أولاً: “تطورات أعمال الجانبين

يوم 10  أكتوبر – ي ٢٢٩ ع، شنت القوات الروسية هجوماً صاروخياً مكثفاً على أكثر من 20 مدينة، بما في ذلك العاصمة كييڤ. تشير تقارير المعلومات الواردة للآتي:

حجم النيران التي أطلقتها القوات الروسية:

أكثر من عدد 84 صاروخ كروز.

عدد 24 هجوماً بالدرونز، (13 شهيد-136 إيراني الصنع + 11 درونز أنواع أخرى).

مصادر الإطلاق:

أطلقت القوات الروسية صواريخ من 10 قاذفات استراتيجية تعمل في بحر قزوين ومن نيجني نوفجورود وأنظمة إسكندر للصواريخ الباليستية قصيرة المدى ومن 6 حاملات صواريخ في البحر الأسود. أُطلقت درونز شاهد -136 من القرم وبيلاروسيا.

نتائج إجراءات الصد للقوات الأوكرانية:

في المقابل، أسقط الدفاع الجوي الأوكراني عدد 43 صاروخ كروز وعدد 10 طائرات بدون طيار شهيد -136 وعدد 3 درونز غير محددة.

نتائج تأثير الضربات الروسية:

نجاح إصابة 70 هدفاً، بما في ذلك 29 من مرافق البنية التحتية الحيوية، و 4 مباني شاهقة، و 35 مبنى سكنياً، ومدرسة.

صرحت وزارة الدفاع الروسية أن القوات الروسية أكملت بنجاح مهمة ضرب مراكز القيادة العسكرية الأوكرانية والبنية التحتية للمواصلات وأنظمة الطاقة في أوكرانيا. إلا أن التقارير أظهرت أن الروس قاموا بدلاً من ذلك بضرب ملعب للأطفال وحديقة وقنصلية ألمانية ومركز أعمال من بين أهداف أخرى غير عسكرية.

الإجراءات السياسية والمعنوية الروسية:

عقد بوتين اجتماعاً مع مجلس الأمن الروسي، حضره وزير الدفاع شويجو. حيث ركز بوتين في كلمته على ضرورة التماسك الداخلي بين شعب الإتحاد الروسي، كما صرح بأنه قد أمر بشن ضربات صاروخية على البنية التحتية الأوكرانية رداً على “عمل إرهابي” على جسر مضيق كيرتش. واتهم بوتين أوكرانيا خلال اجتماعه مع مجلس الأمن الروسي بارتكاب أعمال إرهابية ضد البنية التحتية الروسية المدنية والحيوية، وتحديدا ضد جسر مضيق كيرتش ومحطة كورسك للطاقة النووية وأجزاء من نظام نقل الغاز التركي، ولم يعلن المسؤولون الأوكرانيون رسمياً المسؤولية عن الانفجار الذي وقع على جسر مضيق كيرتش.

وأكد بوتين أنه سيجري تصعيداً نسبياً في أي أعمال انتقامية مستقبلية. وذكر أنه إذا استمرت أوكرانيا في تنفيذ “هجمات إرهابية ضد الأراضي (الروسية)، فإن الردود الروسية ستكون قاسية، وسيتوافق حجمها مع مستوى التهديد على الاتحاد الروسي”. يشير إعلان التناسب هذا إلى أن بوتين ينوي الاستمرار في تسلق سلم التصعيد المتدرج بحذر وبدرجة بدلاً من القفز إلى تدابير أكثر دراماتيكية مثل استخدام الأسلحة النووية. قد يقصد بوتين أيضاً إرسال رسالة إلى المعسكر الروسي المؤيد للحرب مفادها أنه يجب عليه إدارة توقعاته بشأن القصف اليومي المستمر لأوكرانيا على غرار القصف الذي يتم إجراؤه اليوم.

