أولاً: الموقف السياسي الإقليمي الأوراسي:

نشبت اشتباكات بين قرقيزستان وطاجيكستان أمس، حيث وقع تبادلاً لإطلاق النار بين حرس الحدود في البلدين يوم الأربعاء 14 سبتمبر، بعد خلاف جديد بشأن الحدود بين الدولتين الواقعتين في آسيا الوسطى.

حيث اندلع الاشتباك، الذي وقع عقب اجتماع تكتل أمني إقليمي وبالتزامن مع استمرار القتال بين روسيا وأوكرانيا وكذلك بين أذربيجان وأرمينيا، بعد أن اتهم حرس الحدود في قرقيزستان جنود طاجيكستان باتخاذ مواقع على جزء من الحدود لم يتم ترسيمه بعد.

وقرقيزستان وطاجيكستان حليفتان لروسيا وتستضيفان قواعد عسكرية روسية، لكن القتال يتكرر بينهما بسبب قضايا حدودية كادت أن تؤدي العام الماضي إلى نشوب حرب شاملة بين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين.

ويرى محللون أن تزامن تلك الصراعات الإقليمي في التحالفات الروسية يأتي في إطار تآمر أمريكي أوروبي، ويرى آخرون أنه يأتي نتاج ضعف بوتين وانشغال بلاده في الحرب في أوكرانيا. وأرى أن تلك الصراعات تأتي في إطار ضعف تحالف منظمة معاهدة الأمن الجماعي الذي يتضن كومنولث الدول المستقلة وهي (6) دول (روسيا – أرمينيا – كازاخستان – قيرقيزستان –  طاجيكستان – أوزباكستان – أذربيجان – بيلاروسيا – جورجيا).

جديرٌ بالذكر أن أذربيجان وجورجيا وأوزباكستان قد رفضا تجديد مشاركتهم في المنظمة لخمس سنوات أخرى، والذي أراه بجانب الصراعات بين أرمينيا وأذربيجان وبين قرقيزستان وطاجيكستان تهديداً خطيراً على روسيا خاصة في حربها الحالية في أوكرانيا.

ثانياً: موقف المساعدات الدولية لأوكرانيا:

يُظهر آخر تحديث لخريطة تعقب الدعم الأوكراني المدة (من 2 يوليو إلى 3 أغسطس) أنه في يوليو، تلقت أوكرانيا فقط حوالي 1.5 مليار يورو من التعهدات الجديدة بالدعم. هذا انخفاض حاد مقارنة بشهر أبريل أو مايو. علاوة على ذلك، جاءت معظم الالتزامات الجديدة من دولة واحدة، النرويج، التي تعهدت بتقديم مساعدة مالية قدرها مليار يورو. في المجموع، يسجل جهاز التتبع الآن ارتباطات بقيمة 84.2 مليار يورو.

حيث في يوليو، لم تبدأ الدول المانحة أي مساعدات جديدة تقريبًا، لكنها قدمت بعض الدعم الملتزم بالفعل مثل أنظمة الأسلحة”. ألمانيا، على سبيل المثال، لم تعلن عن أي دعم عسكري إضافي، على الرغم من أنها أرسلت مساعدات عسكرية كبيرة تم الالتزام بها في وقت سابق. لقد تراجع الدعم المالي والعسكري أكثر مما تحتاجه أوكرانيا. كما أنه لا يزال صغيراً فيما يتعلق بما يحشده بعض المانحين في بلدانهم للاستجابة للأزمات.

على مدار الأشهر الستة الماضية، كانت الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة أكثر الداعمين الموثوق بهم لأوكرانيا. تأتي المملكة المتحدة في المرتبة الثانية في ترتيب الدول من حيث إجمالي المساعدات، مع ضعف حجم الالتزامات التي تعهدت بها ألمانيا، وهو نفس مستوى كندا وبولندا. من اللافت للنظر مدى انتظام المساعدات من الدول الأنجلوسكسونية. وتدفع مفوضية الاتحاد الأوروبي من أجل حزم مساعدات أكبر وأكثر انتظامًا لأوكرانيا. ومع ذلك، هناك تأخير متكرر في تنفيذ هذه المبادرات على مستوى البلدان الأعضاء.

