التغير في طبيعة العلاقات الخليجية والمصرية مع روسيا والولايات المتحدة وأوروبا
قبل وبعد نشوب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا 2022

19 يونيو 2022

مقدمة:

في أكتوبر العام 2018، تلقيت خطاب من مؤسسة ساساكوا للسلام اليابانية، والمعنية بدراسات الأمن الدولي والعلاقات الأيابانية الدولية، وتضمن خطاب مؤسسة ساساكاوا مطالبتي بعقد جلسات نقاش في أبوظبي معي بمشاركة دبلوماسيين أجانب وكذا أكاديميين بالجامعات في أبوظبي. وأزعم أن موضوع النقاشات كان مفاجأة لنا جميعاً وهو “ما هي الدول بمنطقة الشرق الأوسط التي بدأت بالاستقلال في القرارات وفي السياسات الخارجية عن للولايات المتحدة”، واطلقوا عليها “ديناميات أمنية جديدة”.. وبعدها طلبت مني مؤسسات عدة في اليابان ودول أخرى محاضرات ودراسات حول التنافس الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط في ديناميات أمنية جديدة.

جديرٌ بالذكر، أن هذا التساؤل بشان استقلالية دول المنطقة عن الولايات المتحدة كان خلال فترة رئاسة دونالد ترمب، الرئيس الأكثر اقتراباً من دول الخليج ومصر، وهو ما اتضح في دعم إدارته لدول المقاطعة ضد قطر. لدرجة أن مراقبين عرب اعتبروا الولايات المتحدة في عهد ترمب قد مارست سياسة استغلالية من خلال مبيعات السلاح بحجم لم يحدث من قب، والسبب عو علاقة ترمب بزعماء السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

إلا أنني كنت أرى تلك العلاقة والصفقات من منظور آخر، حيث كتبت عنه وقتها بتاريخ 18 مارس 2019.

وفي إطار موضوعنا سوف أذكر مؤيداتي من المصادر العلنية لتي تشير لإستقلال القرارات العربية عن الولايات المتحدة قبل الحرب الروسية الأوكرانية والتغيرات ما بعد الحرب، والتي نشرتها بالحرف في نسختي كتابي باللغتين العربية “الأصابع على الزناد”، والإنجليزية “Fingers Are On The Triggers”.

أولاً: سياسات خارجية مستقلة لبعض دول الشرق الأوسط تشير لاستقلالية قرارها وسياساتها الخارجية عن الولايات المتحدة:

  • عملت تركيا، الداعم للجيش السوري الحر المعارض في سوريا، من أجل منطقة حظر الطيران، ومنعت الجماعات الكردية من كسب أراضٍ متجاورة، وشاركت (متأخرة) ضد تنظيم داعش الإرهابي. مما أدى إلى نزاعات متعددة مفتوحة، وتهديد بالمواجهات العسكرية مع الولايات المتحدة في (منبج)، وقبلها إسقاط طائرة روسية في نوفمبر 2015. وبعد عام، أطلقت تركيا أول عملية برية في شمال سوريا (درع الفرات) للقضاء على التنظيمات الإرهابية في مواجهة هجومها، بما فيها قوات حماية الشعب الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة لكونها تهدد الأمن القومي التركي. بل وحددت منطقة عازلة داخل سوريا بعمق ثلاثين كيلومترًا (اتفاقية أضنة لا تسمح بتواجد تركي داخل سوريا بعمق أكثر من خمسة كيلومترات وفي ظروف أمنية معينة). تلا ذلك الهجوم التركي على عفرين “لاقتلاع الميليشيات الكردية”. في المقابل، راقبت الولايات المتحدة الموقف واصفة إياه بـ”المقلق”، ولكنها لم تفعل الكثير.([1])
  • على الرغم من أن لكل من الولايات المتحدة وروسيا علاقات وثيقة مع الأكراد السوريين، يبدو أن القوتين استوعبتا بهدوء المخاوف الأمنية الرئيسية لأنقرة، بما في ذلك قبول الوجود العسكري التركي في كل من المناطق الحدودية الشمالية وإدلب. دبلوماسيًّا، استفادت تركيا بالمثل من علاقتها المزدوجة مع الولايات المتحدة وروسيا. لعبت أنقرة دورًا قياديًّا في المسار الدبلوماسي المتنافس في روسيا (محادثات أستانة وسوتشي) وتتعاون مع روسيا في صفقات إزالة التصعيد ومؤخرًا بشأن نزع السلاح في المناطق العازلة في إدلب.
  • وبالمثل، شهدت مصر والسعودية وبعض دول الخليج مساحة مناورة متسعة، حتى في المسائل الأمنية والعسكرية المتشددة. أطلقت السعودية حملة عسكرية في اليمن ضد الحوثيين سعيًا لإعادة الرئيس السابق منصور هادي إلى السلطة عام 2014.
  • في أغسطس 2014، بناءً على تصريحات لمتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ومتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، أعلنت نيويورك تايمز ورويترز “أن طائرات إماراتية ومصرية انطلقت من قواعد عسكرية في مصر هاجمت منشآت عسكرية تابعة للميلشيات الإسلامية في العاصمة الليبية طرابلس يومي 18 و22 أغسطس وأن واشنطن لم تستشرِ قبل تنفيذ الهجوم وفوجئت به”. كان هذا غير وارد بالطبع قبل بضع سنوات، الأمر الذي نفته بشدة كل من القاهرة وأبو ظبي.([2])
  • وقعت الإمارات وروسيا صفقة في عام 2017 لتطوير طائرة مقاتلة من الجيل الخامس وسط إحباط أبو ظبي من بطء عملية واشنطن لتحديد ما إذا كانت ستبيع الإمارات طائرة مقاتلة من طراز F-35 أملًا في أن هذا الإعلان يحفز واشنطن على التحرك.([3]) منذ ذلك الحين، وافقت الولايات المتحدة على الدخول في محادثات تمهيدية مع الإمارات العربية المتحدة بشأن طائرة F-35، وهي خطوة نحو الحصول على المنصة.([4])
  • أدى توقيع روسيا على الاتفاقات الفنية ومذكرات التفاهم مع قطر والسعودية بشأن نظام الأسلحة S-400 إلى إزعاج واشنطن بشدة، خاصة مع قيام تركيا بشرائه، مما يقوض خطط العمليات المشتركة للولايات المتحدة والناتو.([5])
  • أظهر الصراع بين المجلس الجنوبي الانتقالي المدعوم من الإمارات وحكومة هادي المدعومة من السعودية في اليمن استقلال دولة الإمارات المتزايد بالقرار في اليمن.
  • في جميع أنحاء المنطقة، أصبح حلفاء الولايات المتحدة أقل اعتمادًا على واشنطن، حيث يمكنهم البحث عن أشكال للتقارب مع روسيا، وتعميق العلاقات الأمنية الاقتصادية والجديدة مع الصين وشراء الأسلحة الروسية. لا شك في أن الولايات المتحدة لا تزال أقوى ممثل خارجي، لكن مصر والسعودية والإمارات وتركيا وحتى إسرائيل باتت قادرة على الخروج من العباءة الأمريكية إلى عباءة أخرى. على سبيل المثال، تم تعليق العديد من أنظمة الأسلحة الأمريكية لمصر عقب ثورة يونيو 2013، لكن تم إصدارها لاحقًا بعد أن عقد الرئيس السيسي اجتماعات مع بوتين.([6])
  • سعت السعودية، على سبيل المثال، إلى تعزيز علاقاتها مع إدارة ترمپ بينما تعمل في الوقت نفسه على تعظيم التجارة مع الصين. أصبحت الإمارات الشريك الاقتصادي الرئيس لبكين في المنطقة، حتى مع بروزها كداعم رئيس لصفقة إدارة ترمپ للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. واستغلت إسرائيل، على الرغم من علاقاتها الدافئة مع البيت الأبيض وترمپ، مكانتها كـ”دولة ناشئة” لجذب استثمارات صينية ضخمة على مدى نصف العقد الماضي، وهو ما أثار استياء المسؤولين في واشنطن. والقائمة تطول.([7])
  • وفي الوقت نفسه، يمكن للحلفاء من غير الولايات المتحدة مثل إيران وسوريا التحايل على أنظمة العقوبات الأمريكية والقيود التجارية عبر الصين وروسيا، وفي بعض الأحيان من خلال الاتحاد الأوروبي، الذي يقوم بتطوير آلية لتسهيل التجارة المستمرة مع إيران، على الرغم من انسحاب إدارة ترمپ من الاتفاقية النووية مع إيران.([8])

ثانياً: سياسات دول المنطقة عقب الحرب الروسية الأوكرانية:

  • مقابل النتائج الأولية للحرب الروسية الأوكرانية، تعرضت سمعة الأسلحة الروسية في منطقة الخليج العربي إلى ضربة في مقتل افقدتهم الثقة فيها.([9])
  • طالبت السعودية والإمارات الولايات المتحدة بإعادة تفعيل اتفاقيات الدفاع، وقد وافقت فرنسا في التو، أما أمريكا فقد تأخرت في الرد خمسة أسابيع حتى ردت بالموافقة لتقليص أزمة النفط كنتيجة للحرب الروسية الأوكرانية([10])، خاصة أن أمريكا قامت من فترة بإعادة إنتشار أساطيلها في شرق آسيا تاركة التهديد الإيراني.([11])
  • يوم 02 مارس 2022 قامت (141) دولة حول العالم من ضمنها جميع دول الخليج ومصر وتركيا وإسرائيل بالتصويت موافقة على قرار تم اقتراحه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة “يدين بأشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا”، ويطالب روسيا بـ”الكف فورا عن استخدامها للقوة ضد أوكرانيا والامتناع عن أي تهديد أو استخدام غير قانوني للقوة ضد أي دولة عضو”، بحسب بيان نشر على موقع الأمم المتحدة.([12])
  • السعودية والإمارات وافقت على قيام أوبك بلس بزيادة حجم الإمداد بالنفط، للحد من أسعاره المتزايدة.([13])
  • المشرعون الأمريكيون يناقشون مشروع قرار بدمج نظام دفاع جوي للشرق الأوسط لمواجهة العدوان الإيراني، حيث يقترح التشريع الأمريكي أن يعمل البنتاغون مع إسرائيل لدمج الدفاعات الجوية لست دول مجلس التعاون الخليجي هي البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات مع مصر والأردن والعراق بهدف إحباط تهديدات الميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء المنطقة.([14])
  • وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع مصر وإسرائيل لتعزيز صادرات شرق المتوسط من الغاز إلى أوروبا. وتهدف الاتفاقية إلى توسيع شحنات الغاز الطبيعي المسال عبر مصر خلال عامين.[15]
  • الاتحاد الأوروبي يعمل مع مصر على إبرام شراكة الهيدروجين الأخضر المصري.

