صباح السبت 19 نوفمبر 2022، يوم 268 عمليات

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم، دكتوراه العلوم السياسية من جامعة بورسعيد، وزميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، هو رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، والأستاذ الزائر بالأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل

باقي أيام قليلة على بدء الشتاء وكساء الأراضي بالجليد، كما ستزيد الأمطار من برك الطين التي ستتجمد مع الوقت خلال الشتاء القارص، الأمر الذي يدفع قوات الجانبين الروسي والأوكراني لاتخاذ كافة الإجاراءات اللازمة للتحصن وامتلاك اليد العليا في الحرب، وهو أمر شديد الصعوبة على الجانبين لأسباب متفاوتة، إلا أن كلا الجانبين يمتلك مميزات تدفع لصالحه أيضاً.

ولتقييم الأداء العسكري المحتمل للجانبين في الشتاء، سأتناوله باختصار بشكل علمي من خلال مكونات الحرب الثلاث، وكما وضحت في تقديرات سابقة، وهي: (المكون الفكري – المكون المادي – المكون المعنوي).

أولاً: المكون الفكري:

نظراً للتأثير السلبي للشتاء على كلا الجانبين، أتوقع قيام كل من قيادتي القوات الروسية والأوكرانية على السواء بالتخطيط للتمسك بالأراضي التي تحت سيطرة كل منهما، مع قيامهما بالتخطيط للتوسع في تنفيذ ضربات صاروخية ومدفعية بعيدة المدى، وهجمات سيبرانية، وإجراءات العمليات النفسية، وأعمال خاصة خلف الخطوط.

سقوط أوراق الشجر يصعب أعمال الإخفاء من ملاحظة العدو والاستتار من نيرانه، كما يؤثر سلباً على نجاح تنظيم الكمائن والقتال ب تحديد موقع العدو، مما يسمح بعدد أقل من الكمائن والمعارك التي يتم إجراؤها على مسافة أكبر من خلال تكتيك حرب الدبابات المدعومة بالمشاة والمدفعية.

قد يؤدي البرد إلى إبطاء وتيرة الهجوم المضاد لأوكرانيا، مما يمنح الجنرالات الروس فرصة للتعافي، والتي ربما كانت دعماً لحساباتهم في الانسحاب من خيرسون. إلا أن لديهم أيضاً خطاً أمامياً بطول 1100 كيلومتر للدفاع بالإضافة إلى احتياجهم لحجم كبير من القوات، والتي بالتالي تحتاج للتدريب والتجهيز والإمداد.

التخطيط للهجوم في الشتاء يكون أكثر تفضيلاً للقوات التي تقاتل على أرضها وهو ما قد يضيف لأسهم القوات الأوكرانية، وذلك لصعوبة توفير الإمداد للقوات الغازية خاصة مع بعد مسافات تمركز القواعد الإدارية الاستراتيجية ومخاطر النقل والمواصلات.

ثانياً: المكون المادي:

الشتاء في روسيا هو الذي دمر جيش نابليون وأدى لانسحابه من أراضيهم، رغم اقتراب حجم الجيش الفرنسي الغازي لنصف مليون مقاتل. وهي نفس الظروف التي واجهت قوات هتلر، إلا أن الجيش الألماني لم يواجه الشتاء فقط، بل واجه هجمات قوية وحصاراً فرضته القوات الروسية على جيش هتلر في ستالينجراد. فعندما وصل الفيرماخت إلى ضواحي موسكو في أواخر عام 1941، أدرك قادتهم بعد فوات الأوان أنهم ليس لديهم ملابس شتوية وأن الأسر الألمانية أرسلت معاطفها وفراءها الشخصية لأبنائها المقاتلين إلى خط المواجهة، ولكن في وقت متأخر.

ولدعم أوكرانيا في هذا الشتاء، أرسلت كندا للقوات الأوكرانية، نصف مليون طاقم تدفئة مكون كل منها من سترات شتوية وأغطية رأس وسراويل وأحذية طويلة وقفازات، جميعها مبطنة بالفراء والصوف. كما أرسلت بريطانيا ربع مليون طاقم تدفئة مماثلة، فضلاً عن 12000 مجموعة للنوم في الجليد وعدد 150 خيمة مخصصة للمبيت الدافئ في الجليد.