حجم الدول المانحة (40) دولة، وهي تحديداً الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والأعضاء الآخرين في مجموعة السبع، بالإضافة إلى أستراليا وكوريا الجنوبية وتركيا والنرويج ونيوزيلندا وسويسرا والصين وتايوان والهند. أيضًا، يتم تضمين مؤسسات الاتحاد الأوروبي كجهة مانحة منفصلة. و لا يتم تضمين التبرعات الخاصة أو تلك الواردة من المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي في قاعدة البيانات الرئيسية. علماً بأنه لا يتم تضمين التدفقات المتجهة إلى بلدان أخرى مثل مولدوفا على سبيل المثال.

ثالثاً: الموقف السياسي الداخلي الأوكراني:

قام يوم 14 سبتمبر الرئيس الأوكراني زيلينسكي بزيارة مفاجأة لمدينة إيزيوم بعد تحريرها، والذي أظنه تعبيراً على استراداد السيادة الأوكرانية على أراضيها المحتلة، خاصة بعد انسحاب القوات الأوكرانية من أنحاء خاركيف.

عندما انسحبت القوات الروسية في جزيرة الأفعى، كان مبرر قيادتها المُعلن أنه “بادرة حسن نية”. وعندما تم الانسحاب من محيط العاصمة كييف كان المبرر المُعلن أن هذا الانسحاب لإعطاء الأولوية لـ تحرير إقليم “دونباس”. ومؤخراً قامت وزارة الدفاع الروسية بالفعل بتقديم تفسيراً مشابهاً للفشل الروسي في خاركيف مدعية أن القوات الروسية كانت تسحب القوات من خاركيف لإعادة تجميع صفوفها في العمق، لكن هذه الرواية الكاذبة واجهت انتقادات سريعة وصاخبة على الإنترنت. إلى أن أدى الأمر لاعتراف الكرملين صراحة صباح يوم الأربعاء 14 سبتمبر بالهزيمة، وأزعم أنه جزء من محاولة لتخفيف الانتقادات وتحويلها لمثل هذا الفشل المدمر بعيداً عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وربما فيما بعد سيتم توجيه الرأي العام لأبعاد مسؤولية الفشل عن وزارة الدفاع الروسية. ولا شك أنها المرو الأولى التي تعترف بها موسكو علانية بهزيمة القوات الروسية منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022. وناقش مسؤولو الكرملين والدعاية الإعلامية الحكومية على نطاق واسع أسباب الهزيمة الروسية في خاركيف، وهو تغيير ملحوظ عن نمطهم السابق في الإبلاغ عن النجاحات الروسية المبالغ فيها أو الملفقة بتفاصيل محدودة. لم يعترف الكرملين أبداً بهزيمة روسيا حول كييف أو في وقت لاحق.

تعمل مصادر الكرملين الآن على تبرئة بوتين من أي مسؤولية عن الهزيمة، وبدلاً من ذلك تلقي باللوم في خسارة كل منطقة خاركيف على مستشارين عسكريين غير مطلعين داخل دائرة بوتين. حتى أن أحد أعضاء مجلس الكرملين للعلاقات بين الأعراق يدعى “بوجدان بيزبالكو”، ذكر أن المسؤولين العسكريين الذين فشلوا في تقدير موقف القوات الأوكرانية في خاركيف، بل انهم تجاهلوا ما ورد على قناة التواصل الاجتماعي الروسي “تليجرام “، التي حذرت من احتمال الهجوم المضاد الأوكراني الوشيك في منطقة خاركيف. وأزعم أن هناك خلاف بدء يتضح بين الكرملين ووزارة الدفاع الروسية. يُظهر اعتراف الكرملين بالهزيمة في خاركيف أن بوتين مستعد وقادر على الاعتراف بالهزيمة الروسية وحتى قبولها على الأقل في بعض الظروف والتركيز على صرف اللوم عن نفسه.

أعرب العديد من أعضاء مجلس الدوما الروسي عن قلقهم بشأن الوضع الرهيب على الخطوط الأمامية في أوكرانيا خلال الجلسة العامة الأولى للدوما في دورته الخريفية في 13 سبتمبر. حيث صرح زعيم الحزب الشيوعي الروسي “جينادي زيوغانوف” أن روسيا بحاجة إلى إعلان التعبئة الكاملة لأن “العملية العسكرية الخاصة” الروسية هي حرب شاملة وليس عملية خاصة أو محدودة. قال زيوغانوف إنه يمكن إنهاء “عملية عسكرية خاصة” في أي وقت، لكن الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا بالنصر أو الهزيمة، و “ليس لدينا الحق في خسارة” هذه الحرب. دعا زعيم حزب “روسيا العادلة – من أجل الحقيقة”، سيرجي ميرونوف، إلى “التعبئة” الاجتماعية، حيث يولي الروس العاديون اهتماماً أكبر للحرب في أوكرانيا، بدلاً من التعبئة العسكرية الكاملة. كما أشار زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، ليونيد سلوتسكي، إلى أن روسيا ستواصل القتال في “الصراع” الجيوسياسي مع الغرب. كما ناقش النواب موعد ديسمبر للجلسة التالية حول مشروع قانون من شأنه تبسيط تسليم إخطارات التجنيد نصف السنوية. سيسمح مشروع القانون، الذي يُرجح إقراره، لمراكز التجنيد العسكرية الروسية بإرسال إشعارات التجنيد الإجباري عبر البريد بدلاً من تقديمها شخصياً، وسيلزم الرجال الذين لم يتلقوا إشعاراً بالبريد بالظهور في مركز التجنيد المحلي على أي حال.