ثالثاً: الاستنتاجات:

أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى عودة ارتباط الولايات المتحدة بدول الخليج ودول عربية أخرى من ضمنها مصر كالآتي:

  • نظراً لتزايد أسعار النفط عالمياً، عملت الولايات المتحدة على استعادة روابطها مع دول المنطقة، وتحديداً مع دول الخليج ومصر والأردن والعراق وإسرائيل.
  • سرعت الحرب الروسية من خطط عقد اتفاقيات أوروبية في مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل على حساب روسيا ارتباطاً بمساعي أوروبا بعدم الاعتماد على النفط الروسي.
  • إجبار كل من الولايات المتحدة وفرنسا لسرعة إعادة تفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك مع دول الخليج، السعي لبناء منظومة دفاع جوي مشترك مع دول امنطقة ضد إيران.
  • أضرت الحرب الروسية الأوكرانية بموقف إيران، لسببين:
  • الأول: عودة الولايات المتحدة أمنياً للمنطقة ضد إيران.
  • الثاني: التقارب الصيني الروسي مع استعواض روسيا مبيعاتها المفتقدة من النفط إلى أوروبا لتكون إلى الصين، ستقلل من احتياج الصين للنفط الإيراني نسبياً.
  • مكنت الحرب الروسية الأوكرانيا تركيا من اتخاذ موقف يحقق مصالح الإقليمية أمام الولايات المتحدة وأوروبا، مما جعلها أكثر اقتراباً من منطلق تبادل المصالح على حساب روسيا من جانب، والتقارب الأمني بصفة تركيا دولة عضو ناتو ملتزمة بتطبيق بنود الناتو حالة استخدام القوة كتحالف يض تركيا ضد التهديد الروسي.

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل


(المصادر)

[1]) الحرة، اتفاقية مع الأسد.. مبرر أردوغان للتوغل في سوريا، 11 أكتوبر 2017.

[2]) Reuters, Is Egypt bombing the right militants in Libya? 31 May 2017.

[3]) Helene Cooper, “White House Looks to Ease Arab Fears over Iran Nuclear Pact,” New York Times, 01/05/2015.

[4]) Barbara Opall-Rome, “Trump Could Let the UAE Buy F-35 Jets,” Defense News, 04/11/2017

[5]) “Russia, Saudi Arabia Hold Additional Consultations on S-400 Supplies–Rosoboronexport,” TASS, February 17, 2019; Vladimir Soldatkin, “Russia and Qatar Discuss S-400 Missile Systems Deal TASS,” Reuters, 21/07/2018.

[6]) رامي عزيز (دكتور)، محاولات روسيا المقلقة لتأسيس نفوذها في مصر، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 24/05/2018.
[7]) Ilan Berman, Pundicity Informed Opinion & Revie, U.S.-China Competition Will Change The Middle East, 11 May 2020.
[8]) بي بي سي، روسيا تعد بمساعدة إيران في بيع نفطها بعد تفعيل العقوبات الأمريكية عليها، 03 نوفمبر 2018.
[9]) نتائج نقاشات مع بعض ملحقي الدفاع بدول الخليج.

[10]) نتائج نقاشات شخصية مع ملحق الدفاع البلجيكي بأبوظبي العقيد ايرك ميكيلز خلال شهر مايو 2022.

[11]) الإمارات تعلن إعادة تفعيل تفاقية الدفاع المشترك مع فرنسا. 05 فبراير 2022، https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2022/02/05/uae-france

[12]) كيف جاء تصويت الدول العربية على قرار إدانة روسيا؟ سي إن إن، 03 مارس 2022،    https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2022/03/03/arab-countries-united-nations-russia

[13]) New York Times, OPEC Plus agrees to a bigger increase in oil supply. But prices keep rising. 02 June 2022. https://www.nytimes.com/2022/06/02/business/opec-oil-saudi.html

[14]) Iran Intel, US Lawmakers Want To Integrate Mideast Air Defense System To Combat Iran’s Aggression, https://www.iranintl.com/en/202206099239

[15]) Reuters, EU, Israel and Egypt sign deal to boost East Med gas exports to Europe, 15 June 2022. https://www.reuters.com/business/energy/eu-israel-egypt-sign-deal-boost-east-med-gas-exports-europe-2022-06-15/

Share:

administrator

PhD, MG(Ret.), Chairman IGSDA (UAE), Visiting Scholar in International Relations & International Security in several countries, (Egyptian)