من جانبهم، ودعماً لقرارات الرئيس بوتين، رحب أصحاب المجلات الروسية بأغلبية ساحقة بالضربات وضخّموا تصريح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدڤيديڤ بأن المزيد من الهجمات ضد أوكرانيا ستتبع قريباً. ذكرت الاستخبارات الأوكرانية والغربية سابقاً أن روسيا أنفقت جزءاً كبيراً من صواريخها عالية الدقة، ومن المحتمل أن يعرف بوتين بشكل أفضل من ميدڤيديڤ أو المربعات أنه لا يمكنه تحمل هجمات بهذه الكثافة لفترة طويلة.

الموقف البيلاروسيي:

أعلن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في 10 أكتوبر، أن بيلاروسيا وروسيا اتفقتا على نشر التجمع الإقليمي للقوات التابعة لدولة الاتحاد – وهو تشكيل استراتيجي للوحدات الروسية والبيلاروسية المكلفة بالدفاع عن دولة الاتحاد. وصرح لوكاشينكو أنه اتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 07 أكتوبر على “نشر” غير محدد لقوات RGV الروسية البيلاروسية “للتصدي للتصعيد على الحدود الغربية لدولة الاتحاد”، لكنه لم يحدد بوضوح معايير الانتشار. وقد صرح لوكاشينكو أن أكثر من ألف جندي روسي سينتشرون في بيلاروسيا وأن مجموعة روسية/ بيلاروسية بدأت في تشكيلها في 8 أكتوبر.

ثانياً: نقاط توضع في الإعتبار:

ذكرت تقارير خاصة أن بوتين كان يخطط لهذا الضربات النيرانية قبل انفجار جسر مضيق كيرتش، مما يرجح أن بوتين خطط لهذا الهجوم لتطهير سمعة قواته التي فشلت وانسحبت في الشمال من (خاركيف – إيزيوم – ليمان).

حضور وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو اجتماع الرئيس الروسي مع مجلس الأمن، يشير إلى أن بوتين استقر على الاستجابة لواحد فقط من مطالب المجتمع المؤيد للحرب في هذا الوقت وهو تغيير قائد العملية العسكرية فقط.

تركيز بوتين في كلمته أمام مجلس الأمن الروسي على تماسك الشعب أمام العقوبات يشير لضعف التماسك الداخلي بين فئات الشعب الروسي، وكذا مدى تأثير العقوبات والعزلة السياسية والاقتصادية على روسيا بشكل حقيقي.

ضرب العديد من الأهداف المدنية الأوكرانية في 10 أكتوبر، يشير لأن الهجمات الروسية قد أهدرت بعض الأسلحة الدقيقة الروسية المتضائلة ضد أهداف مدنية، تاركة العديد من الأهداف العسكرية المهمة.

أن الهجمات النيرانية الانتقامية ضد البنية التحتية والأهداف الاستراتيجية الأوكرانية ليست عملاً انتقاماً بشكل حقيقي يهدئ القوميين الروس، فلقد استهدفت روسيا من قبل محطات كهرباء ومراكز تسوق وسدود وأهداف استراتيجية أخرى عديدة، مما يشير إلى أن تلك الهجمات الصاروخية والدرونز ما هي إلا تكرار لضربات اعتمادها الأوكران. ولنا أن نتذكر أنه في حرب الخليج الثانية نفذت قوات التحالف عدد 100 ألف طلعة طيران خلال 43 يوم تمهيد نيراني، استخدمت خلالها 88،500 طن من القنابل، أي بمعدل 4700 طلعة طيران في اليوم قامت بقذف ما يزيد عن 2000 طن من القنابل يومياً.. وليس عدد 84 صاروخ و24 درونز مُلغم.

ولا أقصد هنا مقارنة القدرات النيرانية بين حربين ولكن توضيح كيف يكون الحجم المفترض للقدرة النيرانية أثناء تنفيذ ضربة انتقامية بواسطة دولة عظمى، الثاني عسكرياً على العالم.

أسقطت الدفاعات الجوية الأوكرانية نصف الطائرات الروسية بدون طيار وصواريخ كروز.

عدم توقف أو تهدئة أو تخفيض نبرة وتحركات القيادة أو القوات الأوكرانية، بل على العكس، تلاحظ استمرار في نبرة التصعيد.