رابعاً: الموقف العسكري على الأرض:

خلال حرب امتدت لـ 200 يوم تكبد الجانبين الروسي والأوكراني خسائر فادحة في الأروح والأسلحة والمعدات، إلا أن الخسائر الروسية في أوكرانيا تلاحظ أنها تضخمت بمقدار العُشر وذلك خلال النصف الأول من شهر سبتمبر الجاري فقط، وذلك. حيث تضاعف معدل الخسائر الروسية وعمليات شطب المركبات ثم تضاعف ثلاث مرات عندما شن الأوكرانيون هجماتهم المضادة.

خلال يومي العمليات الماضيين، مقابل نجاحات القوات الأوكرانية في الشمال، يستمر الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية في الجنوب في إحداث تأثيرات كبيرة على الروح المعنوية والقدرات العسكرية الروسية. تُظهر صور الأقمار الصناعية لمواقع روسية معروفة في كيسيليفكا، على بعد 15 كيلومتراً شمال غرب مدينة خيرسون، أن جميع المركبات الروسية، باستثناء أربع مركبات، غادرت المواقع الأمامية السابقة، بما يتفق مع الشائعات التي تفيد بأن قوات جمهورية دونيتسك الشعبية تخلت عن كيسيليفكا وعادت باتجاه نهر دنيبرو. كيسليفكا (Kyselivka) هي موقع مهم من الناحية التشغيلية للقوات الروسية حول مدينة خيرسون لأنها آخر مستوطنة رئيسية على طول الطريق السريع E58 وخط سكة حديد بين المواقع الأوكرانية الحالية وكورنوبايفكا (Chornobaivka)، الجزء الأبعد من مدينة خيرسون. الانسحاب الواضح للقوات الروسية من هذا الموقع قد يضعف قدرة الروس على الدفاع عن الضواحي الشمالية الغربية لمدينة خيرسون ويوحي بأن القوات الروسية في هذه المنطقة تدرك تهديداً وشيكاً لمواقعها. صرحت المتحدثة باسم قيادة العمليات الجنوبية في أوكرانيا، ناتاليا هومينيوك، في 12 سبتمبر أن القوات الروسية الواقعة على طول الضفة الغربية لنهر دنيبرو في خيرسون تحاول التفاوض من أجل الاستسلام تحت رعاية القانون الدولي (وهو ما أشرت له في توقعاتي في التقدير السابق رقم (32).

أفادت معلومات أن القيادة الروسية قد أوقفت إرسال وحدات جديدة تم تشكيلها بالفعل إلى أوكرانيا بسبب الخسائر الروسية الأخيرة. وأزعم أن هذا قد يؤدي إلى انعدام الثقة على نطاق واسع بالقيادة العسكرية الروسية، مما يتسبب في رفض عدد كبير من المتطوعين المشاركة في قتال. لا يزال هذا التقييم غير مؤكد، ولكن المعنويات المنخفضة بسبب نجاح الهجوم المضاد الأوكراني قد تكون مدمرة لقدرة الكرملين الضعيفة بالفعل على توليد قدرة قتالية ذات مغزى. سيكون نشر هذه الوحدات المشكلة حديثاً لتعزيز الخطوط الدفاعية ضد الهجمات المضادة الأوكرانية قراراً سليماً من الناحية العملياتية الروسية، وسيتيح التأخير أو التعليق المحتمل لعمليات النشر هذه الفرصة الكافي والوقت للقوات الأوكرانية لتوحيد الهجوم ثم استئنافه.