في المقابل، تواترت معلومات أن جنود الاحتياط الروس يصلون بدون أكياس نوم وأن معهم معدات للقتال والمبيت في الجليد منخفضة الجودة، وبما لا يسمح لهم للنوم أو القتال في العراء على خط المواجهة.

عاشت أوكرانيا خريفاً رطباً للغاية، ولكنه كان معتدلاً، وهو أمر سيواجه تغيراً حاداً، حيث من المتوقع أن تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير وصولاً للدرجات السالبة والتجمد في خيرسون خلال الإسبوع الأخير من نوفمبر أو قبل ذلك بقليل. وهو ما دفع القيادة الروسية لسحب قواتها من غرب النهر إلى شرقه، لتجنيبهم العراء والتعرض لنيران العدو والبرد القارص في آن واحد.

إلا أن الشتاء، وبالشكل المتوقع، سيحدد أي جانب سيكون له اليد العليا بحلول الربيع، كما سيحدد مسار الحرب، أو سيكون له اليد العليا على طاولة المفاوضات، ولكنه لن يحسم الحرب أو ينهيها.

سيزيد البرد القارص والجليد من صعوبة ظروف القتال، حيث تجرد العواصف الخريفية الأشجار من الأوراق التي تحقق الإخفاء للقوات خاصة من العديد من طائرات المراقبة بدون طيار.

تحتوي الدرونز الرخيصة على كاميرات بصرية وليس لديها قدرة على الإضاءة المنخفضة. من جانب آخر نجد الدرونز العسكرية ورغم أنها مزودة بكاميرات حرارية يمكنها اكتشاف المركبات المدرعة تحت الغطاء، لكنها ستواجه مشاكل في الضباب المتجمد في الشتاء القارص. وفي كل الأحوال ستتأثر أنظمة ملاحة الدرونز المعرضة للجليد.

ثالثاً: المكون المعنوي:

للروح المعنوية والعقيدة والإيمان بالقضية والهدف وقوة القيادة ومدى تأثيرها على القوات تأثيرات هامة في هذه الظروف.. ورغم أن الجانب الأوكراني يتمتع بحظ أوفر في هذه العناصر، إلا أن الجانب الروسي يضع الأهداف من هذه الحرب أمر حتمياً لا يمكن التنازل عنه، حتى في أصعب الظروف مثل الشتاء القارص والجليد وقلة الإمكانيات.

لرفع الروح المعنوية للجنود وبهدف إشعارهم بالدفء، سيزيد الجانبان من توفير الخمور والكحوليات بأنواعها لجنودهم، الأمر الذي قد يصل لحد غياب المقاتلين عن الوعي في ظروف حرب شرسة، ويؤدي لعدم قدرة الجنود على تنفيذ المهام بشكل سليم أو حتى الدفاع عن مواقعهم نظراً لتغيبهم عن الوعي بسبب تناول تلك الخمور. وأعتقد أن الجانب الذي سيتحكم في هذا الأمر ولن يزيد منه، سيكون الجانب الأفضل وضعاً.

سيكون لمهمات التدفئة والغذاء والذخائر، الأكثر فاعلية في الشتاء القارص والجليد، تأثير قوياً على الروح المعنوية للجنود، وصاحب الحظ الأوفر في هذه العناصر ستزيد فرص تفوقه في الشتاء.

الاستنتاجات:

رغم أن الروس كانوا في حالة أفضل في بداية الحرب في 24 فبراير 2022، إلا أنهم فضلوا القتال مع نهاية الشتاء وليس خلاله، وهو ما قد يشير لزيادة صعوبة موقفهم الحالي في ظل الظروف الأكثر صعوبة التي يعانوا منها هذا الشتاء كالكفاءة القتالية والقدرة على الإمداد وانخفاض الروح المعنوية نتيجة للانسحابات المتتالية في الشهور الأخيرة.

تمتلك القوات الأوكرانية أطقم التدفئة ومعدات غربية متطورة والروح المعنوية العالية والتدريب، لكن القوات الروسية تمتلك تاريخ من القتال في البرد القارص.