عدم رد الولايات المتحدة وأوروبا بالتهدئة أو توقف الدعم المستمر لاوكرانيا، بل أعلنت ألمانيا تسليم أوكرانيا 100 دبابة من اليونان والتشيك تقوم ألمانيا باستعواضهم للدولتين، فضلاً عن أسلحة دفاع جوي.. كما إستمرت الولايات المتحدة في مسلسل التصديق على مبالغ إضافية لدعم أوكرانيا.. فضلاً عن حزمة من العقوبات.

استمرار استخدام بوتين لأوراق قابلة للنفاذ دون ردع حقيقي للقوات الأوكرانية وبما يكسر إرادتها في الحرب أو بما يوقف الدعم الغربي لأوكرانيا، أو دون حسم حقيقي للحرب بأي شكل، سيزيد الخناق على بوتين مع استمرار رفضه للنتائج.

ثالثاً: التوقعات:

استمرار تنفيذ القصفات الصاروخية والدرونز والمدفعية بعيدة المدى ضد أهداف أوكرانية متنوعة، مع عدم إعلان نتائج هذه الضربات بشكل دقيق، ولا حجم التصدي الأوكراني لها. إلا أن استخدام روسيا لإمداداتها المحدودة من الأسلحة الدقيقة في هذا الدور قد يحرم بوتين من خيارات تعطيل الهجمات المضادة الأوكرانية الجارية في منطقتي خيرسون ولوهانسك.

لا يزال من غير المحتمل أن تهاجم القوات الروسية والبيلاروسية أوكرانيا من الشمال، على الرغم مما أعلنه لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا في هذا الصدد.

تنفيذاً لوعيد بوتين، خاصةً حالة قيام أوكرانيا بضرب أهداف حيوية جديدة لروسيا، قد تضطر القوات الروسية لتنفيذ ضربات أخرى ضد بنية تحتية استراتيجية وأهداف عسكرية أوكرانية مستخدمة جزء من مخزونها المتبقي من صواريخ كروز بأنواعها.

في المقابل، قيام الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا باستمرار إمداد أوكرانيا بأسلحة دفاعية متطورة من أنظمة Nasmas و IRIS-T. وكذا الاستمرار في تزويدها بأسلحة هجومية كالدبابات والدرونز والمدفعية الصاروخية HIMARS، فضلاً عن وسائل نيران المدفعية ذاتية الحركة المتطورة، مع التعجيل بتسليم ما تم إقراره من أسلحة من قبل.

تزايد إلحاح أوكرانيا بمطالبة الولايات المتحدة لتزويدها بصواريخ باليستية ميدانية من طراز ATCAMS، إلا أن الولايات المتحدة قد تستمر في الرفض تخوفاً من التصعيد المبالغ فيه مع احتمال استخدام القوات الأوكرانية لها ضد أهداف داخل الأراضي الروسية.

باستغلال أسلحة الدعم المتدفقة لأوكرانيا وحالة تعجيل وصولها، وقبل كثافة الحليد، أتوقع أن تعمل أوكرانيا على محورين:

الأول، عسكرياً: بسرعة إحداث اختراقات جديدة أو تعميق الاختراقات الحالية على أي من المحاور التعبوية الثلاث.

الثاني، معنوياً: استمرار ضرب أهداف استراتيجية روسية دون إعلان أوكرانيا مسؤوليتها عن التنفيذ كما اعتادت أن تفعل.

وبما يضيق الخناق على القرار الروسي وتثبيته في موضع رد الفعل.

يجب التحسب في التقدير، انه مع نفاذ كافة الأدوات والوسائل التي يستخدمها بوتين دون حسم الموقف لصالحه وإجبار خصومه على الجلوس على طاولة التفاوض بشروطه، يقرب مع الوقت احتمالات استخدام بوتين لأسلحة الدمار الشامل، كورقة أخيرة يهدف بها إلى كسر إرادة خصومه وإجبارهم على التفاوض بشروطه، وإن كانت ستكون انتحاراً.

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل كلية الحرب العليا/ أكاديمية ناصر العسكرية العليا

رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل

المصادر:

مصادر علنية دولية.

مصادر خاصة.

آراء باحثين مساعدين.

Share:

administrator