خامساً: نتائج العمليات الأخيرة حتى الآن:

تمكنت القوات الأوكرانية من إغلاق خطوط الإمداد الروسية الرئيسية على المحور التعبوي الشرقي وتحديداً في المنطقة شمال دونيتسك ومناطق مستوطنات ليشيشيانسك وسيفرودونيتسك في لوهانيسك قرب مدينة بيلغرود الروسية.

أدت الهجمات المضادة الأوكرانية لإضعاف ضغط القوات الروسية تجاه مدينة سلوفيانسك، وبالتالي قلل من قدراتها على تطويق قوات الدفاع الأوكرانية في منطقة دونيتسك.

على وجه الخصوص، ركزت القوات الروسية مؤخراً على تعزيز الوحدات في منطقة دونيتسك، حيث تواصل محاولة التقدم، ونقل القوات إلى منطقتي خيرسون وزابوريزهزيا.

في الوقت نفسه، لم تتخلى القوات الروسية عن خططها لشن هجوم في الجزء الجنوبي الغربي من أوكرانيا، حيث من المهم لها الحفاظ على سيطرتها على رأس الجسر الذي تم الاستيلاء عليه على الضفة الغربية لنهر دنيبرو.

تم تنفيذ هذه الإجراءات، بما في ذلك على حساب منطقة خاركيف، وتم وصفها بأنها تكرار للخطأ الذي ارتكبه نظام بوتين في بداية الحرب، حيث تشتت القوات في عدة اتجاهات.

سادساً: تحليل مراحل الحرب:

المرحلة الأولى:

المدة: من 24 فبراير حتى 06 إبريل 2022.

الإجراءات:

شن حرب خاطفة: شن هجوم شامل على كل المواجهة على أربعة محاور، من اتجاه الشرق في إقليم دونباس والأجناب من الشمال في خاركيڤ والجنوب في خيرسون وفي العمق غرباً تجاه العاصمة كييڤ.

الهجوم من ثلاثة اتجاهات، شمالاً وشرقاّ من روسيا وغرباً من بيلاروسيا وجنوباً من شبه جزيرة القرم.

سوء تقدير الموقف، وتشتيت الجهود الروسية وخطأ توزيعها، وضعف القيادة والسيطرة وسوء خطط الإمداد واستهانة وتردي آداء القوات الروسية.

تكبدت القوات الروسية خسائر فادحة في الأرواح والأسلحة والمعدات، الأمر الذي أدى لتعثر تقدمها بدرجة كبيرة للغاية.

المرحلة الثانية:

المدة: 07 أبريل حتى نهاية أغسطس 2022.

الإجراءات:

التحول للقتال التقليدي: الانسحاب من كييڤ ومحيطها والتركيز على الشرق (دونباس)، والتمسك بالآرض في الجنوب، واستكمال الاستيلاء التام على شواطئ بحر آزوف.

الإستفادة من الأخطاء السابقة، بتركيز الجهود والاهتمام بنقل وتأمين اللوچيستيات وحشد وتركيز وسائل النيران.

المرحلة الثالثة:

المدة: من أول سبتمبر حتى الآن.

الإجراءات:

تحول القوات الروسية للدفاع: استمرار القوات الروسية في القتال بالأسلوب التقليدي مع التحول للدفاع على كافة المحاور التعبوية على طول المواجهة.

هجمات مضادة أوكرانية: في إطار الخداع لتشتيت الجهود واستمرار انتزاع المبادأة من الخصم، شنت القوات الأوكرانية الفرصة هجمات مضادة قوية على اتجاهات مختلفة.

تلاحظ تأثير حجم الخسائر الكبير على مسير العمليات حيث فقدت القوات الروسية القوة الدافعة للهجوم بشكل تام، الأمر الذي أتاح فرصة للقوات الأوكرانية لشن هجمات مضادة ناجحة رغم ضعفها نسبياً مع ارتفاع نسبة خسائر قواتها أيضاً.

ومع تباطؤ تقدم القوات الروسية في المرحلة الثانية وتقهقرها أمام الهجمات المضادة الأوكرانية خلال المرحلة الثالثة، تردد أن “القوات الروسية تحولت للدفاع بهدف الإعداد لهجوم بقوات جديدة في الشتاء، فهم بارعون في ذلك”.

