العامة للقوات المسلحة الروسية تكثيف الإجراءات الأمنية في القرم، مع تقييد حرية التنقل لسكان القرم، مع إمكانية تقليل الدعم المقدم من روسيا للمواطنين في شبه جزيرة القرم.

لدى روسيا الآن مصلحة متزايدة في تجميد الصراع حتى (خط الجبهة/ خط المواجهة الحالي بين قوات الجانبين) لحرمان القوات الأوكرانية من استعادة الأراضي المستولى عليها من جانب القوات الروسية.

وعلى العكس، نجد تركيز اوكرانيا على عدم توقف القتال في هذه المرحلة، على أمل استعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي المحتلة بأقل تكلفة ممكنة، الأمر الذي يحث الغرب على استمرار الدعم لأوكرانيا، بل وزيادته كماً ونوعاً للتحول للهجوم الأكبر. لذا، إذا شعرت روسيا بتزايد التهديد من جانب أوكرانيا، فمن المحتمل أن يزيد احتمال قيام القيادة الروسية للجوء لرد جذري قوي يشير لتحول حاسم، والذي أتوقع أن يكون أحد خيارين:

الأول: إعلان التعبئة العامة ودفع آلاف من القوات الروسية على مناطق القتال شديدة الحساسية.

الثاني: وهو الأخطر، استخدام السلاح النووي التكتيكي في منطقة الخطر.

 

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم

زميل كلية الحرب العليا/ أكاديمية ناصر العسكرية العليا

رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل

المصادر:

مصادر علنية دولية.

مصادر خاصة.

Share:

administrator