چيوستراتيجياً، يمثل ممر سوڤالكي  (Suwalki corridor)، الواقع بين بولندا وليتوانيا نقطة اختناق حيوية على المستوى الاستراتيچي العسكري خاصة بعد انضمام الدولتين للناتو، والذي في حالة تأمينه بواسطة دولتي الناتو، يحرم روسيا “التهديد الرئيسي الرئيسي للحلف”، من الوصول إلى مدينة كاليننجراد الروسية والنعزولة عن أراضها الأم (روسيا) الدولة الأكبر مساحة في العالم. ويمتد ممر سوڤالكي أهميته من أهمية كاليننجراد بما تملكه من إطلالة اقتصادية وعسكرية على بحر البلطيق المحاصر حالياً بدول الناتو من جميع الجهات.

 

تشكلت الحدود بين بولندا وليتوانيا بعد اتفاقية سوڤالكي عام 1920، لكنها لم تكن ذات أهمية كبيرة في فترة ما بين الحربين العالميتين في ذلك الوقت، إلا أنه بعد انهيار الاتحاد السوڤيتي وحلف وارسو انضمت جميع الدول التي لا تنتمي إلى الاتحاد السوڤيتي وكذلك دول البلطيق في النهاية إلى الناتو. ولكن في خضم ذلك، تنظر روسيا إلى ممر سوڤالكي على أنه (ثغرة) يمكن استغلالها، حيث خلق التحول الچيوسياسي نقطة ضعف لـ”لكتلة العسكرية الفعالة” للناتو، حيث أن بيلاروسا الموالية للاتحاد الروسي يمتد من أراضيهاها ممر سوڤالكي في هيئة خط حدودي إلى كاليننجراد، يمكن حالة الاستيلاء عليه أن يحقق الاتصال بكاليننجراد ويهدد دول الناتو المطلة على بحر البلطيق.

 وقد اشتدت مخاوف الناتو بشأن ما أسمته بـ “ثغرة سوفالكي – Gab Suwałki” بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وشنت الحرب في إقليم دونباس شرق أوكرانيا عام 2014، وازدادت مخاوف الناتو بشكل أكبر بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022. وقد دفعت هذه المخاوف الحلف إلى زيادة وجوده العسكري في المنطقة.

وقد حاولت روسيا التفاوض على الممر خارج الحدود الإقليمية لربط مدينة كالينينجراد بمدينة جرودنو غربي بيلاروسيا، لكن بولندا وليتوانيا والاتحاد الأوروبي لم يوافقوا على ذلك. حيث يمر الطريق الدولي المسمى بـ”عبر البلطيق – Via Baltica”، وهو رابط حيوي يربط بين فنلندا ودول البلطيق ببقية دول الاتحاد الأوروبي، عبر المنطقة وهو قيد الإنشاء حالياً في بولندا كطريق سريع رقم S61.

ومؤخراً، بعد تلميح بوتين بمواجهات محتملة مع دول البلطيق وبولندا، ازدادت التوقعات أن يكون ممر سوڤالكي إحدى مناطق الاستهداف الرئيسية من أجل إنشاء ممر بري بين الاتحاد الروسي عبر بيلاروسيا وكالينينجراد التابعة لروسيا، وبما يقطع الاتصال بين ليتوانيا وبولندا ويتيح لروسيا الوصول بشكل أكثر سهولة وأمن إلى كاليننجراد، وبما يحقق انتشار القوات الروسية في صورة تهديد مباشر تجاه جميع دول الناتو المطلة على بحر البلطيق، الأمر الذي يصعب تأمينها ضد أي هجمات روسيا مدعومة من بيلاروسيا. وهو أمر محتمل ضمن عدة سيناريوهات حالة نجاح بوتين في الوصول إلى أوديسا والتوغل في ملدوڤا. حيث من الممكن الاستيلاء على ممر سوڤالكي أثناء هجوم القوات الروسية من أراضي بيلاروسيا ومنطقة كالينينجراد.

وتشير التقديرات إلى أن بوتين قد يتخذ هذا القرار إذا تم الاستيلاء على أوكرانيا ومولدوڤا، وبما يحقق توسع لقواته وضمان جبهة شرقية لها.

جديرٌ بالذكر، انه خلال الحرب العالمية الثانية، لم يكن الممر مهماً، حيث تم نقل منطقة كالينينجراد إلى الاتحاد السوڤيتي (روسيا) بعد نهايتها.