وفي رأيي هي مقولة خاطئة، ولو كانت روسيا هي مصدرها وصدقوا في تنفيذها، لضاعت القوات الروسية في مسرح العمليات. حيث أن انتصارات القوات الروسية على جيشي نابوليون وهتلر كانتا خلال دفاعها داخل الأراضي الروسي وليس خلال الهجوم خارج أراضيها. من جانب آخر نجد أن القوات الأوكرانية سواء في حالة الدفاع أو الهجوم هي المستفيدة في الشتاء القارص والجليد لتحرير أراضيها، فقتال المُحرِر في هذه الحرب أثبت أنه أكثر شراسة وجراءة وثبات مقارنة بقتال الغازي. فأوكرانيا دب شتوي مثل روسيا، وليست مثل الألمان والفرنسيين الذين هُزموا على الأراضي الروسية في الشتاء.

وعلينا أن نتذكر كيف أن بوتين كان أمامه فرصة الهجوم على أوكرانيا في أوائل الشتاء الماضي أو منتصفه، ولكنه انتظر حتى ذوبان الجليد في نهاية فبراير، ليتجنب خطورة الإقدام على ذلك. وتحضرني مقولة “ولو حدث، وهاجمت القوات الروسية في الشتاء، ستجد الجنود الأوكران يتناولون الوجبات الساخنة والمشروبات الدافئة متحصنين بدفاعاتهم، في الوقت الذي يقوم به زملائهم بقطع الإمدادات على القوات الروسية المتورطة في الجليد “.

سابعاً: الأعمال المنتظرة:

على المدى القريب:

على المستوى الاستراتيجي:

من المحتمل قيام بوتين بإحداث تغيير لبعض القيادات العسكرية جراء النتائج العسكرية الأخيرة.

قد يؤثر نجاح العمليات الهجومية المضادة الأوكرانية الأخيرة على إرادة أو قدرة القيادة العسكرية الروسية على استخدام وحدات المتطوعين المشكلة حديثاً في أوكرانيا في الوقت المناسب.

زيادة القوات المشاركة في العملية، وتنفيذ إجراءات أكثر تدميراً في الأراضي الأوكرانية.

على المستوى التعبوي/ التكتيكي:

من المتوقع أن تقوم القوات الروسية بعدة إجراءات لإيقاف الهجوم المضاد لقوات الدفاع الأوكرانية، كالآتي:

إرسال وحدات إضافية من منطقتي لوهانيسك ودونيتسك ومن داخل روسيا نفسها إلى إقليم خاركيف، وذلك لصد الهجمات المضادة الأوكرانية وجذب احتياطياتها شمالاً.

محاولة منع تقدم قوات الدفاع الأوكرانية إلى الشرق من نهري أوسكيل وسيفيرسكي دونيتس في منطقتي خاركيف ودونيتسك ولضمان أمن الحدود الروسية في الجزء الشمالي الشرقي من منطقة خاركيف.

قد تؤدي الإجراءات التي ذكرتها (حالة حدوثها) إلى تعطيل الهجمات المضادة الأوكرانية، ولكنها، ستؤدي أيضاً إلى صعوبة وتعقيد تطوير النشاط الهجومي الروسي شمال مدينة خاركيف وفي منطقة دونيتسك.

على المدى المتوسط:

الجانب الأوكراني:

على القوات الأوكرانية، التي تمتلك المبادأة حالياً بشكل أكبر نسبياً، أن تختار أين تكون الخطوة القادمة، فأمامها الآتي:

الاستمرار في تطوير الهجوم شرقاً من اتجاه الشمال نحو ليشيانسك وسيڤرودونيتسك.

تنفيذ هجمات مضادة من اتجاه الشرق لتوسيع الثغرات في مدن دونيتسك وقطع الاتصال بين بلوغرود الروسية شمالاً وليشيانيسك وسيفرودونيتسك وتحقيق الاتصال مع القوات الأوكرانية في لوهانيسك.

شن هجمات مضادة قوية تجاه خيرسون جنوباً، وهي الأكثر صعوبة ولكنها الأكثر أهمية، وتطوير الهجوم تجاه ماريوبول أو ماليتوبول، أو الأخطر تجاه شبه جزيرة القرم وعزلها تماماً، مما يسرع من انهيار الدفاعات في الجبهة الجنوبية الشرقية الأهم لروسيا.

الجانب الروسي:

ستقوم القوات الروسية بتنفيذ ضربات نيرانية انتقامية، تستهدف البني التحتية ومصادر النيران ومخاذن الأسلحة والذخائر والمعدات وربما المدنيين، وبما يحدث تأثير شديد على القيادات والقوات الأوكرانية.