الروح المعنوية ليست سوى عنصر واحد من عناصر حرب في الشتاء القارص، إلا أن المعدات الفعالة تعتبر مفتاحاً للقدرة القتالية العالية، وسببا في رفع الروح المعنوية ذاتها.

سيحتاج الجانبين إلى حجم كبير من القوات لاستكمال القتال، الأمر الذي سيدفع روسيا لتنفيذ أعمال تعبئة غير مُعلنة أو إعلان التعبئة مرة أخرى أو إعلان التعبئة العامة، وسيدفع أوكرانيا لفتح الباب لإشراك مقاتلين جدد بأقصى سرعة ممكنة، وربما يتم هذا الآن.

سيؤدي الانخفاض الشديد في درجات الحرارة إلى تجمد طبقات الطين، وسيشكل عائقاً وتحدي قوي لمعدات القتال للجانبين، مما يظهر اختباراً حقيقياً لأداء القوات وكفاءة الأسلحة والمعدات، وعلى رأسها أجهزة الاستشعار مع تزايد ساعات الليل مقارنة بساعات النهار.

سيتطلب الجليد مزيداً من الوقود للمولدات، وسيتعين على العناصر الإدارية اعتياد التحرك والملاحة وتنفيذ المهامى في ظلام ساعات الليل الأطول مع اختفاء الغطاء الشجري.

سيسهل الجليد من إمكانية إخفاء الألغام الأرضية الأمر الذي سيزيد من معدلات الإصابة في القوات.

في الخريف، قللت الأراضي الرطبة من تأثير قصفات المدفعية، ومع انخفاض درجات الحارارة والتجمد ستزيد قصفات المدفعية من معدلات التأثير والإصابات.

ستزداد معدلات الإصابات التي تحتاج لإخلاء ومعدلات الموت الناتج عنها، حيث زادت الأمطار والعواصف من برك الطين بشكل سلبي في عمليات الإخلاء الطبي للجرحي في الخريف، واعتبرت تحدياً حقيقياً للمسعفين المسؤولين عن نقل الحالات المتأخرة من الجرحى والمصابين إلى غرف العمليات الميدانية لانقاذ حياتهم. الأمر الذي يزيد من نسب القتلى نتيجة الإصابات في مسرح العمليات. كما تؤدي رطوبة الجو في الشتاء القارص إلى زيادة حالات الأنفلونزا وحالات إصابات الجنود بسبب إنزلاقهم في الوحل.

ستقل فعالية الأسلحة والمعدات والمركبات الغربية غير المصممة للاستخدام في الشتاء القارص والجليد عكس الأسلحة والمعدات والمركبات السوفيتية القديمة الأصلح للقتال في تلك الظروف. فالمركبات السوفيتية على سبيل المثال مصممة خصيصاً للقتال في الشتاء القارص، وسيعرف جنود كلا الجانبين كيفية تشغيلها وإبقائها تعمل باستخدام مادة مانعة للتجمد وزيت محركات مخصص لذلك. كما أن للدبابات السوفيتية مسارات أوسع تساعد على القتال في الأرض الطينية والجليد.

ستعمل روسيا على رفع قدرات صمودها، كما ستضاعف حجم القوات وإعادة بناء مخزونها من الذخائر خاصة تلك التي لا تتأثر بعوامل الشتاء والجليد.

تقل كثافة القتال في الشتاء، القارص بلا شك، ولكن في ديسمبر أو يناير، قد يقرر الأوكرانيون بصعوبة، مع امتلاكهم لمعدات تمكنهم من القتال والبقاء في الشتاء، أن ينفذون أعمال هجومية لاستعادة أراضي جديدة.

إذا فشلت روسيا في دعم قواتها بشكل كافٍ، فإن البرد القاسي يمكن أن يحدث تأثيراً لا يمكن إصلاحه في استعدادهم لمواصلة القتال من أجل قضية، أزعم أن جنودهم ليسوا مقتنعين بها بالقدر الكافي.

  • المصادر:
  • مصادر علنية دولية.
  • مصادر خاصة، ونقاشات ولقاءات دورية.
Share:

administrator