وصلنا للشهر الثامن من الحرب الروسية الأوكرانية، حيث حدثت متغيرات كثيرة غيرت من مسار الحرب وعلينا أن نتصور الأن، كيف تفكر الولايات المتحدة وكيف يفكر بوتين.

أولاً: كيف تفكر الولايات المتحدة الآن؟

ربما تنظر الولايات المتحدة للموقف الحالي من منطلق أن بوتين قد بقي له أربع إرتكازات قوة سارية، وهي:

١- وجود القوات الروسية بالفعل داخل الأراضي الأوكرانية، والسيطرة على حوالي ١٨٪ منها في الجزء الملئ بالثروات.

ويسقط هذا الإرتكاز حالة إستمرار الآداء العسكري الروسي والأوكراني بنفس المعدل، وزيادة الدعم الدولي لأوكرانيا، خاصةً الطائرات المقاتلة متعددة المهام والدبابات النوعية ووسائل النيران المتطورة بعيدة المدى.

من جانب آخر، ترى الولايات المتحدة، عسكرياً، وحتى الآن، أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا فاشلة بكل المعايير. ولكن روسيا لم تُهزم، كما أنها لم تنتصر حتى الآن، حيث إن الفشل والنجاح يرتبطا بمستوى الأداء ومدى تحقيق الأهداف. أما النصر والهزيمة فيرتبطا بمدى صلابة الإرادة أو ضعفها. ومن ثم، فإن الأداء الروسي فاشل ولكن الإرادة الروسية صلبة. وبناءً عليه، ولكسر الإرادة الروسية، أتوقع تكثيف العمليات النفسية للفصل بين إرادة القيادة السياسية الروسية وبين إرادة الشعب الروسي، وكذا الفصل بين إرادة القيادة السياسية الروسية وإرادة القوات العسكرية على الأرض، وبما يضمن الهزيمة المؤكدة في مسرح العمليات وفي الداخل الروسي.

٢- علاقات روسيا مع ما تعتبرها الولايات المتحدة دول مارقة، تمتلك القدرات العسكرية والتكنولوجية والچيوستراتيچية، وهي إيران والتي لديها دوراً فاعلاً في إرباك منطقة الخليج العربي واليمن، ومع كوريا الشمالية والتي لها دوراً فاعلاً فى إرباك كوريا الجنوبية واليابان، ومع ڤينزويلا وكوبا في الفناء الخلفي الأمريكي.

وهي من أخطر الركائز الإقليمية التي يستند إليها بوتين، ولذا تستغل الولايات المتحدة رفض الصين لأي تحرك كوري شمالي في بحر الصين الجنوبي أو إيراني في الخليج العربي، قد يهدد مصالح الصين الإقتصادية والأمنية والتي بذلت فيها الجهد والأموال والوقت لتصل لما تسعى إليه.

٣- امتلاك روسيا للسلاح النووي دون استخدامه.

ولا يمكن الحكم على قدرة هذا الارتكاز الحقيقية إلا حالة استخدامه، وذلك ارتباطاً بمكان الاستخدام، والعيار، وحجم ومدى التأثير.

٤- عضوية روسيا الدائمة في مجلس الأمن، وامتلاكها حق استخدام الڤيتو.

ولضرب هذا الارتكاز، أزعم أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ينتظروا قيام روسيا باستخدام السلاح النووي بأي شكل، لإعادة إدانة روسيا في مجلس الأمن والعمل على إيجاد الإجراءات والتدابير اللازمة لإسقاط عضوية روسيا في مجلس الأمن وحرمانها من حق استخدام الڤيتو، وبما يشرع إدانتها بإجماع دولي مبير، وبما يهيئ ممارسة كافة الضغوط لتشجيع الداخل الروسي ضد بوتين أو تهديد موسكو بالعقوبات العسكرية الملزمة، ووضع اليد على الأسلحة النووية الروسية مقابل إسقاط بوتين من الداخل.

ثانياً: كيف يفكر بوتين الآن؟

أزعم أن بوتين يفكر في الإستمرار في خطة الردع والحشد المعنوي وتجهيز مسرح العمليات بشكل متواصل، وربما لا نهائي، كالآتي:

١- الإنتهاء من مراسم ضم الولايات الأربع للإتحاد الروسي بشكل نهائي يعتد به قانونياً، مع وضع حدود دولية نهائية للولايات الأربع كجمهوريات تابعة للإتحاد الروسي وواقعة على الحدود الأوكرانية، ووضعها تحت مظلتها النووية. وربما يترك بعض منها لأوكرانيا ويتم التمسك بالبعض الآخر.