ستبحث القوات الروسية عن أقرب أراضي بها أوكرانيين أكثر موالاة لهم في العمق الشرقي، وذلك مع كل انسحاب، وبسرعة تقوم بإعداد التجهيزات الهندسية أو رفع كفاءتها لتحصين دفاعاتها انتظاراً للشتاء الذي سيكون صعباً على القوات الأوكرانية لتطوير هجومها شرقاً بنفس معدلات التقدم. ومن مواضعها الدفاعية في الشتاء تستكمل تنفيذ الضربات النيرانية ضد الأهداف الأوكرانية المؤثرة بشدة.

اعتباراً من نهاية الشتاء أي بنهاية فبراير أو قبل ذلك بقليل، تعاود القوات الروسية هجومها من خلال تنفيذ عملية هجومية شاملة، شريطة أن تكون استعادت قوتها وأعلنت التعبئة ودربت قوات كافية لذلك.

احتمالات من كلا الجانبين بشكل عام:

نظراً للتأثير السلبي على كلا الجانبين، أتوقع تمسك القوات الروسية والأوكرانية على السواء على الأراضي التي تحت سيطرة كل منهما، مع توسع الجانبين في تنفيذ ضربات صاروخية ومدفعية بعيدة المدى، وهجمات سيبرانية، وإجراءات العمليات النفسية، وأعمال خاصة خلف الخطوط.

ثامناً: ملاحظات أثرت على مسير العمليات:

يبنى تخطيط الحروب والعمليات العسكرية على التحديد الدقيق للهدف الاستراتيچي السياسي العسكري، حيث يجب أن يكون الهدف الاستراتيچي العسكري في سياق أو داخل إطار الهدف الاستراتيچي السياسي، ولا يجب أن يحيد عنه أو يتجاوزه وإلا كان خطأ جسيم يؤدي إلى عواقب وخيمة منتهاها الهزيمة، أو على الأقل عدم حسم الحرب. ولا يجب أن يتغير الهدف الاستراتيچي السياسي العسكري للحرب أو العملية بسهولة، وإن حدث ذلك يهدر الوقت والقدرات والجهود، حيث تتشتت جهود القوات وتزيد نسب الخسائر وتتأثر الروح المعنوية بشدة.

وهو ما يتم حرفياً في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث نجد أن الهدف الاستراتيجي السياسي العسكري الروسي قد تغير خلال المراحل الثلاث للعملية. من جانب آخر، في حين أن الهدف الاستراتيجي السياسي يركز جنوباً في خيرسون لصالح شبه جزيرة القرم والبحر الأسود والمدن الهامة المكتسبة كمايروبول وماليتوبول ومحيطها، نجد الهدف الاستراتيجي العسكري يركز شرقاً في إقليم دونباس، وخلال المرحلة الأولى كان التركيز السياسي شمالاً تجاه كييف والعسكري جنوباً تجاه مايروبول.

تعتبر الحالة الروسية/ الأوكرانية ضمن حالات قيام دولة باجتياح حدود دولة أخرى عسكرياً، ومهما كان حجم الموالين الأوكرانيين للروس، فإن القوات الروسية المهاجمة بعد نجاحها في الاستيلاء على جزء من الأرض أو قرية أو مدينة أوكرانية ستحتاج لترك قوات كافية مدججة بالسلاح والذخائر لتأمين الأراضي المكتسبة من أي عناصر مقاومة، وكذا للسيطرة الكاملة عليها وتسيير أمورها إدارياً، الأمر الذي يؤثر على الحجم الأصلي للقوات المهاجمة المكلفة بتطوير الهجوم في العمق الأوكراني، فتقل القوة الدافعة للهجوم، مما يحدث التباطؤ الشديد في تقدم القوات الروسية الذي لاحظناه.

أما حالة تنفيذ الهجوم المضاد بقوات أوكرانية واستعادة الاستيلاء على أراضي أو قرى أوكرانية، فهي لا تحتاج لترك قوات كبيرة لحمايتها، فقط عليها تسليح أهالي هذا المناطق وترك عناصر بسيطة لقيادتها وتأمينها، بل وتدعيم القوات التي ستقوم بتطوير الهجوم بشباب المدينة التي تم تحريرها، أي تزيد حجم القوات الأوكرانية وترتفع روحها المعنوية مع تحرير الأراضي التي تم استعادتها.. على عكس الموقف الروسي الذي تقل حجم القوات مع الاستيلاء على جزء من الأراضي الأوكرانية، وتزايد حجم مخاطرها في العمق.

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم

زميل كلية الحرب العليا/ أكاديمية ناصر العسكرية العليا

رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل

المصادر:

مصادر علنية دولية.

مصادر خاصة

Share:

administrator