وتقوم روسيا بتأمين كاليننجراد بـ 15000 من القوات، كذلك الطائرات المقاتلة المتطورة والأسلحة النووية. إلا أن التحرك الروسي للسيطرة على الممر صعب للغاية، لأنه سيتضمن صراحة هجومًا على أراضي الناتو، مما يؤدي إلى رد عسكري قوي تتدخل فيه الولايات المتحدة عضو الناتو.

هناك طريقان سريعان – أحدهما به مساران في كل اتجاه، والآخر به ممر واحد فقط في كل اتجاه – بالإضافة إلى خط سكة حديد، كلها بنية أساسية للنقل على الأرض تربط بولندا بدول البلطيق. منذ الغزو الروسي الأول لأوكرانيا، في عام 2014، أولى المسؤولون الحكوميون الغربيون والقادة العسكريون وخبراء مراكز الأبحاث اهتماماً إضافياً لهذا الممر الضيق نسبياً بين الحلفاء، ويرجع ذلك أساساً إلى الممر الضيق الذي يمثله، إذا سعت روسيا إلى محاولة عزل دول البلطيق.

من الواضح أن الاستيلاء على ممر سوڤالكي يستلزم مهاجمة ليتوانيا أو بولندا أو كليهما، مما يؤدي مباشرة إلى حرب بين الناتو وروسيا. وقد قامت كل من روسيا وبيلاروسيا باجراء مناورة عسكرية تدريبية تم فيها قطع ممر سوڤالكي، وذلك في خريف عام 2021.

منذ عام 2017 خصصت كل من الولايات المتحدة وألمانيا قوات قوامها أربع مجموعات قتال مدعمة بحجم 4000 مقاتل ومعها قوات أخرى تم نشرهم في أستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا لتأمين ممر سوڤالكي فضلاً عن تأمين دول البلطيق الثلاث، وفي عام 2018  أعلنت بولندا نشر قوات قرب الممر تحسباً لأي عمل عدائي من روسيا وبيلاروسيا.

وفي حالة بوادر ظهور نوايا روسيا القيام بمحاولة السيطرة على الممر، من المنتظر دفع قوات الناتو متعددة الجنسيات من تلك المتمركزة في ليتوانيا وبولندا من البلدين ومن الولايات المتحدة وألمانيا في الأساس، بمهمة حماية وتأمين ممر سوفالكي وحرمان القوات الروسية والبيلاروسية من التدخل للسيطرة على الممر أو محاولة إغلاقه، مع اتخاذ الإجراءات والتدابير لتنفيذ عملية عزل عسكري شامل لمدينة كاليننجراد عن روسيا واتمام محاصرتها.. وفي نفس الوقت اتخاذ أوضاع التأمين المخططة للدفاع عن عن بولندا وليتوانيا ورفع درجات الاستعداد على كافة مواجهة الناتو أمام روسيا اعتباراً من تركيا واليونان جنوباً وحتى دول البلطيق والنرويج وتضمين فنلندا والسويد شمالاً.. وهي مرحلة تعتبر انفجاراً حقيقياً لقنبلة موقوتة انطلاقاً من “ممر سوڤالكي” قلب نقطة الاختناق الحرجة بين روسيا والناتو.

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل كلية الحرب العليا/ أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل

المصادر:

The Key to the Baltics: Suwalki Corridor

https://www.ankasam.org/the-key-to-the-baltics-suwalki-corridor/?lang=en

NATO Must Prepare to Defend Its Weakest Point—the Suwalki Corridor

https://foreignpolicy.com/2022/03/03/nato-must-prepare-to-defend-its-weakest-point-the-suwalki-corridor/

Strategic importance of Kaliningrad and Suwalki corridor. 

https://www.youtube.com/watch?v=oDtKnT1yw2A

Croatia sends multi-barrel rocket launchers to Poland this year, eight armored combat vehicles and 120 Tigers to Lithuania next year

https://www.jutarnji.hr/vijesti/hrvatska/hrvatska-ove-godine-u-poljsku-salje-visecijevne-bacace-raketa-iduce-godine-u-litvu-osam-borbenih-oklopnih-vozila-i-120-pripadnika-tigrova-5635407?fbclid=IwAR0FDklDk46tayDwZgd_ReeBNCkSI4z1RLgbBWWM6EPBRCmKo0nf7Ofl41g

NATO’s military presence in the east of the Alliance

https://www.nato.int/cps/en/natohq/topics_136388.htm?fbclid=IwAR2sFlVnHzudjBmBMsF-gNXgpSxY8QpH9z4x1ik2THBo2tnhbobr-S0D22M
Share:

administrator

PhD, MG(Ret.), Chairman IGSDA (UAE), Visiting Scholar in International Relations & International Security in several countries, (Egyptian)