٢- ترجيح نقل جزء من الأسلحة النووية على الملأ، معظمها أقل من عيار (٥) كيلوطن، (على الأرجح إلى ولاية زابورودچيا المنضمة حديثاً لروسيا)، على أن يتم تخزينها في مخازن مجهزة لذلك، وأن تكون جاهزة للاستخدام. مع احتمال تنفيذ تفجيرات حقيقية في صورة تجارب نووية في المنطقة الفضاء بزابوردچيا أو مناطق أخرى، بصفتها أراضي روسية.

٣- قيام الطائرات الروسية المحملة برؤوس نووية بتكرار تنفيذ اختراقات فوق سماء دول البلطيق.

٤- في نفس التوقيت، وفي تزامن وبإحكام شديد، تستمر القيادة العامة للقوات المسلحة الروسية تنفيذ عمليات التعبئة الجزئية، وقد تستكمل بالتعبئة الكلية، مع القضاء بأي شكل على تحديات التعبئة من بيروقراطية ومشاكل تسليح وتدريب والأهم، تنفيذ أعمال التعبئة والحشد المعنوي للشعب والقوات الروسية.. مع الاحتواء الكامل لفئات الشعب الروسي خاصةً الشباب والمدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، وقيام بوتين بتكثيف لقاءات مع الرموز.

٥- وفي تزامن وبسرعة قدر المستطاع، تقوم القيادة العامة الروسية بسحب القوات العاملة في الداخل الروسي على الاتجاهات الاستراتيجية الأخرى لتكوين مجموعات قتال واحتياطيات تعبوية واستراتيجية وإعادة نشرها لتعمل على الجبهة الأوكرانية، على أن يتم نشر أكبر قدر من القوات المعبئة على الإتجاهات الاستراتيجية الأخرى بدلاً من تلك القوات العاملة.

٦- التواصل غير المباشر مع الأحزاب الشيوعية المعارضة في بعض دول أوروبا الشرقية لانتهاز فرصة الشتاء ونقص موارد الطاقة لإسقاط حكوماتهم الأوروبية الفاشلة.

٧- حشد معنويات الشعوب العربية والإسلامية التي تمتلك الثروات والنفط والغاز ضد أعداء الله الكفرة من الأمريكان والأوروبيين، الداعين للمثلية ولهدم كافة القيم الدينية والأخلاقية، والمتسببين في كافة الصراعات والمذابح والإرهاب حول العالم، وينهبون ثرواتهم. ودعوة شعوب تلك الدول ليكونوا صفاً واحداً ضد اعدائهم، أعداء العروبة والإسلام.

ثالثاً: مؤشرات تزايد احتمالات استخدام بوتين لأسلحة التدمير الشامل:

تلجأ روسيا الاتحادية لأسلحة التدمير الشامل حالة تهديد كيان الدولة، ويلجأ بوتين لاستخدام أسلحة التدمير الشامل حالة تهديد هو شخصياً.

وتزداد احتمالات قيام بوتين لاستخدام أسلحة التدمير الشامل ارتباطاً بالمؤشرات التالية:هو استنتاج أقرب لليقين، نتيجة للآتي:- وضع قواته على الأرض، مع تحولها التام للدفاع وحدوث اختراقات على محورين منفصلين.- وضع بوتين السياسي في الداخل نتيجة الضغوط الشديدة من المعارضة وقيادات مثل رمضان قديروف زعيم الشيشان ويڤجاني بريجوچن قائد مجموعة ڤاجنر.. وكذا ممن يطلق عليهم المدونين العسكريين (ذراع بوتين الإليكتروني) ومن جموع المدونين الروس العاديين على مواقع التواصل الاجتماعي وأهمها تيليجرام.- تأكد بوتين من عدم إحداث التأثير الكافي على أوروبا من كروت الضغط التي يملكها: كمنع الغاز، والمظاهرات في بعض الدول الأوروبية، والنتائج العكسية على خصومه من جراء العقوبات الواقعة عليه، والعمليات النفسية، ..- الإسراع في ضم الولايات الأربع الجديدة لروسيا وبما يسمح له أن ينقل أي وحدات أو أسلحة تدمير شامل إليها باعتبارها أراض روسية يمكنه استخدامها فيها ولو في صورة تجارب وكما استنتجت في البند رقم في البند السابق لي بعنوان “كيف يفكر بوتين؟”.

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم

زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا

رئيس معهد شؤون الأمنالعالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل

Share:

administrator